الملك الناصر محمد بن قلاوون 3
عين جالوت كانت أشهر معركة دارت بين المسلمين والمغول، أو التتار، واللي خلدت أسم السلطان المملوكي "سيف الدين قطز" في سجلات التاريخ. لكن معركة عين جالوت كانت أهميتها في أنها أول مواجهة بين المماليك والمغول، ومنعت دخولهم أرض الكنانة، لكنها مكنتش المواجهة القاضية عليهم ولا الأخيرة. حصلت مواجهات بعدها كتير بين المماليك والمغول، والمماليك والصليبيين، علي مدار سنين كتيرة بعدها. والغريب أن المعركة الأخيرة اللي قضت علي حوار المماليك نهائي مع المسلمين، مش معروفة زي معركة عين جالوت. حتي مفيش كتير عارف مين بطل المعركة النهائية دي.
لما تروح قلعة الجبل، اللي هي قلعة صلاح الدين، هنشوف هناك جامع جميل جدا، معماريا وهندسيا وفنيا، بيميزه قبته الخضرا. الجامع ده جامع الملك "الناصر محمد بن قلاوون"، ولو مش قادر تروح أو عاوز تعرف معلومات عنه ممكن تسمع شرحي للجامع علي قناتي في اليوتيوب 👇
https://youtu.be/Rhv7paThxf0
https://youtu.be/QEyUC9Dd-cE
"الناصر محمد بن قلاوون" صاحب الجامع ده، هو بطل معركة "شقحب" آخر معارك المغول، ولمزيد من التفاصيل اقرا الجژء الاول والتاني من حكايته 👇
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid029MkeUEpmCpMPh8qk37zWMynri8vjFwXs3DhzpDGebNjuhc9FjoSwco85DfhqWLfpl&id=100070872365801&mibextid=Nif5oz
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid02W4BzpjEN14QTLWxkjGWDMaQnLyH2DPn5VLeAynNGHE4w17AjEYsoTq8XafjmgorMl&id=100070872365801&mibextid=Nif5oz
في رمضان سنة ٧٠٢ هجري ، إبريل سنة ١٣٠٣م، خرج خان المغول "محمود غازان" جيشه، بقيادة "قطلوشاه" علي رأس جيش تعداده ١٠ آلاف جندي، ماهي جاتله الأخبار أن الجيش جاي من مصر علي دمشق بقيادة "بيبرس الجاشنكير" بتعداد ٣ آلاف جندي بس.
اتقابل جيش المغول مع جيش المماليك في قشحب جنب دمشق، ودارت معركة عنيفة اتقتل فيها قائدهم "حسام الدين لاجين الرومي" واتأسر عدد من المماليك، وكان واضح أوي إن الانتصار في ايد المغول، لدرجة أن الستات اللي كانت طالعة ورا الجيش، واللي في بلدة قشحب، بقي يصوتوا ويولولوا، وخلعوا خماراتهم ونكشوا شعورهم وبقوا يلطموا ويجروا مفزوعين. وفي جنود من المغول قدروا يخترقوا صفوف المماليك ويحاوطوهم من ورا، عشان يعملوا زي الكماشة عليهم. وفي عز زهوة انتصارهم، وسكرة فرحتهم، خد "قطلوشاه" فرسه وطلع علي الجبل، عشان يستمتع بمنظر المعركة وهزيمة المماليك من فوق.
طلع الجبل وهو سعيد بانتصاره، وبيحلم بعطايا الخان، وأكاليل النصر اللي هيستقبله بيها شعبه. وقف كده وبث علي المعركة والإبتسامة من الوزن للودن، وإذ فجأة بيضرب عينه ع الشمال كده، شاف منظر خلاه يبرق، وشعره وقف أو أبيض أيهما أقرب.
"قطلوشاه" أكتشف الخدعة اللي وقع فيها، والمصيدة اللي دخل فيها برجليه، لما شاف علي بعد جيش ملوش أول ولا أخر واقف مستعد ماسكين رايات الخليفة العباسي و "الناصر محمد بن قلاوون". "قطلوشاه" مكنش عنده علم أن "الناصر" خرج من مصر بجيش من أصله، هو كان فاكر أن جيش مصر هو فرقة "بيبرس الجاشنكير" بس. نزل "قطلوشاه" من ع الجبل يجري، بس هيعمل ايه، مفيش في أيده حيلة، خلاص كده قضي الأمر، ده الجيش اللي واقف مكنش شايف أخره.
اليوم الأول من المعركة خلص، وبات السلطان والأمراء والجنود علي ضهر خيولهم، في حالة استعداد، والسلطان "الناصر محمد" بنفسه، وأمراء المماليك يلفوا حوالين الجنود طول الليل، يشجعوهم ويحمسوهم. أول ما طلعت شمس تاني يوم للمعركة، صحيوا جنود المغول، علي غيامة من السهام متوجهة ناحيتهم من جيش "الناصر محمد". ومفيش وقت الا ولقوهم هاجمين عليهم هجمة انك لميت وأنهم لميتون. واضطر "قطلوشاه" علي نص اليوم أنه ينسحب بجنوده المغول من المعركة. ومن أسري المغول اللي وقعوا في ايد المماليك، عرفوا أن جنود الجيش المغولي، ميتين من العطش. وبكده عرف "الناصر محمد" أن أكيد وجهتهم هتكون النهر. عشان كده وفر جهد جنوده في مطاردتهم ، وسابهم يستريحوا لليوم التالي.
تالت يوم المعركة، زي ما توقع الملك "الناصر محمد بن قلاوون" حصل. الجيش المغولي راح علي النهر، وكان جيش المماليك سابقهم علي هناك ومستخبي. أول ما نزل جنود المغول يشربوا، هجم عليهم جيش المماليك، ودوروا فيهم القتل، بكل سهولة وبساطة. لدرجة أن اللي فضلت حي من الجيش وقدر يهرب مع "قطلوشاه" ميجوش ١٠٪ من عدد الجيش اللي دخل المعركة من الاول.
وبكده أنتصر جيش المماليك بقيادة "الناصر محمد بن قلاوون" اللي كان عنده ١٦ سنة علي جيش المغول. طبعا "قلطوشاه" رجع بلاد فارس، شال أكاليل العار بدل النصر، وألحان "محمود غازان" ثار ثورة رهيبة وأمر بإعدام "قلطوشاه" وفضل ينزف دماء من أنفه، من كتر ثورته وغضبه. ومستحملش كتير، ومات، مقهور بعدها بفترة قليلة، وهو عنده ٣٣ سنة.
في ٢٣ شوال رجع "الناصر محمد بن قلاوون" علي مصر بجيشه المنتصر، ودخل القاهرة من باب النصر، وساحب وراه أسري المغول، وكل واحد فيهم متعلق علي رقبته، راسين من رقاب زمايله القتلي من المغول. وأستقبلوه المصريين بالتهليل والفرحة، استقبال أعظم الأبطال المنتصرين،ومن بعدها راح زار قبر والده "المنصور قلاوون" _ في شارع المعز حاليا _ وانتصار "الملك الناصر" ده بالذات علا قدره أوي أوي في قلوب المصريين، حبوه فوق حبهم لأبوه "المنصور قلاوون". وفضلت القاهرة أيام مبتنمش من الاحتفالات والفرحة، وفضلت الناس صبح وليل يسبحوا بحمد الله و السلطان.
مين بقي اللي فضل محروق دمه من المظاهر دي كلها، طبعا "بيبرس الجاشنكير" و"سلار". اللي بعد ما هديت مظاهر الاحتفال، راحوا يفكروا السلطان أنهم أوصياء العرش عليه، متنساش نفسك يعني، وحتي لو جيبت نصر عظيم، برده انت لسة صورة، والحكم حكمنا والشورى شورتنا.
وواحدة واحدة، البساط في القلعة بينسحب من تحت رجلين السلطان "الناصر محمد بن قلاوون"، وبيلاقي معاملة أغرب من اللي قبلها، ده مش بس اتحط صورة، ده بقي محبوس جوا القصر، ممنوع يخرج إلا بإذن، ويتكلم عدد معين ومحدود، ومقطوع الاتصال بأي حد من برا القلعة، كويس أنهم سمحوله يتجوز ويخلف في الفترة دي. ده وصل بيهم الوقاحة أنهم أمروا الحراس ميسمعوش كلامه، ولا ينفذوا طلباته، لدرجة أنه كان نفسه ياكل حلويات، ومحدش اهتم ولا جابهوهاله. وبعد صبر ٦ سنين، وبعد ما الأمور أسودت أوي، أدرك "الناصر محمد" أنه مش هيقدر علي "بيبرس الجاشنكير" و "سلار"، وأن الخطوة الجاية أكيد هيتأمروا عليه ويقتلوه.
في سنة ١٣٠٩م، بيبعت "الناصر محمد" يستأذن من الأوصياء في أنه عاوز يطلع يحج هو وأهل بيته كلهم. ليتوافق علي طلبه، وبيستعد لرحلة الحج، مع مراته وأولاده _ بعد وفاة أمه _ ويجمع معاه أمواله بغرض رحلة الحج طبعا. وتطلع قافل السلطان لحد العقبة، ومن هناك ليغير مسار القافلة ويتجه هربان الي قلعة الكرك، في الأردن حاليا. ومن قلعة الكرك، بيبعت لرسالة ل "بيبرس الجاشنكير" و "سلار" بيبلغهم أنه متناول عن عرش السلطنة ليهم، وكفا الله المؤمنون شر القتال.
تفتكر "الناصر محمد بن قلاوون" كان مستسلم فعلا، وقرر يبعد وينجي بحياته ويشتري دماغه فعلا، ولا كانت دي مجرد استراحة محارب. ده اللي تعرفه في الجزء الرابع أن شاء الله.
مروة طلعت
21 / 7 / 2023
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:
عصر سلاطين المماليك - أ. د. قاسم عبده قاسم
تاريخ المماليك - أ. د. محمد سهيل طقوش
العصر المماليكي - أ. د. سعيد عبد الفتاح عاشور
فرسان الإسلام وحروب المماليك - جيمس واترسون
مصر في العصور الوسطى - د. حسن علي إبراهيم
تاريخ مصر في العصور الوسطى - ستانلي لين بول
مصر المملوكية - د. هاني حمزة
تعليقات
إرسال تعليق