حسن فتحي

- لسه مدخلناش في الصيف والجو حر أوي. 
= متهيقلي في أغسطس، هيفتحوا علينا الفرن ويغزونا بالشوكة، يشوفونا استوينا ولا لسه.
- يا لطيف يارب، يوليو وأغسطس أكتر شهرين بعاني منهم.
= بس انتي مقللة خروجاتك اوي في الشهرين دول ومعظمهم بتكوني في البيت.
- ماهو حتي البيت بيكون فرن، لا بنعرف نقعد ولا ننام بسهولة، والمراوح بتتحول لسيشوار، بتحدف علينا هوا سخن.
= أه صحيح، انتي معندكيش تكييف.
- تكييف مين مش شايفة فاتورة الكهربا كام.
= الله يكون في عون الغلابة في الحر ده، فيه ناس معندهاش حتي المروحة.
- عارفة ان بيوت المصريين القدماء كانت بتوفر الجو اللطيف، الرطب، في عز الحر.
= طبعا عارفة، المصريين القدماء كان عندهم مهندسين عباقرة، أشهرهم في مجال المعمار كان "أمنحتب بن حابو"، اللي بني معظم معابد وتماثيل وبيوت طيبة.
- ليه احنا منعملش بيوتنا علي طراز المصريين القدماء، ونرحم نفسنا من العذاب في الحر.
= انتي عارفة انها حصلت بالفعل، واتبنت قرية كاملة علي طراز القدماء، في الصعيد.
- ايه ده امتي وفين وازاي.
= طيب تعالي نقعد في الكافية ده اللي فيه تكييف، نشربلنا حاجة ونرتاح شوية من الحر، وأحكيلك.

سنة 1900م، بداية القرن العشرين، بالتحديد يوم 23 مارس بالأسكندرية. أسرة من أثرياء البلد، ربنا وهبلهم ابن جديد، سموه "حسن فتحي".  بيكبر "حسن" في رفاهية وعز، وسط أخواته التلاتة "محمد وعلي وعبد الحميد"، وبيظهر علي "حسن" تميزه في الرسم. ولما أتم 8 سنين، تركت أسرته أسكندرية، وسافروا للقاهرة، ونزلوا في حلوان، اللي كانت تعتبر مدينة ولاد الذوات. 

وهو عنده 18 سنة بيسافر "حسن فتحي" مع أسرته في زيارة للريف. الزيارة دي اللي غيرت كتير في نفس وتفكير "حسن فتحي". واحد ابن ذوات، وعايش عيشة فيها كل مظاهر الرفاهية، بيتصدم بحياة الفلاحين القاسية، الخالية من أي نوع من أنواع الحياة الكريمة. صورة مجسمة للفقر والبؤس والشقاء وغياب الانسانية المعيشية. وعلي عكس شعور أي حد في مكانه، زي انه يحس بالاشمئزاز أو التكبر، هو حس بالشفقة والرغبة في تحسين معيشتهم. ده كمان حب المكان جدا، وحب الغيطان والبيوت والحياة الريفية، لدرجة انه لما رجع القاهرة قدم علي انه يكون مهندس زراعي، لكنه منجحش في امتحان القبول.

قدم في المهندسخانة - كلية الهندسة - جامعة فؤاد الاول - جامعة القاهرة - قسم عمارة، واللي اتقبل فيها بسبب مهارته في الرسم، واتخرج منها سنة 1926م. اتخرج مهندس معماري، لكنه مكنش زي أي مهندس معماري، كان معماري برتبة فنان، عنده أحلام مترسبة عنده في عقله من حياة الريف اللي شافها، عنده رؤية وفكرة، خرج بيها برة الصندوق.
   
أحلامه كانت بتتمحور حول حياة كريمة للفقراء، وبيوت في مستوي قليلي الدخل، ومش بس كده، دي بيوت متجانسة ومتكيفة مع العوامل البيئية، يعني رطبة صيفيا، دفيئة شتاءا. في سنة 1930م، بيتعين أستاذ  في كلية الفنون الجميلة، وفي الوقت ده بيبتدي يحقق تصميماته وأفكاره علي أرض الواقع. ابتداها ببناء مدرسة طلخا، من جيبه الخاص. واستعان في البناء بمواد طبيعية من البيئة، وعن طريق الطين كون طوب البناء. وتجربته دي سمعت. اتجوز المهندس "حسن فتحي" من السيدة "عزيزة حسنين"، وعاشوا في منطقة درب اللبانة في القلعة، بالظبط قصاد جامع السلطان حسن والرفاعي.

في سنة 1946م، بعتتله ادار الآثار المصرية، بطلب بناء قرية في الاقصر.
بعد حوادث نبش المقابر وسرقة الآثار وبيعها، قررت الحكومة نقل سكان قرية القرنة، لمكان تاني أبعد من مكانهم القريب من وادي الملوك، وخصصت الدولة ميزانية مليون جنيه، لبناء القرية، واختارت مكان قريب من محطة السكة الحديد والأراضي الزراعية. وكلفت المهندس "حسن فتحي" بتصميم قرية القرنة الجديدة، بأسلوبه الفريد. وفعلا عمل المهندس "حسن فتحي" تصميمات ل 70 منزل، كلهم من خامات أولية ومواد محلية، بعيد تماما عن البناء الخرساني. وكان متأثر فيها بالطراز الاسلامي والطراز النوبي، في أشكال القباب والألوان والزخارف. وعمل كل بيت مختلف عن التاني في الشكل والتصميم، وزود فيه فتحات التهوية، والتصميمات الدقيقة اللي تخلي البيت جنة الصيف، ودفء الشتا. وساعده في عملية البناء، الأهالي والفلاحيين. لكن للأسف رغم روعة القرية، جماليا ومعيشيا، الا أن معظم الأهالي رفضوا الانتقال ليها. والقرية موجودة لحد الآن لكنها غير مأهولة بالسكان. وفي سنة 2010م،  اضافتها قائمة المعالم الأثرية العالمية، لمعظم المواقع المهددة بالانقراض لتوجيه الانتباه إلى أهمية الموقع لتخطيط المدن الحديثة والهندسة المعمارية المحلية بسبب فقدان الكثير من الشكل الأصلي للقرية منذ إنشائها.

في سنة 1949م، أصبح مدير إدارة المباني التعليمية التابعة لوزارة التعليم، وفي سنة 1953م، أصبح رئيس قسم العمارة في كلية الفنون الجميل، وخلال الفترة دي عمل مشاريع كتير مهمة زي، مدرسة فارس وفيلا محمد موسى وقرية الحرانية للنسيج واللي معروفة بإمبراطورية النسيج في مصر.

سنة 1959م، وفي عز نجاح مشروعاته وفكرته بأنشاء بيوت ومدارس صديقة للبيئة، بيقرر المهندس "حسن فتحي" السفر برا مصر بشكل مفاجئ ولأسباب غير معروفة. وعمل مشاريع كتيرة بنفس فكرته وتصميماته العبقرية في العراق وأفغانستان واليونان، حتي سويسرا عمل فيها فيلا خاصة بتصميمات عربية غير خراسانية وزرع فيها نخيل. وأتعين خبير بمؤسسة دوكسياديس بأثينا، ومحاضر بمعهد أثينا الفني.
سنة 1963م، بيرجع المهندس "حسن فتحي" تاني مصر، بعد دعوة الرئيس "جمال عبد الناصر" له، وطلب منه بناء قرية بمواصفاته الخاصة بنمط عمارة وطنى خاص بمصر، يتناسب مع تكوين الشعب المصرى، بما يتوافق مع مبادئ "ثورة يوليو" في الوادي الجديد، وسموها قرية باريس الجديدة. وبالفعل تم الانتهاء منها وضمت مدرسة وفيلات، وسوق تجارى ومسرح ومسجد ومهبط للطائرات، كلها مبنية من الطوب اللبن وبنظام تحكم هندسى فريد فى درجات الحرارة والتهوية. وبيتعين مستشار لوزير السياحة بالقاهرة. وفي سنة 1966م، بيصبح خبير لمشروع التنمية الريفية للأمم المتحدة بالسعودية. وكمان بيصبح في نفس السنة أستاذ زائر في قسم تخطيط المدنوالعمارة بكلية الهندسة جامعة الأزهر.

سنة 1969م، ألف كتاب شهير جدا في مجال العمارة أسمه "العمارة للفقراء". وصف فيه طريقته في البناء وشرح تجاربه المعمارية، الكتاب ده بيدرس لحد الآن عالميا. وفي نفس السنة بيتعين رئيس لمجمع الدائرة المستديرة الدولية للتخطيط وعمارة القاهرة.

سنة 1977م، بيتعين أستاذ زائر للاسكان الريفي بكلية الزراعة جامعة القاهرة. وفي السنة بيصبح مؤسس ورئيس المعهد الدولي للتكنولوجيا المتوافقة. 

سنة 1980م - سنة التقديرات ورد الجميل للمهندس الانسان العبقري "حسن فتحي" - بيصبح عضو لجنة التحكيم لجائزة الأغاخان في العمارة، وهي أكبر وأهم جايزة معمارية في العالم. وفي نفس السنة، مُنح جائزة بالزان الدولية لإنجازاته في مجال الهندسة المعمارية، والجايزة دي تُمنح عموما للأفكار المبتكرة اللي بتروج للعلوم الإنسانية والطبيعية ومساعي السلام. وكان هو أول واحد ياخد جائزة رايت ليفيلهوود المعروفة بجائزة نوبل البديلة. وتمنح الجائزة لدعم العباقرة اللي عندهم أجوبة على تحديات العصر.

وفي 30 نوفمبر سنة 1989م، يتوقف العبقري عن التفكير، ويتوقف القلب الرحيم عن النبض، وينتقل المهندس "حسن فتحي" الي الرفيق الأعلي، رحمة الله عليه، في منزله اللي مسابهوش أبدا وسط العمارة الاسلامية الاصيلة، اللي استوحي منها شكل تصميماته المعمارية، في درب اللبانة بالقلعة.

- بس ليه مخدوش تصميماته دي منهج في بناء البيوت، بدل البيوت الخراسنية.
= علي فكرة تصميمات المهندس "حسن فتحي" موجودة، هتلاقيها في القري السياحية في شرم الشيخ كتير، لأنهم فهموا أن الأصالة في البنيان، أولا رخيص، ثانيا مريح ومتكيف مع البيئة، ثالثا، محبب للنفس وللسياح.
- يسلام يعني هو عمل تصميماته للفقرا، نقوم احنا نعملها للسياح.
= هكذا تدار الأمور ياصغيرتي، الحداثة ببشاعتها لنا، والأصالة برونقها للغريب.ِ
مروة طلعت
18/6/2023
#عايمة_في_بحر_الكتب
#الحكاواتية
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:_

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا