الراشد العمري 2
في يوم صحي الفاروق أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه من النوم مندهش من رؤيا شافها في منامه، والغريب أن الرؤيا دي أتكررت كتير بنفس تفاصيلها. فلما راح المسجد النبوي وأجتمع بأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، حكالهم الرؤيا وبعدها قال: "ليت شعري من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً؟". والشين معناها علامة في الوجه. وكل ما حد كان يسأل "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه عن رؤياه، كان يرد ويقول: "إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً".
وفي يوم كترت شكاوي الناس للفاروق "عمر بن الخطاب" من بائعي اللبن، أنهم بيغشوا اللبن وبيزودوه مية عشان يكتر ويبيعوا أكتر علي حساب جودة اللبن وغش الناس. فبعت "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، المنادي - مراسل الأخبار أيامهم - ينادي ويلف بالأسواق والشوارع وبين البيوت، يحذر بائعي اللبن من خلط اللبن بالماء وإلا "عمر" هيعاقبه عقاب شديد. وبالليل خرج الفاروق "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه كالعادة يمشي في الشوارع متخفي مع خادمه والناس في بيوتها، عشان يعرف أخبار الرعية من وسط الناس. عدي علي بيت فقير، فقعد يستريح من المشي وسند ضهره علي حيطة البيت، فسمع فيه صوت اتنين ستات بيتكلموا وبداية الكلام شد أنتباهه وخلاه يركز، وفهم من الحديث أنهم أم وبنتها. قالت الأم: "قومى إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء"، يعني بتطلب من بنتها تخلط اللبن بالماية عشان يبعوا أكتر، ردت البنت وقالت: "يا أُمَّاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟!"، قالت الأم: "وما كان من عزمته؟"، قالت البنت: "إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء"، البنت حذرت أمها ونبهتها أن أمير المؤمنين نهي عن خلط اللبن بالماء ده غير أن الغش حرام أصلا، فقالت الأم: "يا بُنيّتى، قومى إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك فى موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر". الأم قالتلها ياستي فتحي مخك لا عمر شايفك ولا المنادي شايفك محدش هيعرف حاجة، فقالت البنت: "واللَّه ما كنت لأطيعه فى الملأ وأعصيه فى الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فربّ أمير المؤمنين يرانا". هنا "عمر بن الخطاب" ابتسم واتعجب بتقوي وايمان البنت، فبص ل"أسلم" خادمه وقاله: "يا أسلم، حدّد الباب بعلامة، واعرف الموضع"، ولما طلع النهار طلب من "أسلم" يروح يسأل عن أهل البيت، ويعرف أخبارهم ان كان ليهم زوج ولا لوحدهم. راح "أسلم" ورجع وبلغ الفاروق أن الست أرملة وبنتها لسه بكر متجوزتش وعايشين لوحدهم - الوقت ده لكثرة الحروب والفتوحات فالأرامل كانوا كتير وعشان كده كان التعدد برده كتير - فأمر الفاروق "أسلم" يروح ويستدعي الست وبنتها.
قبل ما توصل النساء جمع أولاده التلاتة وقال لهم: "هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوّجه، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية"، فقال عبد اللَّه بن عمر: "لى زوجة"، وقال أخوه عبد الرحمن: "لى زوجة"، وقال ثالثهما عاصم: "يا أبتاه لا زوجة لى فزوِّجنى"،وكان "عاصم بن عمر بن الخطاب" فقيه من نبلاء الرجال مداوم علي فعل الخيرات والطاعات، وكان شاعر فصيح صاحب بلاغة، وكان طويل ضخم زي أبوه، فلما جت بنت بائعة اللبن جوزها ل "عاصم" ابنه. ومات "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه في المدينة المنورة سنة 23 هجري، من غير ما يشوف ذو الشين من ولده اللي حلم بيه.
خلف "عاصم بن عمر بن الخطاب" بنتين، "حفصة" و "ليلي" ودي كان أبوها بيدللها ويقولها يا "أم عاصم"، أم أبوها يعني من كتر حبه فيها لأخلاقها وبرها وتدينها الشديد، فالناس تجاهلوا أسمها الأصلي وبقي الكل يندهلها ب "أم عاصم". جت في سنة ماتت فيها "رقية بنت عمر بن الخطاب" أخت "عاصم"، وكانت متجوزة من "إبراهيم بن نعيم بن عبد الله" وبعد الجنازة والدفن، دعي "عاصم" جوز أخته المتوفية لبيته، وخرجله بناته "حفصة وأم عاصم"، وقاله يختار واحدة منهم يجوزهاله عشان مش عاوز النسب اللي بينهم ينقطع. فلما شاف "إبراهيم" البنتين، لقي أن "أم عاصم" أجمل من أختها، فاختار "حفصة" عشان يسيب "أم عاصم" لأبوها جايز يناسب بيها لجمالها وتدينها حد من الملوك. واللي توقعه "إبراهيم" حصل.
في زمن الخلافة الأموية ، كان "عبد العزيز بن مروان بن الحكم" ، واحد من أمراء بني أمية، محب لدراسة العلوم الدينية والشرعية وخصوصا علم الحديث، فكان له الفضل في رواية كتير من الأحاديث النبوية الشريفة وتجميعها، وعشان يعمل كده لازم يقعد في المدينة المنورة، مدينة رسول الله، أكتر من وجوده في دمشق عاصمة الخلافة الأموية. ومن كتر صحبته لأهل الصلاح والتقوي في المدينة المنورة، قرر يتجوز منهم. فجمع 400 دينار من فلوسه الخاصة أو زي ما بنقول من حر ماله عشان يناسب بيت ناس صالحة وتقية. وكان ربنا كاتبله يناسب "عاصم بن عمر بن الخطاب" وأتجوز "عبد العزيز بن مروان بن الحكم" من "أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب" وبنت الست التقية بنت بائعة اللبن.
