حصار السويس 1
حزين وباكي؟ حاسس بالألم بيعصر قلبك؟ طعم الحياة أختلف، مبقتش عارف ترجع تعيش حياتك زي ما كانت؟ فقدت الشغف في شغلك وحياتك؟ عندك شعور أن النوم جريمة، الضحك جريمة، الأكل جريمة، الحياة ذات نفسها جريمة، أحساسك بالذنب والتقصير والعجز والقهر بيقتلك بالبطئ. شايف أن الحياة غير عادلة واللي بيحصل ده جريمة أنسانية كبري محصلتش قبل كده. بس هي حصلت كتييييييييير جدا، في كل زمان ومكان، وحصلت بصور أبشع بكتير من اللي أحنا شايفينه، حتي القرآن الكريم سجلنا مذبحة كانت في غاية البشاعة، وهي مذبحة أصحاب الأخدود.
قال الله تعالي:"وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ صدق الله العظيم.
لكن أحساسك ده طبيعي، لأننا جميعا أخوة في الدين والعقيدة، واللسان، والتاريخ، والدم، والنسب، والعرق، وفي الأنسانية.قال رسول الله ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". ده غير أن بالنسبة لينا كمصريين عدونا واحد، لأنه عدو السنين ومن ناحيتين، من ناحية أننا مسلمين ومن ناحية أننا مصريين، وده تار بايت من آلاف السنين. ولو بصيت في التاريخ، هتلاقي أن مفيش بلد في العالم حاربتهم حرب كاملة فعليا غير مصر، ومش مرة واحدة لأ 3 مرات، في حرب ف. ل. س. ط. ي. ن 1948م وفي العدوان الثلاثي 1956م وحرب أكتوبر 1973. عشان كده النار اللي في قلبك أقوي وأعلي، والحمية دي بسبب جينات جدك اللي جواك ودمه اللي بيصرخ جواك طالب التار حتي لو ماعشتش وماشوفتش اللي حصل وكان.
مستغرب ليه من اللي بيحصل في غ. ز. ة ماهو ده طبعهم واجرامهم مش جديد علينا، وسبحان الله يا أخي هو هو نفس السيناريو والخطوات لا زادت خطوة ولا نقصت، وبرده هي هي نفس العلقة اللي هياخدوها في الآخر مهما طال الوقت. منا قلتلك التاريخ بيكرر نفسه مصدقتنيش، أنت عارف أن فيه مدينة في مصر حصل فيها علي ايديهم نفس السيناريو اللي بيحصل دلوقتي علي مدار 6 سنين، وفي الآخر نفس المدينة دي هي هي اللي دكوها ودمروها طلعت زي العنقاء من وسط الرماد وهي اللي أحلامهم في الوصول للقاهرة.
النهاردة كام ياصديقي، 23 أكتوبر 2023. أرجع بالزمن 50 سنة كده، هتشوف أشرف وأعظم وأنبل نضال ل 10 الاف مواطن مصري في قلب حصار 100 يوم، بدون ماء ولا أكل ولا دواء ولا كهرباء، أنقذوا فيها مصر حرفيا. تحية أجلال وعرفان لأهل السويس الأبطال، بلد الغريب.
لما حصل العدوان علي سينا سنة 1967م، كانت مدن القناة قصادهم علي الضفة التانية، وكانت أقرب بلد ليهم هي السويس. وكان مهم ليهم أوي أن السويس بالذات تكون قصاد عينهم وفي مرمي مدافعهم، وده لأن السويس كان فيها حقول البترول وعشرات المصانع والاف المنشآت الحيوية للأقتصاد المصري.
مدينة السويس سنة 1967م، كانت أول بلد تاخد صدمة الهزيمة لما أستقبلت الجنود الفارين والمنسحبين من خطوطهم الدفاعية من غير خطة أنسحاب. وجري أهلها عليهم يسعفوهم وينقذوهم، وعمال المصانع قدموا وجباتهم للجنود، وفتح أصحاب المخازن والسلع الغذائية مخازنهم عشان يوزعوا علي الجنود الأكل والشرب. وقسم الأهالي نفسهم فرق وجماعات تعدي القناة بعمليات أشبه بالانتحارية تحت خط النار والقنابل عشان يجيبوا الجنود المصريين التايهيين.
العدو كان متوقع أن السويس ومدن القناة تنهار نفسيا ومعنويا من اللي وصلهم وشافوه من حال الجنود المصريين ومرارة الهزيمة. لكنهم فوجئوا أن أهل السويس كلهم من أول المحافظ لحد أصغر عامل فيها لابس الأفرول الكاكي المميز للجيش المصري، وحياتهم ماشية عادي جدا كأن مفيش حاجة حصلت، وصللهم رسالة أننا كلنا جنود وأنتوا المهددين مش احنا.
يوم 14 يوليو 1967م، بينزل قاربين من جيش العدو في بور توفيق عشان يثبتوا لمراقبين الأمم المتحدة أن نص مياة القناة بقت خلاص كده ملكهم، نسيوا أن الشعب اللي لابس كاكي قصادهم. "مصطفي أبو هاشم" و "عبد ربه محمد عبد ربه" أتنين من أهلي السويس الشجعان نزلوا القناة وغرقوا المركبين وأسروا واحد منهم. وضهر نفس اليوم بتتفتح نيران مدفعية العدو بكل خسة كعادتهم علي مدينة السويس، ضربت المصانع والمنشآت والبيوت علي مدار يومين متصلين. بعد ما أنقشعت سحائب النيران والبارود، كانت نتيجة العدوان أستشهاد 37 وجرح 134 من أبناء السويس المدنيين الآمنين في بيوتهم وشغلهم.
ومن بعدها دفع أهالي السويس تمن غالي من منشأتها وأرواح أهاليها في سلسلة من الجرائم. كل ما يحصل أي حاجة كانت مدفعية العدو ترد بالضرب في السويس، الرئيس قال كلمة في خطاب معجبتهمش يردو بالضرب في السويس. يوم 4 و 20 و27 سبتمبر 1967م، كانت أيام مليانة بالضرب والقصف علي المناطق السكنية وسقط مئات الجرحي والشهداء. ولما حصلت عملية تدمير ميناء ايلات يوم 21 أكتوبر 1967م، ردت قوات العدو بفتح النيران والصواريخ يوم 24 أكتوبر علي السويس برده ودمرت مصانع ومعامل بترول فحولت المدينة لجمرة نيران مشتعلة حرفيا.
هنا كان لازم يتم أصعب قرار وهو التهجير. الأصعب من عملية التهجير ل 200 ألف شخص نفسها هو أقناعهم أنه يسيبوا بلدهم وأرضهم حتي لو فترة مؤقتة. كان الكل رافض ومشاهد التهجير كانت شديدة القسوة علي قلوبهم، خرجوا من السويس والدموع مغرقة وشوشهم والألم والحسرة عاصر قلوبهم، كانوا متقبلين الموت علي أرضهم أحسن من التهجير. ورغم أن القاهرة ومحافظات الدلتا أحتضنتهم لكنهم منسيوش أبدا السويس. وفضل في السويس 10 ألاف شخص من عمال المصانع واللي رفضوا التهجير نهائي حتي ولو المقابل الموت.
في يوليو 1968م، بدأ الجيش المصري يتعافي ويبدأ في خطوات حثيثة اعادة تحصيناته. ولما العدو كان بيحاول يحبط أقامة أي تحصينات بصواريخه، ويبص يلاقي أهل القنال والجيش اتجمعوا تاني بعدها يكملوا اللي بدأوه ويصلحوا اللي خرب. العدو خاف وعرف أنه قصاد ناس شعارها الصمود ومبتخافش الموت، فقرر يحصن نفسه وأقام قصاد محافظات القنال خط بارليف نسبة الي الجنرال "حاييم بارليف" رئيس أركان حرب العدو.
في سنة 1969م تبدأ مرحلة جديدة من المواجهة المتمثلة في حرب الاستنزاف. ودي شبيهة بحرب العصابات بتنفذها الجيوش زي المناوشات كده غرضها استنزاف طاقة ومدخرات وذخيرة أعداد العدو، قلق يعني لحد ما يقول جاي علي رأي سليمان غانم. وفي أثناء المناوشات والمعارك بيستشهد الفريق "عبد المنعم رياض" رئيس أركان حرب الجيش المصري وهو بيتفقد خط الدفاع الأول بالسويس في مارس 1969م - هتلاقوا حكايته بالتفصيل في كتابي أساطير حية - وكانت السويس بتتحمل دايما رد الفعل الانتقامي من جيش العدو لكل هجمة من هجمات الجيش المصري عليهم. في يوم 9 مارس 1969م، ضربت مدفعية العدو صهاريج البترول في السويس وحولت البلد لشعلة من النيران، ويومها استشهد 120 رجل اطفاء، وسجلت مصر اليوم ده كيوم شجاعة رجل الإطفاء.
في ليلة 9 يوليو 1969م حصل هجوم من كتيبة مصرية علي موقع للعدو في بور توفيق _فيلم الممر_ قضوا فيها علي كل أفراد قوة الموقع وأسروا واحد من غير اي خسائر للكتيبة المصرية، ودي كانت أول مواجهة مباشرة في حرب الاستنزاف ونجحت نجاح ساحق. ومن بعدها توالت الهجمات البشرية علي مواقع العدو خلوهم يلفوا حوالين نفسهم ويترعبوا حرفيا من اللون الكاكي. من بعدها كونت القيادة العسكرية والمخابرات الحربية منظمة في السويس اسمها "منظمة سيناء الفدائية" أغلبها من بدو سيناء ورجالة السويس، جنب جنود الجيش المصري ومتطوعين من كل محافظات مصر. وبسبب قوة مقاومة منظمة سيناء وعمليات الجيش في حرب الاستنزاف، والضربة ورا التانية اللي عمال يستلقاها العدو ومش ملاحق، دمر العدو مباني السويس السكنية في محاولة للقضاء علي كل صور الحياة فيها. ضرب في الزعفرانة وشدوان والجزيرة الخضرا اللي حاول يحتلها لكنهم فشلوا.
في يناير 1970، بدأ العدو يستخدم سلاح جوي مدتهم أمريكا بيه، وأول ما أستخدمه كان في دك مدينة السويس اللي طالع منها المقاومة اللي مجنناهم. وحولت السويس حرفيا لمدينة خرائب، الدمار فيها وصل 90٪. وفجأة رد الجيش المصري علي هجماتهم في 30 يناير 1970 بأسلحة وطائرات جوية لمدة أسبوع أسقطوا فيها 10طائرات من جيش العدو، ومن بعدها لحد شهر يوليو أسقطوا 21 طائرة. طبعا دي كانت مفاجأة رهيبة وخصوصا أنهم دمروا سلاح الطيران المصري في نكسة 67. أتاري "عبد الناصر" سافر موسكو في سرية راح وجاب معاه طائرات وأسلحة جوية دفاعية. وبعد ما العدو أترن العلاقة التمام وعرف أن اللي قصاده مبقوش مستضعفين وشوكتهم بدأت تقوي، جري علي ماما أمريكا والأمم المتحدة يولول ويطلب يوقف ضرب النار. حاول العدو قبل ما يصدر قرار وقف إطلاق النار بمنتهي الخسة الطبيعية في دمهم أنهم يدنروا اكتر في السويس ويقطعوا كل الطرق من حواليها عشان تنعزل عن أي إمدادات.
في 8 أغسطس 1970م أعلن مجلس الأمن بالأمم المتحدة وقف إطلاق النار وبكدة انتهت حرب الاستنزاف. لما أعلنت العجوزة الشمطاء في تليفزيون العدو عن وقف إطلاق النار، كانت السعادة غامرة في قلب اللي ميتسموش ورقصوا في الشوارع. المشير "عبد الغني الجمسي" قال عن حرب الاستنزاف: "لا شك أن حرب الاستنزاف كانت حملا ثقيلا علي كل من مصر و ....، لكنها كانت أكثر فائدة لمصر وأكثر ضررا ل...".
بعد حرب الاستنزاف عاشت السويس كمدينة أشباح كلها خرائب معزولة، كل الطرق حواليها منها وإليها مدمرة. وبدأ الجيش المصري في تجهيز حصونه وإعادة احياء ما تدمر منها وحشد أبناء السويس أفراد جديدة للمقاومة علي أستعداد في أي وقت، والمهجرين عاشوا يحلموا بيوم الخلاص والعودة لأرضهم.
(يتبع)
مروة طلعت
23 / 10 / 2023
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
تعليقات
إرسال تعليق