الراشد العمري 4

(4) لما أستدعي أمير المؤمنين "مروان بن الحكم" إبنه "عبد العزيز بن مروان" من المدينة المنورة عشان يبقي علي راس الجيش المتجه لمصر، لجل ما يلم تاني البلاد الاسلامية تحت راية واحدة وهو الحكم الأموي، بعد سنين طويلة من صراعات الحكم والخلافة من أيام "عثمان بن عفان" رضي الله عنه مرورا ب "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه والفتنة الكبري. ومن ولاية "معاوية بن أبي سفيان" والبلاد الاسلامية مشتعلة بين المسلمين ومليانة انشقاقات وثورات وحروب ونزاعات. كل طرف شايف أنه الأحق بالخلافة، وفيه أطراف داخلة الصراع تدافع عن حق حد تاني. من أشهرهم في الوقت ده كانت ثورة "عبد الله بن الزبير بن العوام" رضي الله عنه واللي عملها بسبب الثأر لمقتل سيدنا "الحسين" رضي الله عنه وأرضاه حفيد رسول الله صلي الله عليه وسلم في كربلاء علي يد الأمويين.

"عبد الله بن الزبير" رضي الله عنه وأرضاه كان أول مولود للمهاجرين في المدينة المنورة. أمه السيدة "أسماء بنت أبي بكر" ذات النطاقين، كانت حامل فيه في أواخر أيام الحمل، وهي يوميا بتروح وتيجي بالأكل والشرب لأبوها "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه ورسول الله صلي الله عليه وسلم، وهم مدارين من المشركين قبل ما يوصلوا المدينة. وبعد ما وصل الرسول صلي الله عليه وسلم وأبوها للمدينة، هاجرت "أسماء" وولدت "عبد الله" في السكة علي مشارف المدينة، ودخلت بيه فكان أول ريق يجري في فم "عبد الله" هو ريق رسول الله صلي الله عليه وسلم لما مضغله تمرة ووخلاه يمصها. ولو أتكلمنا عن أبوه "الزبير بن العوام" فهو واحد من المبشرين العشرة بالجنة، وشارك في جميع غزوات النبي صلي الله عليه وسلم، وواحد من قواد الفرق في الجيش. وكان هو السبب وصاحب الخدعة الشهيرة اللي قدر بيها جيش "عمرو بن العاص" يقتحم حصن بابليون في مصر لما تسلق أسوار الحصن ووقف فوقها وراح مكبر، فأتفزع جنود الروم وافتكروا ان جيش المسلمين اقتحم، فهربوا، ونزل "الزبير" واللي معاه فتحوا أبواب الحصن لجيش المسلمين.

"عبد الله بن الزبير بن العوام" كان مشهور عنه الذكاء والشجاعة والنزاهة. بهد موت "معاوية بن أبي سفيان"، أتولي بعده ابنه "يزيد بن معاوية"، فرفض "عبد الله بن الزبير" مبايعته، وكان له ولثورته  أنصار كتيرة في صفوف المسلمين، فجمع أنصاره وعمل جيشه الخاص اللي واجه بيه جيش "يزيد بن معاوية"، وأنضم ل "عبد الله بن الزبير" بلاد كتير زي مكة والمدينة ومعظم بلاد الحجاز والبصرة والكوفة وسيطر كمان علي مصر.

وفي سنة 63 هجرية - و "عمر بن عبد العزيز" وقتها عنده سنتين - قامت حرب الحرة شرق المدينة المنورة مابين جيش الأمويين التابع ل "يزيد بن معاوية" وجيش "عبد الله بن الزبير" المكون من المهاجرين والأنصار. وأتقتل وقتها 1000 رجل من أهل المدينة، و700 رجل من حفظة القرآن الكريم. وفي نفس السنة احتمى "عبد الله بن الزبير" بالبيت الحرام داخل مكة فحاصر "يزيد بن معاوية"  مكة وأهلها، ولما "عبد الله" ومواليه مستسلموش، رمي "يزيد بن معاوية" مكة بالمنجنيق وحرق جزء كبير منها، وتصادف أن مات "يزيد بن معاوية" وقت الحصار، فأتفك الحصار عن مكة.

