أبو عبيدة بن الجراح

في شهر واحد بس أتغير اهتمام ولادي من متابعة أحدث أصدارات الجيمز وطرق لعبها، لمتابعة تطورات الأحداث في أرض العزة. أتغيرت محطتنا الرئيسية في التليفزيون من سبيس تون، للقنوات الاخبارية. بطلهم الخارق كان هالك وايرون مان، النهاردة بطلهم الخارج أسمه "أبو عبيدة"، الفرق أنه بطل حقيقي من لحم ودم وبيزرع جواهم قدوة وشرف. أكيد أنت واخد بالك أن أسم "أبو عبيدة" هو أسم حركي، مش أسمه الحقيقي. طب ليه أختار الأسم ده تحديدا، مين هو "أبو عبيدة" الأصلي.

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل أمة أمينا، وإن أميننا أيتها الأمة، أبو عبيدة بن الجراح". في بداية الدعوة إلي الإسلام، كانت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية لمدة ٣ سنوات. كان الرسول صلى الله عليه وسلم بيجتمع بأصحابه وأوائل الناس اللي دخلوا الإسلام في السر، في دار إبن أبي الأرقم، وأختار الدار دي تحديدا عشان كانت متطرفة علي حدود مكة ومفيش بيوت حواليها. زي محنا عارفين أن أول من أسلم من الرجال كان "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه وأول من أسلم من الصبيان كان "علي بن ابي طالب" كرم الله وجهه وأول من أسلمت من النساء ستنا "خديجة بنت خويلد" رضي الله عنها زوجة الرسول. أما بقي تاسع من أسلم من المؤمنين في دار إبن أبي الأرقم كان "أبو عبيدة بن الجراح" رضي الله عنه.

"أبو عبيدة بن الجراح" مفيش في كتب السيرة مايروي فضولنا عن ماضيها قبل الإسلام، بمعني أدق هو نسي ومحي كل ذكرياته قبل الإسلام وكأنه بأسلامه أتولد من جديد. لكن بعض المصادر خمنت شغلته أنه كان لحاد، بيحفر القبور يعني، وده بسبب أن "أبو بكر الصديق" طلب منه حفر قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات. وفي مصادر تانية رجحت أنه أتولد سنة ٤٠ قبل الهجرة يعني بحسبة بسيطة نقدر نقول أنه دخل في الإسلام وهو عنده ٢٧ سنة.

"أبو عبيدة بن الجراح" بما أنه من أوائل أوائل المسلمين من أول سنة دعوة سرية كمان، فكان مقرب جدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من البداية حتي النهاية، مر بكل الصعوبات والمحن اللي عاشوها المسلمين في مكة، من اضطهاد وتعذيب وإهانة ونبذ. وكان من المهاجرين في الهجرة الأولي الي الحبشة، لكنه مطولش هناك ورجع تاني لمكة بعد مدة بسيطة جدا، وكأنه مستحملش البعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوده جنبه في وقت المحنة. 

ومن بعدها بيأتي فرج من الله ويأمر نبيه بالهجرة إلي يثرب واللي سماها بعد الهجرة بالمدينة. وهاجر "أبو عبيدة بن الجراح" مع المسلمين اللي هاجروا من مكة الي المدينة وهو عنده ٤٠ سنة. وفي سنة ٢ هجري بيحضر "أبو عبيدة بن الجراح" غزوة بدر، ويكون من أوائل المجاهدين في الصفوف الأولي للمسلمين بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيه كلام أتقال أن "أبو عبيدة" في غزوة بدر صادف أبوه في صفوف المشركين في المعركة فقتله، لكن الكلام ده باطل غير صحيح لأن ببساطة أبوه مات قبل الإسلام. 

وكانت أهم وأكبر لقطة في حياة المجاهد العظيم والصحابي الجليل "أبو عبيدة بن الجراح" في غزوة أحد سنة ٣ هجرية. كلنا درسنا غزوة أحد في المدرسة وسمعنا وعرفنا أن المسلمين انتصروا في الجزء الأول من المعركة، لولا مخالفة الرماة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزولهم من الجبل لجمع الغنائم، فأنتهز "خالد بن الوليد" الفرصة - وكان لسه علي الشرك - ولف حوالين الجبل وباغتهم فأنتصر المشركين علي المسلمين. في وقت انقضاض المشركين علي المسلمين، كان "أبو عبيدة بن الجراح" ثابت في مكانه متحركش زي ما أمره الرسول، لحد ما شاف اشتداد ضغط المشركين حوالين رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة، فطار "أبو عبيدة بن الجراح" عليه، علي حد وصف "أبو بكر الصديق" للموقف اتهيأله من شدة جري "أبو عبيدة بن الجراح" علي الرسول كأنه بيطير. فلما وصل شاف خوذة رسول صلى الله عليه وسلم دخلت في لحم وجنتيه لما وقع علي وجهه الكريم في المعركة. وبسرعة قبل ما يتصرف "أبو بكر الصديق" مسك "أبو عبيدة" الخوذة وبقي يخلعها بأسنانه من وجه الرسول، وفي كل ناحية يخلعها كانت ثنية بتطير معاها، لحد ما طارت ثنيتيه، يعني أسنانه الأربعة اللي من أدام.

وصف "شمس الدين الذهبي" "أبو عبيدة بن الجراح" وقال: "كان أبو عبيدة رجلاً نحيفاً، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالاً، أجنأ أو أحنى أثرم الثنيتين".

شارك "أبو عبيدة بن الجراح" في كل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. ومش بس كده ده كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعتمد عليه اعتماد كبير ويخليه علي قيادة سريات عديدة في مواقف كتيرة. علي سبيل المثال في سنة ٦ هجرية لما خرج "أبو عبيدة بن الجراح" علي رأس سرية من ٤٠ رجل علي حدود المدينة، لما عرفوا أن فيه قبيلة عاوزة تغير عليهم، وانتصر عليهم. وفي سنة ٨ هجرية لما خرج "أبو عبيدة بن الجراح" مع "عمرو بن العاص" علي رأس سرية من ٣٠٠ رجل برده لتأمين حدود المدينة من بعض القبائل اللي كانوا عاوزين يغيروا عليها. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثق في قدرة "أبو عبيدة بن الجراح" وحكمته ورؤيته العسكرية. 

وفي يوم جاء اتنين من نجران الي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا عنه وقالا: "نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أميناً، ولا تبعث معنا إلا أميناً"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين"، فأصحاب رسول الله اللي حواليه كلهم بصوله متمنين ياخدوا الشرف ده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قُمْ يا أبا عبيدة بن الجراح»، فلما قام " أبو عبيدة" كمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "هذا أمين هذه الأمة". وموقف تاني جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من اليمن وقالوا له: "ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام"، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد "أبو عبيدة" وقال: "هذا أمين هذه الأمة". والجدير بالذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، فكان "أبو عبيدة بن الجراح" واحد من العشرة المبشرين بالجنه.

لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ١١ هجري. حفر "أبو عبيدة بن الجراح" قبره الشريف وألحده بيديه. وكان "أبو عبيدة بن الجراح" من المرشحين للخلافة علي المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللي رشحه كان "أبي بكر الصديق" بنفسه. ففي سقيفة بني ساعدة قال "أبي بكر الصديق": "بايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح"، لكن "عمر بن الخطاب" رد عليه وقال: "بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وأخد أيده وبايعه، وبايعه وراه كل المسلمين، رضي الله عليهم أجمعين.

في عهد "أبي بكر الصديق" أستمر "أبو عبيدة بن الجراح" في الجهاد بالصفوف الأولي من جيش المسلمين. فأصبح مش بس أمين الأمة ده كمان أضيف اليه لقب فاتح الشام. وبعد وفاة "أبي بكر الصديق" تولي الخلافة "عمر بن الخطاب" سنة ١٣ هجري أمر بتولية "أبو عبيدة بن الجراح" قيادة الجيوش بدل "خالد بن الوليد" وبعتله رسالة قال فيها: "قد ولّيتك جماعة المسلمين، فبثَّ سراياك... وانظر في ذلك برأيك ومَن حضرك من المسلمين... ومَن احتجتَ إليه في حصارك فاحتبسه، وليكن فيمن يُحتبس خالدٌ بنُ الوليد فإنه لا غنى بك عنه". وده مش عشان "خالد بن الوليد" مقصر لا ده عشان "خالد" كان قائد عظيم لم يهزم في معركة أبدا وكانت أمجاده خلت الناس قربت تقدسه فخاف "عمر بن الخطاب" من فتنة المسلمين، عشان كده قدم عليه "أبو عبيدة بن الجراح". 

ومن جمال أخلاق المسلمين، لما وصل ل "خالد بن الوليد" القائد المغوار أمر عزله راح ل "أبو عبيدة بن الجراح" عشان يبقي تحت قيادته زي ما أمر أمير المؤمنين وقال له: "بُعث عليكم أمين هذه الأمة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، فرد عليه "أبو عبيدة" وقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خالد سيف من سيوف الله ونِعْمَ فتى العشيرة".

قاد "أبو عبيدة بن الجراح" معركة فحل سنة ١٣ هجري بالأردن حاليا ضد جيش الروم وانتصر عليهم. ومن بعدها زحف بالجيش لحد دمشق وحاصرها ٤ شهور لحد ما فتحها سنة ١٤ هجري. ومن بعدها استمر الزحف وفتح حمص وبعلبك. وكان "أبو عبيدة بن الجراح" قائد معركة اليرموك الشهيرة بمساعدة وقيادة مشتركة مع "خالد بن الوليد" سنة ١٥ هجرية. وكان أهم فتح علي إيد أمين الأمة "أبو عبيدة بن الجراح" هو فتح بيت المقدس، القدس الحبيبة الغالية _اللهم عودة_ من أيدي الروم سنة ١٦ هجرية . وحضر أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" بنفسه لاستلام مفاتيح بيت المقدس بناء علي رغبة رهبانها عشان يحسوا بزيادة أمان وأطمئنان لأنهم سمعوا عن عدل ورحمة "عمر" كتير. 

بعد فتح بيت المقدس غرقت الشام في وباء الطاعون اللي جالها من أوروبا، والأوبئة دي كانت كتير ومنتشرة في القرون الوسطي بغزارة وخصوصا في أوروبا. وكان "أبو عبيدة بن الجراح" في الشام وقتها مع جنوده، وأتصاب جنود كتير من جيش المسلمين فيه. فطلب "عمر بن الخطاب" من الباقيين الخروج من الشام الخروج منها فرارا من قدر الله الي قدر الله. لكن "أبو عبيدة بن الجراح" رفض الخروج لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الطاعون: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فِراراً منه"، وقرر أنه يسمع أمر رسول الله زي ما اتعود طول عمره وميخرجش من أرض الطاعون، كان أمر رسول الله طاعة في حياته ومماته. فبعت "عمر بن الخطاب" رسالة ليه يترجاه أنه يسيب الشام ويخرج، فرد عليه "أبو عبيدة بن الجراح" برسالة كتب فيها: "يا أمير المؤمنين، إني قد عرفتُ حاجتك إليَّ، وإني في جُند من المسلمين، لا أجدُ بنفسي رغبةً عنهم، فلستُ أريد فراقَهم حتى يقضيَ الله فيَّ وفيهم أمرَه وقضاءه، فحلّلني من عزمتك يا أمير المؤمنين ودعني في جندي". فلما قرأ "عمر بن الخطاب" الرسالة وسط الناس بكي بكاء شديد، فسأله الناس: "أمات أبو عبيدة" فرد عليهم: " لا، وكأن قد".

وفعلا أتصاب "أبو عبيدة بن الجراح" بالطاعون، ولما أشتد عليه الوجع قال للناس: "أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيّكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يَقسم له منه حظَّه". ومات "أبو عبيدة بن الجراح" بالطاعون وسط جنوده سنة ١٨ هجري. ولما مات خرج "معاذ بن جبل" يصلي بالناس وخطب فيهم وقال: "أيها الناس، إنكم فُجِعْتُم برجل ما رأيت أحداً من عباد الله قط أقل حقداً ولا أبرأ صدراً ولا أبعد غائلة ولا أشد حياءً ولا أنصح للعامة منه، وذلك هو أبو عبيدة بن الجراح، فترحموا عليه، رضي الله عنه". 

يوجد حاليا قبر "أبي عبيدة بن الجراح" في غور البلاونة على الطريق العام القاطع غور الأردن من الشمال إلى الجنوب، وعلى بعد أربعين كيلو من مدينة السلط. وجه "الظاهر بيبرس البندقداري" في عصر المماليك بني علي قبر "أبو عبيدة بن الجراح" مشهد، وأوقف عليه وقف ريعه للمؤذن والإمام.

رحم الله أمين الأمة فاتح الشام والقدس "أبو عبيدة بن الجراح".

مروة طلعت

8 / 11 / 2023

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

سير أعلام النبلاء ج1 - شمس الدين الذهبي.

البداية والنهاية ج3،5 - ابن كثير.

السيرة النبوية - ابن هشام.

الكامل في التاريخ - ابن الأثير.

تاريخ الطبري ج 2.  



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا