الإمام محمد عبده

سمعت عن قصة "بلد العميان" ل "هربرت جورج ويلز"؟.  الحقيقة ان القصة دي ليها أبعاد نفسية وفلسفية كبيرة. القصة باختصار بتدور حوالين شخص بتقوده الصدفة لبلد كل اللي فيها عميان، عايشين فيها أجيال بالشكل ده بعد ما تفشي فيهم مرض نادر، وكانت النتيجة أنه قابل ناس مطموسي الأعين، ميعرفوش معني البصر من أصله. حاول الراجل ده يوصلهم معني الألوان والطبيعة والأشكال، اتهموه بالجنون، والهرطقة، ووصل بيهم الأمر أنهم كانوا هيقتلوه. حاول يهرب لكنه فشل، فرجع تاني وقرر يساير أموره عشان يعرف يعيش وسطهم وميتأذيش، وكدب كل حاجة قالها. لحد ما شاف بنت منهم، عجبته وحبها، وطلبها للزواج، وكان شرط أبوها وكبار البلد، أنه يشيل الجزء الغريب اللي وشه عنهم - العينين - عشان يقبلوا بيه زوج لواحدة منهم. وبعد تفكير كبير، بيختار البصر عن الحياة في بلد العميان، والمرة دي بينجح أنه يهرب منهم، وينجي ببصره.

بلد العميان، موجودة في كل زمان ومكان، هي أي مكان، أو حتي مجموعة من الأشخاص، بيحكمهم حاجتين أصعب من بعض، الجهل والتعصب. ممكن تقابل الجاهل اللي مستعد يتقبل أي معرفة جديدة، ودماغه خالية من التعصب، بالتالي يقدر يفكر ويحلل ويقرر، وبالتدريج يتخلي عن جهله. أما النوع بتاع بلد العميان ده، بيكون شرس، بيدافع بأستماتة عن جهله وأفكاره ورافض لأي نوع من التغيير، وموقف دماغه عن التفكير، الا في المسلمات اللي هو مقتنع بيها وبس.

أما الراجل المبصر في وسطهم ده، من أسمه، هو أي شخص متبصر، ربنا فاتح عليه وموسع مدارك فهمه، وسابق عصره. شفنا زيه كتير في صفحات التاريخ، وكانت نهايتهم كارثية. أعلاهم هم الرسل والانبياء، وما لاقوه من اهانة وارهاب وتعذيب. وفيه برده العلماء زي "جاليليو" اللي دفع حياته تمن لقوله أن الارض كروية تلف حول الشمس. حقيقة علمية بالنسبة لنا، انما في زمنه كان كفر وهرطقه، قضوا عليه لأنه كان متبصر، وسابق عصره. والأمثلة كتير جدا، من اللي عانوا بسبب تبصرهم، حتي هتلاحظها في مجتمعنا الصغير، بين أهلك ومعارفك، وهتشوفها أوضح علي السوشيال ميديا، الهجوم غير المبرر بلا فهم أو دقيقة تفكير، لأي صاحب فكرة مختلفة عن أفكارهم، والتهم والسباب جاهز بلا تمييز.

من طابور المتبصرين الطووويل والعريق،هنتكلم النهارده عن واحد منهم، عن عبقري الاصلاح والتعليم، كما سماه "العقاد"، هنتعرف علي "الامام محمد عبده".
منتصف القرن التاسع عشر، في الوقت ده كانت مصر لسه خارجة من تجربة الحملة الفرنسية، علي رغم من بشاعة التجربة، الا انها كانت عاملة زي القلم اللي صحي النايم من سباته الطوووويل، من أيام دخول العثمانيين، وفرض الجهل والظلام، كشريعة عامة، فقيادة قطيع من الجهلاء أسهل.

ومن بعدها مرت بمصر تجربة الاصلاح علي ايد "محمد علي" باشا، لكنها كانت بتخدم مجد شخصي، أكتر من النهوض العام. الحاجة الوحيدة اللي فرقت في التنوير، هو خروج البعثات التعليمية، اللي عملها "محمد علي باشا" بالغصب علي أبناء العامة والفلاحين، وده أثره بان علي المدي البعيد.

 في الفترة دي مصر مش بس كانت بلد عميان، دي كانت بلد الموتي، وأي محاولة تنوير، كأنك بتحفر في جبلد صلد بشوكة مثلا. أي محاولة لعب في ثوابت غلط، واخدها لطريق صحيح، كانت بتتواجه بهجوم ورفض شديد جدا، مع لستة التهم والسباب اياه.