عشان كده لما تولي "مروان بن الحكم" الحكم من أول يوم دخل في صراعات في مصر والحجاز والعراق، وكان هدفه أنه يرجع البلاد المنشقة دي تحت الحكم الأموي. لكنه مقعدش كتير في الحكم، هم شهور ومات وجه بعده أبنه "عبد الملك بن مروان" كمل اللي بدأه أبوه ومشي في نفس السكة.

لما دخل "عبد العزيز بن مروان" مصر سنة 64 هجرية، وتغلب علي "عبد الرحمن بن جحدم الفهري" والي مصر اللي كان من أنصار "عبد الله بن الزبير"، وبعد ما الأمور بقت تحت السيطرة في مصر، بني "عبد العزيز بن مروان" دار للأمارة سنة 67 هجرية في الفسطاط ليها قبة مذهبة، ووسع وكبر جامع عمرو بن العاص، وبني قنطرة - كوبري مشاه - علي خليج أمير المؤمنين اللي مكان سور مجري العيون حاليا.

ومن أهم منشآته كانت مدينة حلوان. لما خرج "عبد العزيز" من الفسطاط وشاف منطقة حلوان عجبه جوها جدا، وقرر أنه يأسسها مدينة جديدة تكون مشتي ليه. وكان فيه سبب تاني لقرار بناء المدينة، أنه لما شاف المسيحيين متجنبين مدينة الفسطاط يسكنوا فيها، فقرر أنه يبني مدينة جديدة يشجع فيها كل طوائف المصريين يسكنوا فيها مع بعض. وفعلا بني مدينة حلوان، مدينة جميلة بتخطيط جديد فيها البيوت والأسواق والمساجد. حفر عين حلوان وعمل فيها بركة كبيرة،وزرع الأشجار والنخيل، وكلفها 100 ألف دينار. وفي سنة 70 هجري، بتصاب الفسطاط بالطاعون، فيخرج "عبد العزيز بن مروان" من الفسطاط لحلوان ويخليها عاصمته ومقر حكمه. وأتميز حكم "عبد العزيز بن مروان" بالأمن والأمان وأهتم بأعمال الإصلاح والتعمير فبني الأبنية والحمامات، وكان عهد رخاء وتقدم وأطمئنان، وعمل مقياس على النيل عشان يحدد ارتفاع المياة وعلي أساسه يقدر الضرايب.

 كان "عمر بن عبد العزيز" عايش في المدينة المنورة لحد ما كبر وبقي شاب في بداية العشرينات. وطول الفترة دي كانت أخباره وأخبار علمه وورعه بتوصل لعمه الخليفة أم المؤمنين "عبد الملك بن مروان" في دمشق، اللي كان معجب جدا بيه وبيحبه جدا. قعدة "عمر بن عبد العزيز" منستوش دوره كأمير في البيت الأموي وفي نفس الوقت صاحب علم فليهم عليه النصيحة. كان دايما يبعت رسايل نصح لعمه ويفكره بالمسؤولية اللي عليه. مره بعتله رسالة وهو لسه غلام صغير وقال: (أما بعد، فإنك راعٍ، وكلٌّ مسؤولٌ عن رعيته، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله  يقول: كل راعٍ مسؤول عن رعيته، " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا" ). والرسايل دي كانت علي قلب عمه "عبد الملك" زي العسل، وكان فخور بيه، وكان له معزة كبيرة عنده زي أولاده، ويمكن كان بيقدمه عليهم كمان.

وفي يوم بيطلب أمير المؤمنين من "عمر بن عبد العزيز" الحضور لقصر الخلافة في دمشق. ولما بيروح بيطلب منه عمه يفضل موجود جنبه لأنه محتاجه، ومحتاج لمشورته، وبيوليه علي امارة دير سمعان عشان قريبة من دمشق. ومش بس كده ده بيجوزه بنته "فاطمة بنت عبد الملك بن مروان".

في سنة 85 هجري، بعد ما كبر الأولاد، كان الزن علي ودان "عبد الملك بن مروان" أمر من السحر، من النساء والأبناء والحاشية اللي ليها مصلحة. وميلوا هواه أنه يقطع البيعة لأخوه "عبد العزيز بن مروان" ويديها لأبنه "الوليد بن عبد الملك". بعن "عبد الملك" رسالة لأخوه "عبد العزيز" في مصر وقاله يتنازل عن ولاية العهد ويبايع أبن أخوه "الوليد بن عبد الملك" عشان هو أعز الخلق عنده. فرد عليه "عبد العزيز بن مروان" في رسالة وقاله: "اني أري في أبي بكر بن عبد العزيز ما تري في الوليد"، يعني لو انت بكريك عزيز عليك فأنا بكريا عزيز عليا برده ومفيش حد أحسن من حد. فغضب "عبد الملك" وحب بقي يغلس علي أخوه، فبعتله يطلب منه خراج مصر اللي عمره ما راحله أصلا لأن حسب تقسيمة أبوهم "مروان بن الحكم" أرض مصر لحد المغرب بخراجها مسؤولية "عبد العزيز بن مروان". بعتله "عبد العزيز بن مروان" رسالة كتبله فيها: "اني و اياك يا أمير المؤمنين قد بلغنا سنا لايبلغها أحد من أهل بيتك الا كان بقاؤه قليل، واني لا أدري ولا تدري أينا يأتيه الموت أولا، فأن رأيت أن لا تعتب علي بقية عمري فأفعل". وهنا قلب "عبد الملك" رق لأخوه وبعتله رساله أعتذار وقاله: "لعمري لا أعتب عليك بقية عمرك". 

كان في الوقت ده "عبد العزيز بن مروان" مريض من كبر سنه وكمان من حزنه علي وفاة ابنه "الأصمغ" - فاكرينه اللي لما شاف جرح أخوه عمر في وشه تنبأ أنه الأشج صاحب نبوءة ابن الخطاب - عشان كده "عبد الملك" محبش يقسي علي أخوه، كفاية اللي فيه. وفي نفس السنة 85 هجري 13 جمادي الآخر، بيموت "عبد العزيز بن مروان" في حلوان، وبينقلوا جسمانه من حلوان للفسطاط عن طريق النيل. ولما وصل خبر وفاته لأخوه "عبد الملك بن مروان" بكي بكاء شديد طول الليل. بس ده كان من مصلحة "الوليد بن عبد الملك" لأن كده الساحة فضيتله من عند ربنا، وأصبح هو ولي عهد أبوه. والله أعلم دي كانت رحمة ل "عبد العزيز بن مروان" ومحبة، وقاه بيها من شر قلبات ودسائس ومؤامرات البيت الأمويِ   

(يتبع)

مروة طلعت

18 / 9 / 2023

الحكاية دي نتيجة مجهود بحثي وذهني أقدمها للقراء بكل حب مجانا، فمتبخلش عليا بلايك وكومنت عشان الفيس يزود الريتش والحكاية توصل لغيرك ويبقي تقدير منك لمجهودي وطبعا لو الشير كمان يبقي ده تقدير كبير ❤️

#الراشد_العمري

#عايمة_في_بحر_الكتب

#الحكاواتية

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

* بدائع الزهور في وقائع الدهور ج1 - محمد بن اياس.

* المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ج1 - تقي الدين المقريزي.

* البداية والنهاية ج9 - ابن كثير.

* سيرة عمر بن عبد العزيز - أبي الفرج بن الجوزي.

صفوة الصفوة - أبي الفرج بن الجوزي.

* سير أعلام النبلاء ج 4،5 - شمس الدين الذهبي.

* الكامل في التاريخ ج3 - ابن الأثير.

* مختصر تاريخ دمشق - ابن منظور.

* عمر بن عبد العزيز - د/ محمد عمارة.

* عمر بن عبد العزيز - د/ علي محمد الصلابي.

عبد العزيز بن مروان - د/  سيدة إسماعيل كاشف.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا