الراشد العمري 5
(5) توفي "عبد العزيز بن مروان" والي مصر - من أعدل الولاة اللي مروا علي مصر - سنة 85 هجرية. وحزن عليه أخوه أمير المؤمنين "عبد الملك بن مروان" حزن شديد لسببين. أول سبب أنه أخوه وكانوا محبين ومقربين لبعضهم. تاني سبب أنه لما الشيطان لعب براس "عبد الملك" - المتمثل في الحجاج بن يوسف الثقفي اللي هيأله الفكرة بالاتفاق مع الوليد - وحب يشيل أخوه من ولاية العهد ويديها لابنه "الوليد"، ورد عليه "عبد العزيز" أول مرة بالرفض، ففي لحظة طيران عقله من الغضب دعي علي أخوه بالهلاك، ورغم أنهم اتصالحوا و"عبد الملك" اعتذر لأخوه، الا ان موت "عبد العزيز" بعدها علي طول، سبب ل "عبد الملك" عذاب ضمير كبير. بصراحة علاقتهم كانت العلاقة الأخوية الوحيدة النضيفة في دهاليز قصور الخلفاء، أو يمكن القدر هو اللي كملها علي خير.
بعد موت "عبد العزيز بن مروان" بكام شهر، بيمرض أمير المؤمنين "عبد الملك بن مروان" مرض شديد، وكان كل يوم حالته بتسوء أكتر. وعلي فراش المرض بترجع ذاكرة "عبد الملك" بكل الحوادث والفظائع اللي عملها تحت اسم حماية البيت الأموي وتثبيت أركان الحكم، بيفتكر من 13 سنة لما قتل "عبد الله بن الزبير بن العوام" علي ايد "الحجاج بن يوسف الثقفي" ومثل بجثته برضاه. أفتكر أنه أول واحد واحد نهى عن الكلام في حضرة الخلفاء، وأول من نهى عن الأمر بالمعروف، قال في خطبته بعد قتل "عبد الله بن الزبير": ولا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه. والمذابح الدموية اللي أرتكبها "الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق بغرض القضاء علي أي صوت أو أعتراض ضد البيت الأموي حتي ولو صوت حق، بتأييد ومباركة "عبد الملك بن مروان".
لما أفتكر بلاويه دي كلها وشاف أنه خلاص هيقابل ربنا، بقي يعيط ويلوم نفسه ويضرب بايده على رأسه - يلطم يعني - وقال: "وددت أني كنت أكتسب يومًا بيوم ما يقوتني وأشتغل بطاعة الله". وقال: "والله وددت أني عبد لرجل من تهامة أرعى غنمًا في جبالها وأني لم أك شيئًا". كان ندم يوم لا ينفع فيه ندم. ولما سألوه: "كيف تجدك" - عامل ايه يعني - قال: "أجدني كما قال الله تعالى:
ولما المرض جاب أخره معاه وصل لدرجة أن الأطباء قالوا لو شرب ماية هيموت، فلما عطش قال لأبنه "الوليد": "يا وليد اسقني ماء". قال: "لا أعين عليك". فقال لابنته "فاطمة" - زوجة "عمر بن عبد العزيز": "اسقيني ماء". فمنعها الوليد. فقال: "لتدعنها أو لأخلعنك". فلما خرج "الوليد" بنته مستحملتش عطش أبوها وتوسلاته فسقته فمات. دخل الوليد عليه وابنته فاطمة عند رأسه تبكي فقال: كيف أمير المؤمنين قالت: هو أصلح. يعني خلاص بقي كويس. مات "عبد الملك بن مروان" نص شوال سنة 86 هجري، في الستين من عمره، والدنيا كلها متسواش عنده مقابل شربة ماء.
لما عرف "عمر بن عبد العزيز" بخبر موت عمه "عبد الملك بن مروان" حزن عليه حزن كبير، عشان كان عم حنين عليه ودايما كان بيرعاه ومقربه منه، وحزن عليه كمان لما هو متوقع في حساب آخرته. وهو راجع من دفنة عمه كان ماشي جنبه ابن عمه "مسلمة بن عبد الملك" اللي كان أقرب أولاد عمه ليه - لو تفتكر في الحلقة الاولي من السلسلة كان هو حاضر وفاة عمر - فقاله "عمر": "يا مسلمة اني حضرت أباك لما دفن، فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضي الي أمر من أمر الله، راعني وهالني فعاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله ان وليت وقد اجتهدت في ذلك".
في ربيع الأول سنة 87 هجري، بعت أمير المؤمنين "الوليد بن عبد الملك بن مروان" ل "عمر بن عبد العزيز"، وطلب منه يتولي ولاية المدينة المنورة، وقاله أن مفيش حد أنسب منه للولاية عليها لأنها بلده اللي أتولد وعاش فيها أكبر فترة من حياته، وهو أدري واحد بأهلها، ده غير أن أهلها هيرحبوا بيه كأمير عليهم من غير قلق ولا مشاكل. سكت "عمر بن العزيز" وفكر وكان هاين عليه يرفض، لأن فيه أمور كتير أوي مكنتش عاجباه في سياسة الحكم شافها ولمسها لما اتولي أمارة دير سمعان، علي سبيل المثال كان رافض انتقال أجزاء من الملكية العامة للأفراد - بداية الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة - وكان مسمي الأراضي أو المنشآت العامة المباعة للأفراد دي بأسم "المظالم"، وعليه فالمظالم دي كانت بتدخل أموال رهيبة للخليفة.
بعد ما فكر قاله أنه موافق بشروط، أنه هيرد معظم المظالم لبيت المال، ويحكم بين الناس بالحق والعدل ومفيش ظلم لحد ولا يجي علي حق حد، ونتيجة رد المظالم أنه هيقلل حصة الخليفة اللي هتوصله من المدينة المنورة. وهيسمح بالعطاء يخرجها للناس في المدينة. ويسمحله شخصيا يحج أول سنة لأنه مكنش حج قبل كده. "الوليد بن عبد الملك بن مروان" رغم أن أول شرطين بالذات تقال علي قلبه، الا أنه وافق لأنه كان محتاج جدا في الوقت ده ل "عمر بن عبد العزيز" في المدينة اللي كانت تعتبر بؤرة التمردات علي الحكم، ووجود "عمر" اللي بيحبوه أمير عليهم هيهدي الوضع ويريحهم كأنه مسكن لحد ما يخلص علي باقي الاضطرابات في البلاد التانية. وأصبح "عمر بن عبد العزيز" ربيب المدينة المنورة طفلا وغلاما، هو أميرها وواليها رجلا.
(يتبع)
مروة طلعت
18 / 9 / 2023
#الراشد_العمري
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:-
* بدائع الزهور في وقائع الدهور ج1 - محمد بن اياس.
* المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ج1 - تقي الدين المقريزي.
* البداية والنهاية ج9 - ابن كثير.
* سيرة عمر بن عبد العزيز - أبي الفرج بن الجوزي.
* صفوة الصفوة - أبي الفرج بن الجوزي.
* سير أعلام النبلاء ج 4،5 - شمس الدين الذهبي.
* الكامل في التاريخ ج3 - ابن الأثير.
* مختصر تاريخ دمشق - ابن منظور.
* عمر بن عبد العزيز - د/ محمد عمارة.
* عمر بن عبد العزيز - د/ علي محمد الصلابي.
* عبد العزيز بن مروان - د/ سيدة إسماعيل كاشف.
تعليقات
إرسال تعليق