حصار السويس 2

 هو أنا مش قلت كذا مرة "التاريخ بيكرر نفسه"، وقف  اطلاق نار ايه اللي انتوا مستنينه، قال يا مستني السمنة من بطن النملة. الناس دي يا بني لا ليهم عهد ولا دين ولا أمان. دايما الضعيف بيستحل أي حاجة، وبيشتغل بأقذر الأساليب عشان يوصل للمكسب اللي  هو عاوزه.الضعيف بيستغل تشتيت خصمه، انما لو خصمه قوي بيستخبي منه جوا الجحور. كلمة وقالها "جمال عبد الناصر" زمان، ما أوخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة. هترجع وتقولي وقف اطلاق النار معناه أن أرض العزة أنتصرت، هقولك أرض العزة منتصرة مفيش جدال بشهادة القرآن كلام رب العالمين. أنما موضوع وقف النيران ده برده مش مضمون، عشان الحكاية دي أنا شفتها قبل كده علي رأي "باسم يوسف"، ما تيجي تشوفها معايا.

6 أكتوبر 1973م، الساعة 2 الضهر، طارت طياراتنا الباسلة دكت القوات الجوية للعدوعلي الأرض زي ما عملوا معانا في 67. ومن بعدها أقتحموا مشاة جيشنا خطوط العدو، وهدوا خط بارليف الأسطوري اللي قالوا عليه ميتهدش الا بالقنبلة النووية، وفرجناهم عليه وهو بيتهد بخراطيم ماية. يومها الجيش المصري أثبت للعالم كله أن جيش العدو ده جيش مراجيح، بكل معداته وأسلحته المتطورة، زي ما حصل دلوقتي وأنكشفوا قصاد العالم أنهم بكل تقدمهم وتكنولوجيتهم المتطورة لسه برده مراجيح. هنضطر نعدي الأيام المجيدة دي عشان نوصل للنقطة اللي احنا عاوزينها.

 يوم 22 أكتوبر 1973م، أصدر مجلس الأمن في الأمم المتحدة قرار رقم 338 بوقف اطلاق النيران، أيوه بقي خلينا ناخد نفسنا ونلم معداتنا ونظبط صفوفنا وكل واحد يعيد ترتيب أوراقه وهيبقي فيه اتفاقات ومعاهدات والذي منه، هي دي اللقطة اللي مستنينها دلوقتي مش كده، ان شاء الله وألف ألف مبروك.

"جولدا مائير" بعتت برقية لوزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسنجر" بتطلب منه يجيلها ضروري عشان يشوفوا هيعملوا ايه بعد القرار ما طلع. "كيسنجر" الداعم الاقوي والأشرس ليهم لأنه من نفس دينهم، واللي أستغل منصبه في تسهيل عمليات مساعدة كتير أوي ليهم، أول ما وصلته البرقية غير خط سير طيارته وراح ل "جولدا". "كيسنجر" قال في مذكراته عن الزيارة دي: "في اس.را.ئي.ل ولكي احظى بمساندتهم فانني أشرت لهم انني سوف اتفهم الامر اذا افلتت ساعات قليلة من سريان وقف اطلاق النار، وستفلت هذه الساعات بينما اكون عائدا بطائرتي الى واشنطن". يعني اداهم الضوء الأخضر في ضرب قرار مجلس الأمن بعرض الحائط وقالهم استغلوا القرار أصلا أن المصريين وقفوا في اماكنهم وبحبحوا انتوا يا ولاد، أصل المصريين بيحترموا العهود والقرارات والمواثيق أنما انتوا لا، أنتوا نسيتوا أفعال جدودكم هتخيبوا ولا ايه.

البعدا قالوا هييييه، وأخترقوا القرار واتقدموا في اتجاه السويس، كان كل اللي هاممهم يقضوا علي الجيش التالت المرابط في السويس. مصر شافتهم بيتحركوا وبيتقدموا، بعتت اعتراض لمجلس الأمن أن العدو أنتهك قرار وقف اطلاق النار. ومجلس الامن بعت تحذير، و"برجينيف" رئيس الاتحاد السوفيتي بعت جواب تحذير ل"نيكسون" رئيس أمريكا ورسالة تانية ل"كيسنجر" مخصوص عشان عارف أن اللعب القذر ده بتاعه. مجلس الأمن طالب البعدا أنهم ينسحبوا تاني لخطوط يوم 22 أكتوبر ساعة صدور القرار، "جولدا" أرتبكت ومعرفتش تتصرف ازاي، فاتصلت ب "كيسنجر" اللي برده سافرلها فورا، وزي ما كتب في مذكراته قال لها: "انني اقترح عليك ان تنسحب قوات اسرائيل في هذه الحالة مئات قليلة من الياردات من أي موقع تكون قد وصلت اليها الان، ثم تقف وتقول ان هذه هو خط 22 أكتوبر. كيف يمكن لأي شخص أن يعرف على الاطلاق أين كان يوجد خط 22 أكتوبر في الصحراء؟". أمريكا عندها الأمكانيات اللي تقدر تقول لمجلس الامن فين نقطة 33 أكتوبر بالتحديد، بس ياعيني أكيد كلها باظت وقتها.

واتحرك جيش البعدا بسرعة جنونية ناحية السويس أكتر عشان يحاصروا الجيش التالت في السويس، ولما يبقوا يوصلوا يبقوا يرجعوا كام متر ويقولوا دي حدود 22 أكتوبر زي ما "كيسنجر" قالهم. ولما مجلس الأمن خد علم باستمرار انتهاك قراره، عقد اجتماع سريع وقرر أنه يبعت لجنة تقصي حقائق تشوف الوضع علي أرض الواقع، تمنع زحف البعدا وتجبرهم يرجعوا لمكانهم يو 22 أكتوبر. في الوقت ده كان البعدا فرضواحصار حوالين السويس، وقطعوا طريق السويس القاهرة من ناحية الغرب، وطريق الاسماعيلية من ناحية الشمال، والطريق البري اللي بيربط السويس بميناء الأدبية وخليج السويس من ناحية الجنوب. مش بس كده ده وصلت بعض القطع البحرية يوم 24 أكتوبر الى ميناء الأدبية وبكده قطعوا الطريق البحري اللي بيربط السويس بالخليج والبحر الأحمر. وسلملي علي قرار وقف اطلاق النار. وبكده نجح البعدا في حصار السويس بشكل كامل وحصار الجيش الثالث الميداني شرق القناة، واقتحموا مركز قيادة قائد الجيش التالت بالدبابات، وده خلاه يغير مركز القيادة جنوب جيل عوبيد. الجيش التالت كان بيتكون من فرقتين 7 مشاة و19 مشاة عددهم حوالي 40.000 ضابط وجندي و250 دبابة.

الساعة 2 منتصف ليل 24 أكتوبر وصل رسالة للجنرال "ابراهام أدان" قائد الفرقة المدرعة للعدو، بأمر أقتحام السويس وتدمير اي حاجة قصاده علي قدر الامكان، عاوزينها أرض زي ما عاوزين أرض العزة دلوقتي.  الساعة سابعة صبح يوم 24 أكتوبر 1973، كان الجيش التالت الميداني منتظر لجنة مجلس الأمن، لكنهم فوجئوا بطائرات العدو هاجمة عليهم بالصواريخ، وقصف مدمر شغال من مدفعيتهم. وسلملي تاني علي مجلس الأمن وقرار وقف إطلاق النار. العدو كان واثق تمام الثقة من الفوز، الجيش المرابط عدده قليل والأسلحة معاه مش مكفية ومفيش إمدادات ومقفلين عليهم الطرق من فوق وتحت ويمين وشمال حتي البحر قفلناه، والسويس معظم أهلها اتهجروا ومش موجود غير شوية عمال وأسرهم. ممكن ترجع للجزء الاولاني من حصار السويس هتفهم الوضع أكتر هسيبلك اللينك في الكومنتات. ولزيادة التأكيد وعشان ميخدوش وقت، وعشان ميواجهوش زي الرجالة لا سمح الله. ضربوا مواسير الماية، ومخازن الدقيق، ومحولات الكهربا، وقطعوا ترعة السويس المتفرعة من ترعة الإسماعيلية اللي بتوصل السويس المائة العذبة، وقطعوا أسلاك التليفون، وركزت المدفعية قصفها علي الأحياء السكنية والمستشفيات وقصف المدنيين من نساء وأطفال، ومات تحت القصف مئات الشهداء وآلاف الجرحي ووسط ضلام دامس ولا فيه مائة وندرة المعدات الطبية والجراحة. يعني من الآخر السويس كانت نسخة أولي من أرض العزة دلوقتي، نفس الأحداث والمشاهد والصور لا نقصت صورة ولا زادت، بالكربون نفس الخسة والوضاعة.

