خانقاه الأخضر (ريفيو)
قرأت رواية "خانقاه الأخضر" للكاتب "عبد الرحمن دياب"، الصادرة عن دار نون، في طبعتها الأولي، بعدد صفحات 179 ورقي.
تعرفت علي كتابات الكاتب "عبد الرحمن دياب" عن طريق قصصه التي يكتبها علي صفحته الشخصية، والتي تميزت بطابع الرعب. لفت نظري أسلوبه البسيط السلس في جذب انتباه القارئ، الي جانب تنوع أفكاره والتي منها الكثير مما نطلق عليه برا الصندوق، الي جانب غزاره إنتاجه (اللهم لا حسد)، فهو يعرض قصة جديدة بفكر وأسلوب جديد كل منهم أجمل من الأخري بشكل شبه يومي، هذا جعلني أتوقف عنده وأري فيه كاتب رعب موهوب صادق العزم والإبداع.
بعد قراءتي للعديد من ابداعات "عبد الرحمن دياب" القصصية، جذبني الفضول لمعرفة كيفية صياغته للرواية، وهذا ما دفعني لقراءة روايته الأخيرة "خانقاه الأخضر". الي جانب الإيحاء التاريخي المحبب لي في إسم الرواية ورسمة الغلاف، دفعني الفضول أكبر لمعرفة كيف مزج بين الرعب والتاريخ في روايته.
لبلاد الشرق موروثاتها في الرعب الخاص تختلف تماما عن الثقافة الغربية، بمعني أنك لو قرأت قصة رعب عن مصاص الدماء أو الزومبي لا أظنك ستشعر بتلك القشعريرة الباردة إذا قرأت رواية عن الغيلان مثلا أو الجن والسحر واللعنات _ اذا صاغها المؤلف بحرفية _ حتي وإن كنا في القرن الحادي والعشرين، فهذا موروث الخوف لدينا في عقلنا وجيناتنا. فما بالك اذا أضاف كاتب هذا المورث الي جانب تاريخي مظلم سيرته الواقعية لوحدها تثير الرعب في القلوب.
أختار الكاتب فترة حكم المماليك وبالتحديد فترة صراع السلطة وسرقة كرسي الحكم من السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وتخاطفه مابين كتبغا وحسام الدين لاجئين، واللي مش عارف حكايتهم يقدر يقراها علي صفحة عايمة في بحر الكتب كتبتها من فترة وهسيب الروابط أول كومنت. فترة مظلمة كئيبة مليئة بالفقر والقهر والظلم والتجبر والمؤامرات والقتل وفوقهم الطاعون، مناخ مناسب جدا لقصة رعب مخلوقة من قلب الخوف الطبيعي.
أعجبني استخدام الكاتب لبعض الشخصيات الحقيقية وعرض أحداث حقيقية، وتمكنه من رسم جو عام للأحداث والفترة الزمنية لدرجة احساسي أني أري بين صفحات الكتاب شكل الشوارع والمنازل والجنود بأزيائهم، شعرت بغصة وجع الرعية وخوفهم واندمجت مع البطل شمس الدين في مخاوفه وصراعاته، شعرت بألمه ودمائه عندما تسيل، أندمجت بشكل كلي في أحداث الرواية دون ملل، بالعكس كان هناك شوق وانجذاب لمعرفة باقي الأحداث والتطورات، مع شعور القشعريرة الباردة التي حكيت عنها من بعض أحداثها المخيفة والتي رسمها الكاتب بحرفية.
ما لفت نظري وأعجبني أكتر كقاصة لقصص التاريخ، هو دقة اختياره لحكم حسام الدين لاجئين بالذات، وذلك بسبب سر تحوله الغريب من متآمر وقاتل وظالم وعربيد كأحد أفراد أمراء المماليك، وتسلقه علي السلطة وسرقة العرش، لشخص أخر عادل ورحيم وتقي حتي أنه مات مقتول وهو ساجد يصلي بالمسجد. هذا التحول الغريب لم يفهم أسبابه مؤرخي التاريخ، فأتي الكاتب وألتقط الفترة وتحول لاجين ليدخل أسباب الرواية الخاصة كظهور لعنة الخانقاه لتكون أمارة تحول مبادئ وتوجهات لاجين الي التوبة، فكانت التقاط ذكية من الكاتب تدل علي بحث وقراءة تاريخية جيدة.
أستطيع القول أن الكاتب هو كاتب رعب بدرجة أديب، فالرواية أعطت له مساحة أكبر للكتابة الإبداعية من قصصه علي الفيس بوك. لغته السردية والحوارية بالفصحى المبسطة، بها الجمل البلاغية والانشائية شديدة البساطة والجمال، مما تجذب القارئ الي مزيد من التعمق في الأحداث. كاتب مرتب في أفكاره وراوي جيد جدا، خلق الغموض وأعطي مفاتيح طوال الرواية وأنكشف السر في النهاية بطريق ممنهجة مرتبة، فكانت الرواية من طراز السهل الممتنع، بسيطة وشائقة بدايتها جاذبة، ذروتها مشتعلة، خاتمتها أخذة تمام حقها في تغطية جميع الأحداث وحل اللغز بدون استعجال. ولم يغفل الكاتب في ذكر مصادر بحثه في الجانب التاريخي للرواية في أخر الكتاب، وهذه نقطة جيدة جدا في صالح الكاتب.
رواية "خانقاه الأخضر" رواية مبشرة بالخير لكاتب موهوب جدا في عالم كتاب الرعب.
تعليقات
إرسال تعليق