وفي سنة 61 هجري 681 ميلادي، بتولد "أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب" ابنها "عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم". طفل جميل الملامح وهادي، ويتربي في سنين عمره الأولي علي أيد جدوده وأخواله أهل بيت "عمر بن الخطاب".
الحكم الأموي من بدايته كان مليان اضطرابات، وثورات في البلاد، وانقلابات من طوائف المسلمين والأحزاب، وبحور دم. وسط ده كله بتيجي سنة 64 هجري ويتولي "مروان بن الحكم" كخليفة للمسلمين وأمير مؤمنين جديد من بني أمية، وده يبقي أبو "عبد العزيز بن مروان" وجد "عمر بن عبد العزيز". أول ما يتولي "مروان" الحكم، بيبعت لابنه "عبد العزيز" رسالة فيها ضرورة الحضور السريع لدمشق. وأول ما يوصل "عبد العزيز" لقصر الخلافة بيجهزه الخليفة "مروان" علي راس جيش رايح لمصر.
في الوقت ده كانت دايرة ثورة "عبد الله بن الزبير بن العوام" وكانت مصر من ضمن الولايات اللي كان "ابن الزبير" فارض سيطرته عليها وحاطط "عبد الرحمن بن جحدم الفهري" والي عليها. "مروان بن الحكم" لما أخد الحكم وأول ما قال بسم الله، قرر يوحد كل الولايات تحت راية بني أمية ويعمل خطة للقضاء علي كل الثورات. فبعت "عبد العزيز" ابنه بالجيش ومعاه "خالد بني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان" و "عمر بن سعيد بن العاص" و "عبد الرحمن بن يعيد بن العاص". وفعلا تم القضاء علي "عبد الرحمن بن جحدم" والسيطرة علي أنصار "عبد الله بن الزبير" وأستعادة مصر تحت الحكم الأموي.
ولما الأمور هديت نوعا ما بايع "مروان بن الحكم" ولاده "عبد الملك بن مروان" كولي للعهد، و "عبد العزيز بن مروان" كولي لعهد أخوه، وأدي ل "عبد العزيز" إمارة مصر لحد المغرب. ولما الأمور اتظبطت كمان ل "عبد العزيز" في مصر بعت لزوجاته وأولاده يجوله مصر، ماهي خلاص بقت المستقر. وفي نفس الوقت عرف خبر وفاة أبيه "مروان بن الحكم"، وبايع أخوه "عبد الملك بن مروان" علي الحكم بكل حب وأخوة عظيمة كانت حقيقي بينهم.
لما قافلة "أم عاصم" واولادها "أبو بكر" و "محمد" و "عاصم"، دخلت مصر مرت علي واحد من الدراويش أسمه "شرشرين" اللي أول ما شاف الهودج والهلمة عرف أن اللي فيها ناس عالية المقام، قام جري عليها يطلب حسنة، فطلت عليه "أم عاصم" وأديته اللي فيه النصيب وأحسنت اليه، لدرجة خلته في منتهي السعادة والرضا. فلما دخلت علي زوجها "عبد العزيز بن مروان" لاحظ أن "عمر" مش معاها، فقالتله انه مسك في خاله "عبد الله بن عمر بن الخطاب" من شدة حبه وتعلقه بيه، وخاله كمان أترجاها تسيبه معاه، عشان شايف فيه صفات بيت النبوة. ابتسم "عبد العزيز" وبعت رسالة لأخوه أمير المؤمنين "عبد الملك بن مروان" يحكيله فيها اللي عمله "عمر" والله قاله "عبد الله بن عمر بن الخطاب"، ففرح جدا "عبد الملك" من الكلام وأمر بصرف 1000 دينار شهرية ل "عمر" في المدينة.
بعد فترة بعت "عبد العزيز" رسالة ل "عبد الله بن عمر بن الخطاب" بيطلب منه يبعتله "عمر" كأجازة يشوفه فيها عشان وحشه. وسافر"عمر" لمصر، وفي يوم دخل " عمر" أسطبل الخيل لوحده وفجأة حصان رفسه في وشه خلت وشه اتفتح. ومع صرخته جري الحرس و "عبد العزيز" وابنه "الأصبغ بن عبد العزيز". فلما قوموا "عمر" وبدأ أبوه يمسح الدم من وشه ويهديه من العياط، فجأة قال "الأصبغ": "الله أكبر هذا أشج بني أمية الذي قال عنه عمر بن الخطاب".
ولما طلع "عمر" لأمه والدم سايل علي وشه، أترعبت وجريت عليه تمسحله دمه وتداويه، وزي أي أم قلبها موجوع علي ابنها فضلت تلوم في أبوه أنه ازاي سايبه يدخل كده الأسطبل لوحده، فقال لها "عبد العزيز": "اسكتي يا أم عاصم، فطوباك إن كان أشج بني أمية".
(يتبع)
مروة طلعت
17 / 9 / 2023
#الراشد_العمري
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:-
* بدائع الزهور في وقائع الدهور ج1 - محمد بن اياس.
* المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ج1 - تقي الدين المقريزي.
* البداية والنهاية ج9 - ابن كثير.
* سيرة عمر بن عبد العزيز - أبي الفرج بن الجوزي.
* سير أعلام النبلاء ج 4،5 - شمس الدين الذهبي.
* الكامل في التاريخ ج3 - ابن الأثير.
* مختصر تاريخ دمشق - ابن منظور.
* عمر بن عبد العزيز - د/ محمد عمارة.
* عمر بن عبد العزيز - د/ علي محمد الصلابي.
* عبد العزيز بن مروان - د/ سيدة إسماعيل كاشف.
تعليقات
إرسال تعليق