لما اضربت مخازن الدقيق والنار مسكت فيها، السوايسة كلهم جريوا كل واحد بيحاول يلحق اي حبة دقيق بأي حاجة اللي بياخد في جلابيته واللي بيلحق بحلة أو كوباية. "بدوي الخولي" محافظ السويس، جمع كل الدقيق اللي الناس لحقته.ولحقوا كمان من المخازن اللي انضربت علب الأكل المحفوظة والشاي والسكر، كل ده جمعه عشان الناس متموتش من الجوع، وبالنسبة للماية عواجيز السويس أفتكروا مكان بير ماية مهجور من سنين واتنسي، رجالة السويس حفروه تاني وبقي هو مصدر الماية الوحيد في البلد. وقرر محافظ السويس بناء علي اللي عنده وعدد السكان يصرف لكل واحد رغيفين عيش في الأسبوع وكمان وزنه نص العيش اللي كان، وكل اسبوعين ٣ علي أكل وشوية شاي وسكر. وأي استخدام تاني للماية غير الاكل والشرب يبقي من ماية البحر. واعتمدوا علي الحطب يولعوا بيه الافران بدل الكيروسين، جابوا الحطب منين؟ من فلنكات القطر اللي خلعوها ماهي مبقاش ليها لازمة متهيقلي واضح يعني. كان معروف وقت حصار السويس أن السوايسة بياكلوا العيش بالقول السوداني والبصل. ومائة البحر بقوا يغلوها وياخدوا البخار علي مشمع بلاستيك ويجمعوه كماء مقطر يعالجوا بيه الجرحي والمصابين. وظموا الحمير وعربيات الكارو عشان تنقل الخشب للأفران والمصابين والشهداء للمستشفي.  

بالنسبة للجيش التالت مكنش فيه معاهم أسلحة أو ذخيرة كويسة، كان معاهم منظمة سينا اللي اتكلمنا عنهم في الجزء الاول من حصار السويس، وأبطال من السوايسة اللي صمموا يشتركوا في المقاومة عن أرضهم بالروح والدم. كانت مشكلة السلاح دي مشكلة كبيرة وخصوصا أنهم محتاجين كمان ار بي جي للدبابات، لحد ما افتكر شباب المقاومة أن فيه مخزن سلاح في المستشفي العام متخزن فيه أسلحة الجنود الشهداء أو المصابين طول سنين الاحتلال. ومكدبش "إبراهيم سليمان" و "أحمد أبو هاشم" خبر، وانطلقوا للمستشفي واقتحموا المخزن ولقوا فيها أسلحة كتير وكمان ٣ ار بي جي. ووزع العميد "يوسف عفيفي" قائد الفرقة ١٩ مشاة السلاح علي الجنود وأبطال المقاومة.

أبطال المقاومة أنتبهوا لحاجة مهمة، أن طيارات العدو قصفت كل الحواري والشوارع ما عدا ٣ شوارع رئيسية فخمنوا أن الشوارع دي اللي ناوية دبابات العدو تخش السويس منهم بري. وزي ما توقعوا دخلت دباباتهم وجنودهم وهم واثقين أن الأمور مستتبة والناس خلاص سلمت من كل اللي اتعمل فيهم. عارفين علقة "أبو عبيدة" في أرض العزة، هي هي نفسها حصلت في السويس لا زادت قلم ولا نقصت. انتوا عارفينهم في البري معندهمش ياما ارحميني، لازم يتسحلوا. 

الفكرة أن أهل السويس وأبطال المقاومة والجيش مكنوش بس بيدافعوا عن السويس، دول كانوا عارفين كويس أن لو السويس وقعت ده هيبقي أعلان بالهزيمة وانتصار ٦ أكتوبر كأنه محصلش، عشان كده كانت المسؤولية جامدة جدا عليهم كانوا بيحموا مصر كلها، وكانوا أد المسؤولية.

الشعب كله أتصف أتصف وقال ما أخطي الخلف.

واللي يقع منا بداله فيه ١٠٠ ألف أي والله.

يادنيا سمعاني سمعاني أبويا وصاني ما اخلي جنس دخيل يخش أوطاني أي والله.

( أغنية أبطال المقاومة في السويس)

(يتبع)

مروة طلعت

10 / 11 / 2023

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

خفايا حصار السويس في حرب أكتوبر 1973 - حسين العشي.

ملفات السويس - محمد حسنين هيكل.

مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي.

مذكرات هنري كيسنجر.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا