الملك الناصر محمد بن قلاوون 2
القاهرة سنة 1310م، المصريين ثايرين، بعد ما جابوا آخرهم من ظلم واستبداد السلطان "ركن الدين بيبرس الجاشنكير" ونائبه "سلار". وكمان النيل كان في وقت جفاف، والبلد في حالة قحط، والمماليك مش راحمين الناس، من فرض ضرايب واتاوات ومكوس، وتحصيلها من الجيوب اللي أصلا فاضية، بالضرب والقتل والمهانة. الناس خرجت تهتف "سلطانا ركين ونائبه دقين يجينا الماء من فين، هاتولنا الأعرج يجي الماء يتدحرج". ومن شدة ثورة الناس، اللي المماليك مقدروش يحجموها، اقتحموا القلعة، عاوزين يمسكوا "بيبرس الجاشنكير" و"سلار" يفرموهم. لمن "بيبرس الجاشنكير" و "سلار" بيقدروا يهربوا من القلعة، وقبل هروبهم بيفضوا الخزاين، من الفلوس والدهب، وياخدوها معاهم، ماهو ده أهم حاجة بالنسبة لهم. أول ما الناس خدوا خبر بهروبهم، طلعوا يجروا وراهم ويطاردوهم، ومن شدة المطاردة وقربهم من السلطان ونائبه. خاف "بيبرس" ان الناس تلحقه وتمسكه، فأمر رجالته من المماليك، انهم يرموا علي الناس الفلوس والدهب، عشان يلهيهم فيهم، ويقدر يبعد المسافة ويهربوا. لكن الناس لا اهتمت بالفلوس ولا بالدهب، اللي كان بيترش عليهم زي المطر، كل اللي كانواژ عاوزينه هو رقبة "بيبرس الجاشنكير" و"سلار"، وفضلوا الناس يجروا وراهم، لحد ما قدر السلطان ونائبه يفلتوا منهم بأعجوبة، وبعد ما نفسهم اتقطع، وروحهم راحت.
هو احنا ايه اللي جابنا هنا، وايه اللي حصل عشان يخلي المصريين المسالمين، الراضيين بقسمتهم ونصيبهم دايما - ودي صفة حقيقية في طبيعة المصري - يثوروا بالشكل الغير اعتيادي ده، مهواش أول جفاف يعني ولا أول مهانة وبهدلة بيشوفوها. عشان نعرف أبعاد الموقف من البداية تعالي نرجع لسنة 1299م. الوقت اللي وقفنا فيه في حكايتنا في الجزء الأول هنا 👇 واللي لازم نقراه عشان نفهم ونكون في الصورة أكتر.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid05YpRcM8wzDnrXm5iA8whjvWiDuGecGj3Tfzxk1qeW58jKhprdvoH26ytU2Q7P6cyl&id=100070872365801&mibextid=Nif5oz
السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" بيرجع بجيشه علي مصر، بعد هزيمته في معركة وادي الخازندار، قصاد المغول، واقتحامهم واحتلالها دمشق. رجع "الناصر محمد" بغرض إعادة ترتيب الجيش، وإعادة بناءه، عشان يقدر يعيد الكره تاني وينتقم من المغول. وبعد 100 يوم من احتلال المغول لدمشق، بيقدر الأمير المملوكي " أرجواش" يطرد المغول منها، ويرجع تاني في حظيرة الدولة المملوكية، تحت أسم السلطان "الناصر محمد بن قلاوون".
سنة 1300م، بيبعت خان المغول "محمود غازان" رسالة، لملك صليبيين قبرص وأرمن قليقلة، واللي كانوا متمركزين في جزيرة أرواد جنب طرطوس _ ميناء في سوريا حاليا _ بعد ما "الخليل بن قلاوون" هزمهم وطردهم من عكا وطرابلس. الرسالة كانت بتدعوهم للتعاون في حربه ضد السلطان "الناصر محمد بن قلاوون"، ويوافق ملك الصليبيين علي التعاون. وبدأ يجهز جيشه من فرقة فرسان المعبد أو فرسان الهيكل الشهيرة. ووصلت أخبار التحركات دي للقاهرة، في عز ما كان السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" بيجهز جيشه.
في الوقت اللي كان فيه السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" ابن ال ١٦ سنة، مشدود ومركز في حروبه مع المغول والصليبيين مع بعض. كان أوصياء العرش بتاعه "بيبرس الجاشنكير" و"سولار" في وادي تاني خالص، كل اللي همهم السرقة والنهب من جيوب الناس، بكل ما أوتوا من بطش وتعذيب وقتل واضطهاد. فقامت اضطرابات واشتباكات كتيرة في محافظات مصر كلها.
يعني في البحيرة مثلا حصل فيها شبه الحرب الأهليه بين قبيلة (جابر) وقبيلة (برديس)، والدم بين القبيلتين بقي للركب، فخرج إليهما الأمير " بيبرس الداودار" _ ده غير الجاشنكير نركز مع بعض _ ومعاه 20 أمير، وكملوا عليهم ضرب، لحد ما الخناقة اتفضت، وجاب شيوخ القبيلتين ووفق بينهم.
أما بقي الصعيد ده بقي كان لوحده حكاية كبيرة أوي. في الوقت ده كان المتحكمين في الصعيد هم العربان، وشيوخ العرب. شيوخ العرب دول انتهزوا فرصة انشغال السلطان في الحرب مع المغول، وامتنعوا عن دفع الخراج بتاعهم، ونسيوا أن فيه اللي ألعن من السلطان، اللي أبوهم وعمهم القرش، أوصياء العرش "بيبرس الجاشنكير" و "سلار". راح طالع عليهم الوزير "سنقر الأعسر"، اللي قتل عدد من المتمردين وسرق الجمال والأسلحة وكل خيول الصعيد، ورجع علي القاهرة وهو فاكر أنه كده خلاص علم عليهم، وعلمهم الأدب. لكنهم فوجئوا أن الصعيد ولع أكتر من الأول، وأتكونت فرق من قطاعين الطرق الدموية وسموا نفسهم "المنسر"، ولاحظوا المماليك أكتر، وامتنعوا عن دفع الخراج والضرايب، وهربوا المساجين، وفرضوا إتاوات علي التجار في أسيوط ومنفلوط. واتعمدوا يستخفوا ويهينوا المماليك، فكبار المنير سموا نفسهم بيبرس وسلار، يعني انتوا حرامية ومنسر زينا أصلا. وهنا المماليك منعوا السفر من أو إلي الصعيد، وقفلوا كل المداخل والمخارج، وعزلوهم عن باقي البلاد، وحزموهم كويس، ونزلوا عليهم دغدغوهم، واتاخد العاطل مع الباطل، المتمرد مع حزب الكنبة، وكانت مذبحة يشيب لهولها الولدان.
ده غير بقي وقعة أهل الذمة اللي حصلت في القاهرة، لما وزير ملك المغرب، كان معدي علي مصر وهو في طريقه الحجاز عشان يحج. ساب كل حاجة في البلد وملفتش نظره غير أن أهل الذمة في مصر ( اليهود والمسيحيين ) عايشين في ترف وأغنيا ومعاهم فلوس ومزينين خيولهم بالدهب. راح قائل البوقين دول قصاد مين، ايوه برافو عليك للي أبوهم زعمهم القرش، "بيبرس الجاشنكير" و "سلار"، فلفت نظرهم أستاذ بوتاجاز. وزيادة في الشعللة ربط بينهم وبين مسيحيين الأندلس اللي بيعذبوا المسلمين، حضرتك دول مش هم دول، بس هي كانت حجة حلوة، لسرقة المزيد من الأموال. واتهدت كنائس ومعابد، واتسرقت الأموال والبيوت، وأجبروهم أنهم يلبسوا عمامة زرقا عشان يميزوهم عن المسلمين اللي بيلبسوا عمامة بيضا، ومنعوهم يركبوا الخيول والبغال، ونتجة الاضطهاد ده، اتقفلت الكنائس والمعابد لمدة سنة.
كل ده حصل سنة 1301م، وبسبب الأحداث دي خلت المصريين علي أخرهم من "الجاشنكير" و "سلار". في نفس الوقت السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" مشغول في مواله مع المغول والصليبيين، وتجهيز الجيش. في سبتمبر 1302م، أمر "الناصر محمد بن قلاوون" بخروج الأمير "كهرداش" من مصر إلى الشام ومحاصرة جزيرة أرواد، وقدر يهزم الصليبيين، وأسر عدد كبير من فرسان المعبد، وهرب الباقي إلى قبرص. في 26 سبتمبر 1302م، استسلمت أرواد تماما، آخر مكان للصليبيين في الشام. وفي نفس الوقت أمر السلطان بخروج الأمير "بكتاش" بجنوده ومعاه "كتبغا"، الي مملكة قليقية الأرمنية في حملة تأديبية بسبب تحالفها مع "غازان"، وهناك حرق المحاصيل، وأسر عدد كبير من الأرمن، وحاصر عاصمتهم، لحد الاستسلام. ورجع الجيشين منتصرين، والاحتفالات بالنصر علي الصليبيين للأبد كانت في عظيمة.
رجب 1303م، وصلت الأخبار للقاهرة، ان خان المغول "محمود غازان"اتحرك ناحية الشام تاني. وهنا كان لازم علي كل أمراء المماليك الاتحاد في التخلص من الخطر المغولي، وفورا خرج "بيبرس الجاشنكير" بجيش مكون من 3 آلاف جندي بس من مصر، وطلع بيهم علي دمشق. لقي الناس مذعورة وبيجروا ويهربوا بحياتهم من حلب وحماة وحمص قبل ما المغول يجوا عليهم تاني _ يأجوج ومأجوج العصور الوسطي _ ولما عرف "محمود غازان" أن السلطان مطلعش من مصر وجيش الشام عدده قليل، استهون بالموضوع وراح طالع علي حمص وبعلبك واحتلها ودمرها.
الأخبار دي كانت بتعمل تفكك في نفسية جنود المماليك اللي جايين من مصر واللي من الشام، وبدأت اصوات تعلي أنهم مش هيقدروا عليهم زي ما حصل في معركة وادي الخازندار، وفيه كلام تاني برده انتشر بيقول هنحاربهم ازاي وهم مسلمين زينا.
وهنا جت الأخبار أن الناصر "محمد بن قلاوون" طلع من مصر علي رأس جيش كبير وعظيم مقداره 200 ألف جندي، ومعاه الخليفة العباسي وأكابر فرسان المماليك زي "عز الدين أيبك الخازندار" و "حسام الدين لاجين الرومي" و "بجتاش الفخري" و "قرا سنقر". وانضم ليه في السكة جنود من بلاد الشام وهو معدي.
الأخبار دي فرحت أهل دمشق وطمنتهم، وبقوا يكبروا ويهللوا. وطلع الشيوخ والفقهاء علي منابر المساجد، يخطبوا في الناس ويطمنوهم ويأكدولهم النصر، ومن ضمن الفقهاء كان الإمام "إبن تيمية" اللي أخد علي عاتقه بث روح الشجاعة والجهاد في الجنود ويرفع معنوياتهم وحماستهم بصفة دورية ومستمرة، وقالهم لو أنا من جيش المغول وعلي راسي المصحف أقتلوني، لأنهم فاسدون ومخربون في الأرض.
في يوم السبت الموافق 2 رمضان 702هـ، 20 إبريل 1303م، وصل السلطان "الناصر محمد بن قلاوون"إلى عقبة شجورا، وجاتلهم أخبار أن جيش المغول جاي عليهم، فاتفق الأمراء مع السلطان علي الخطة، وأن أنسب لقاء للمعركة هي شقحب تحت جبل غباغب _ جنوب سوريا حاليا بين دمشق ودرعا _ و قف الخليفة العباسي يخطب في الجيش وقال: "يا مجاهدون لا تنظروا لسلطانكم، قاتلوا عن حريمكم وعلى دين نبيكم عليه الصلاة والسلام".
ياتري ايه اللي حصل بعد كده؟؟ ده اللي هنعرفه في الجزء التالت بإذن الله.
مروة طلعت
14 / 7 / 2023
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
تعليقات
إرسال تعليق