في ظل الظروف دي في قرية "محلة نصر" التابعة لشبراخيت في محافظة البحيرة، سنة 1849م، رزق "عبده بن حسن خير الله" التركماني الأصل من زوجته المصرية اللي أصلها من قبيلة بني عدي العربية، بابنه "محمد". وبعد ميلاده بتسافر الأسرة مع الأب لقرية "حصة شبشير" التابعة لمركز طنطا في محافظة الغربية، وزي كل أسرة مصرية في الوقت ده، كان لازم الإبن يتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في کتاب القرية. وده اللي حصل وأتم "محمد عبده" حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة. ولما بلغ سن ١٥ سنة، أمره أبوه بدراسة الفرقة والشريعة وأصول الدين في الجامع الأحمدي - السيد البدوي - في طنطا. في الوقت ده كان نظام الدراسة مختلف تماما عن دلوقتي اول حتي عن نظام القرن العشرين، يعني مثلا مكنش فيه صفوف دراسية ولا نظام الامتحانات - اتعرف في العالم من سنة ١٩٠٥م تقريبا - وكان اتجاه الناس في التعليم غالبيته نظام ديني. لما درس "محمد عبده" في الجامع الأحمدي عاني طوال سنة ونص من صعوبة الدراسة، والمناهج المعتمدة المتون والشروح التي الخالية التقنين المبسط للعلوم، وعرضها مش واضح، يعني مفيش اجتهاد يخلي عقل طفل يفهمه ببساطة، مناهج تتصم متتفهمش، وواحد زي "محمد عبده" عقله مش مهيأ غير أنه لازم يفهم الأول، فكانت الدراسة بالنسبة له جحيم. هنا قرر بعد سنة ونص أنه يسبب الدراسة ويشتغل مع أبوه في الفلاحة في الأرض، لكن أبوه بيرفض ويصر أن أبنه يتعلم، وقصاد إصرار الأب وقوته، بيهديه عقله المتمرد أنه يهرب. هرب "محمد عبده" من قضاء الله الي قضاء الله، راح لأخوال أبوه في قرية تانية برده في محافظة الغربية. هناك قابل الشخص اللي غير مساره، وأنقذه من متاهته، وأنقذنا احنا كمان عشان يطلع لنا الإمام "محمد عبده".

خال أبوه الشيخ الصوفي "درويش خضر"، اللي قعد معاه وسمع منه، وفهم مشكلته، وقرر أنه يفهمه كل المتون والشروح اللي مكنش قادر يفهمها، وبسطهاله جدا لحد ما قدر يفهمها وكمان يحفظها. علمه الشيخ "درويش" ازاي يوسع مداركه، وميقتصرش علي قراءة العلوم الشرعية بس. عرفه انه لازم يقرا في مختلف العلوم، و يعرف كل شئ علي قدر المستطاع من حواليه، عشان يقدر يفهم أبعاد الدراسة الشرعية. ولما أبوه وصله، ورجعه تاني للجامع الأحمدي، رجع "محمد عبده" واحد تاني غير اللي كان هربان قبل كده. رجع طالب نجيب فاهم وحافظ، لا وكمان بيشرح لزمايله كل الصعب، واللي لسه المشايخ مشرحهوش. 

في سنة 1865م، بيسافر "محمد عبده" للقاهرة، عشان يلتحق بالجامع الأزهر كطالب علم، ويحقق حلم أبوه. في الوقت ده كان الأزهر، منارة العالم الإسلامي وكعبة كل دارسي العلم الشرعي. هناك درس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، فالأزهر وقتها كان لدراسة العلوم الشريعية فقط، يعني مفيش علوم دنيا، زي الفيزياء والاحياء واللغات والرياضيات وغيرهم. لكن من حسن حظه، أنه قابل في الأزهرالشيخ "حسن الطويل"، اللي كان من الشيوخ القليلين اللي بيأمن بنفس فكر الشيخ "درويش خضر"، وكان له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وله أراءه السياسية. طبعا فكر الشيخ "حسن الطويل" كان علي نفس هوي "محمد عبده"، فأتجه ليه، وتتلمذ علي ايديه، والصراحة أن الشيخ "حسن الطويل" مقصرش مع تلميذه صاحب العقل الكبير، ووجهه أن يدرس في دار العلوم والألسن جنب دراسته في الأزهر.

فضل "محمد عبده" يدرس في الأزهر ١٢ سنة، لحد ما وصل لأعلي مرتبة علمية وحصل علي شهادة العالمية، وأصبح شيخ رسمي سنة 1877م.

قبل حصوله علي العالمية ب 6 سنين، جه مصر تشي جيفارا المسلمين "جمال الدين الأفغاني" سنة 1871م. "جمال الدين" كانت أصوله أفغانية، بس خد علي عاتقه، نشر الوعي وروح التمرد علي أنظمة الحكم الفاسدة المستبدة، في كل البلاد الاسلامية. وخدله لفة حلوة كده في كذا بلد، وكل ما يدخل بلد تقوم فيها ثورة فيطرد، يروح علي بلد تانية وهكذا. فلما دخل مصر كانت سمعته سبقاه. بمجرد ما حط رجله في القاهرة، ألتف حواليه حلقة كبيرة من طلاب الأزهر، والمفكرين، وأصحاب الرأي. واللي كان من ضمنهم "محمد عبده"، ومعاه "عبد الله النديم" و "محمود سامي البارودي" واللي اتكلمنا عنه قبل كده هنا 👇
 https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid021HLAAwhey73uReHfzmqB9eebskpEHF6XDmDkSN4XbdyMZuwJ6gy5JcrxsiKTmAaXl&id=100070872365801&mibextid=Nif5oz

"محمد عبده" فضل ملازم "جمال الدين الأفغاني" في كل تجمعاته ودروسه، اللي غالبا كانت بتكون في قصر الأميرة "نازلي فاضل بنت الامير مصطفي فاضل بن ابراهيم باشا بن محمد علي"، واللي كان قصرها هو أول صالون ثقافي في مصر والشرق الاوسط،  لحد ما اتحولت العلاقة بين "محمد عبده" و "جمال الدين الافغاني"  لصداقة. وبعد تخرج الشيخ "محمد عبده" وحصوله علي العالمية، أتعين مدرس تاريخ في دارالعلوم، وكمان أتعين في مدرسة - كلية - الألسن. ومش بس كده ده كمان اتجه للصحافة، اللي كانت تعتبر لسه في بداياتها، وبدأ يكتب مقالات مستمرة في جريدة الأهرام، عن الاصلاح الخلقي والاجتماعي، و طالب في مقالاته اضافة العلوم العقلية والعصرية لمناهج الأزهر.

في سنة 1879م، اتولي "الخديو توفيق" الحكم، ولما شاف الخطر علي مصالحه مع الانجليز مهددة بسبب أفكار "جمال الدين الافغاني" وتلاميذه اللي كل يوم بيزيدوا، وأقلامهم وتفاعلاتهم في الصحف بتدبح. قرر ينفي "جمال الدين الافغاني" ويرتاح منه. وفي نفس السنة، اختار"رياض باشا" رئيس النظار - رئيس الوزراء - الشيخ "محمد عبده" كرئيس تحرير جريدة الوقائع المصرية، واللي تعتبر أول جريدة عربية أنشئت علي ايد "محمد علي باشا". ودي كانت فرصة "محمد عبده" الكبري، فرد في الجريدة باب خاص بمقالات مفكرين العصر، واللي هدفهم الاصلاح الفكري والتغيير التدريجي، لأنه كان مقتنع أن التغيير أو الانقلاب السريع، ماهو الا طفرة عارضة سطحية ومصيرها الي زوال، أما التغيير التدريجي فيتيج التغيير حتي الجذور فيثبت بقوة. وضم ليه كأقلام في الوقائع المصرية، "سعد زغلول" و "ابراهيم الهلباوي" في شبابهم - اتكلمت عن "ابراهيم الهلباوي" في كتاب "أساطير حية" اللي موجود في مكتبة أديب - والشيخ "محمد خليل". وفضل الشيخ "محمد عبده" المسئول الأول عن الوقائع المصرية لمدة سنة ونص.

يوم 9 سبتمبر سنة 1881م، صحي الناس علي شئ غير طبيعي، وهو مظاهرة عابدين، واللي كانت أبرز علامات ثورة "عرابي". الثورة اللي أشعل مراجلها "جمال الدين الأفغاني"، ومعظم المشتركين فيها كانوا مريديه. في البداية كان الشيخ "محمد عبده" متشكك فيها، وواقف في دور المتفرج، لأنه زي ما شرحنا، مكنش من محبي التغييرات السريعة. لكن لما عرف أن الدولة العثمانية بتتآمر علي عودة جنودها واحتلالها لمصر، زيها زي الانجليز والفرنسيين، مش عودة خلافة اسلامية زي ما كان فاهم ويتمني. هنا بيعلن الشيخ "محمد عبده" ويقول: "الأتراك العثمانيون ظلم.. وقد تركوا في بلادنا من آثار السوء ما لاتزال قلوبنا تضرب منه ضربان الجرح فلسنا نريد رجعهم ولسنا نريد أن نعود الي معرفتهم. وكفي الأتراك مالهم من حقوق الفرمانات. ولكننا اذا علمنا بأنهم يحاولون دخول بلادنا، فاننا نتلقي هذا الخبر بشئ لا يخلو من الترحيب.. فاننا سنغتنم هذه الفرصة لكي نحقق استقلالنا التام". وفضل ينادي في الصحف وعلي المنابر والجامعات،  بالدولة المدنية العصرية اللي تحقق لكل مواطنيها المساواة والأمن والحرية. ياه المطالب دي شوف من امتي يا مؤمن.

يوم 11 يوليو سنة 1882م، الاسطول الانجليزي بيضرب اسكندرية، ودي حكيناها هنا 👇
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid02cXXUwiUE2X1XJ7EznHYSB7qwZcchGymGtUDSZTYpa4WQbetD73rqUF9HgBPRDMYcl&id=100070872365801&mibextid=Nif5oz
والاحداث بتتوالي بسرعة وبينهزم جيش "أحمد عرابي"، وبيتقبض عليه وعلي كل اللي اشتركوا معاه في الثورة العرابية، واللي كان منهم "الشيخ محمد عبده". واتحكم عليه بالنفي برا مصر لمدة 3 سنين، وده كان أخف حكم فيهم. 

خرج الشيخ "محمد عبده" منفي من مصر، وسافر علي بيروت وقعد فيها سنة، لحد ما في يوم فوجئ بجواب من صديقه "جمال الدين الأفغاني"، بيدعوه فيها انه يسافرله باريس أهو يونسه في منفاه هو التاني. وفي سنة 1883م، بيوصل الشيخ "محمد عبده" باريس، ويستقبله صديقه "جمال الدين الافغاني". وطبيعي عقلين مناضلين زيهم، مش هيقعدوا في المنفي كدا ساكتين، ادام اتجمعوا. وده اللي حصل، صدرت من باريس صحيفة "العروة الوثقي" الشهرية، والصحيفة دي عملت قلبان للرأي العام - أيام ما الناس كانت بتقرا جرايد والجو العام من الاحتلال خلا الناس تتابع كل اللي بيتكتب وتتفاعل معاه - وعملت دوشة وصداع للانجليز، جمع فيها "محمد عبده" كل الاقلام الحرة اللي بتكتب برا مصر، والجرنال كان بيوصل لكل بلاد العالم الاسلامي، والناس والمفكرين كانوا بيستنوها بفارغ الصبر. وبعد 18 عدد قدرت انجلترا عند طريق مصالح مشتركة مع فرنسا، انها توقف اصدار "العروة الوثقي". وبعد اجهاض حلم "محمد عبده" و "جمال الدين الافغاني"، بينسحب "الأفغاني" ويودع "محمد عبده" ويسافر لبلاد فارس - وسط ايران - عشان يجدد النضال هناك.ِ

ِفي سنة 1889م بيرجع الشيخ "محمد عبده" لمصر بعد غياب أطول بكتير من مدة نفيه، وده بسبب غضب "الخديو توفيق" عليه. عشان "محمد عبده" وقت الثورة العرابية، كان نازل سلخ في الخديو ومتهمه بالخيانة. ولولا تدخل عدد من الساسة والزعماء زي "سعد زغلول" و "الأميرة نازلي فاضل" و "مختار باشا" وطلب العفو له من الخديو، مكنش عرف الشيخ "محمد عبده" يرجع مصر تاني. 

رجع الشيخ "محمد عبده" مصر وهي تحت الاحتلال الانجليزي، فكر أنه يركز هدفه في اصلاح العقيدة والمراكز والمنابر الاسلامية، فان صلح هذا بالتبعية ستصلح كافة الامور. فحط برنامج اصلاحي لمناهج وأسلوب الدعوة والخطاب في الازهر، وكتب تقرير عنه، ورفعه ل"لورد كرومر" - المندوب السامي البريطاني - عشان عارف ان الرأي النهائي هو رأيه، وان رأي الخديو في القرارات المصيرية ما هو الا تحصيل حاصل. لكن بطبيعة الحال مش من مصلحة انجلترا توافق علي أي اصلاح وبالأخص لو ديني، عشان كده "اللورد كرومر" ركن التقرير في الدرج.

لكنه ما يأسش وفضل يحاول محاولات مستميته، طرح أفكاره في الاصلاح، واللي من ضمنها ايجازة دراسة علوم الرياضيات والطبيعة بالأزهر، وبعد مجاهدات كبيرة قدر انه يحصل من الشيخ "محم الانبابي" شيخ الازهر علي فتوي بجواز تعلم العلوم دي لانها لا تعارض فيها لشئ من الأمور الدينية. وبسبب محاولاته دي رفض الانجليز والخديو رجوع "محمد عبده" لداخل الازهر، وصدر قرار بتعيين "الشيخ محمد عبده" قاضي أهلي في محكمة بنها، وبعدا اتنقل الزقازيق، وبعدها رجع القاهرة في عابدين. وهو شغال في عابدين بدأ يتعلم اللغة الفرنسية، وفي ظرف سنة اتقنها، وبدأ يقرا القوانين الفرنية وشروحها، وكمان ترجم كتاب فرنسي عن التربية.

في سنة 1892م، توفي الخديو "توفيق"، وتولي الحكم ابنه الخديو "عباس حلمي التاني"، اللي استبشر بيه الشيخ "محمد عبده"، وتوسم فيه الخير والاختلاف عن أبوه. وبسبب الخاطر ده، اتجه له الشيخ "محمد عبده" بمشروع الاصلاح اللي حطه للأزهر، والحقيقة ان الخديو "عباس حلمي التاني" تحمس له. وأمر بعقد لجنة برئاسة شيخ الازهر ومفتي الديار الشيخ "حسونة النواوي" لدراسة ومناقشة مشروع الشيخ "محمد عبده"، ولما لقي في اعتراضات من الشيوخ المتعصبه للمنهج القديم، فكرهم بفتوي الشيخ "النواوي"، لكن برده المشروع اتعطل. وفي سنة 1895م، يتعين الشيخ "محمد عبده" مستشار في محكمة الاستئناف.

في سنة 1899م، بيحصل خلاف بين الشيخ "حسونة النواوي" والخديو "عباس حلمي التاني"، وده لأن الخديو كان عاوز ينتدب قاضيين من مستشارى محكمة الاستئناف الأهلية، يشاركوا قضاة المحاكم الشرعية العليا فى الحكم، وده معناه تقييد وتحجيم سلطة المحاكم الشرعية، وخروجها التدريجي من سلطة الازهر، فرفض الشيخ "حسونة النواوي" وهاجم الخديو بشدة. وكانت النتيجة عزل الخديو للشيخ "حسونة النواوي" من مشيخة الازهر والافتاء. وراح منصب مفتي الديار للشيخ "محمد عبده" في نفس السنة، مع أنه كان الاحق بمنصب شيخ الازهر، بس زي ما اتفقنا الانجليز مكنوش عاوزينه في مجلس ادارة الازهر.

وأول ما تولي منصب المفتي، رجع تاني فتوي الشيخ "النواوي" وبدأ جهاده في محاولات الاصلاح للمناهج ومحاولة تبسيطها، وادخال مواد الدنيا، وبرده كانت محاولات بطيئة جدا، لأن معظم الشيوخ رافضين التغيير. محاولات الشيخ "محمد عبده" للتغيير، حسست الخديو أنه راجل أوبن مايند ومهاود، وده شجعه أنه يطلب من الاوقاف مبادلة أراضي وقف بأراضي تانية، والفرق مابين الاتنين 30 ألف جنيه. فوجئ الخديو برد فعل من الشيخ "محمد عبده" مختلف تماما عن ماتوقعه، فوجئ برفض تام وقاطع، ممنوع التفريط في سنتي واحد من أراضي الوقفية حتي لو للخديو ذات نفسه، الراجل بتاع اصلاح مش سبهللة. 
وهنا بيظهر الوش الشرس والبغيض للخديو "عباس حلمي التاني"، اللي لجأ للمطبلاتية بتوعه من صحافة وباشاوات وأمراء وساسة. وبقت سيرة الشيخ "محمد عبده" المهرطق، المضلل، الكافر علي كل لسان. واتوجهت الأقلام والحناجر تدبح في الشيخ ليل نهار، ويتصيدوله الاخطاء، ويقتطعوا كلام من سياق كلامه عشان يدل علي معني مخالف للحقيقة. ويظهروا معارضين خطط الاصلاح بتاعته علي المنابر والجرايد، يقولوا فيه ويعيدوا من الفواحش، واتنصبت المندبة، واترصت سيل التهم والسباب لأقصي ما عندهم. الحقيقة ان الحملة الشرسة دي فعلا أثرت علي الناس، وثبتت السمعة دي في اذهانهم، وناس كتير صدقوهم من غير بينة. وبرده الحملة دي نجحت انها تخليه يقدم استقالته سنة 1905م، وبمجرد استقالته وانعزاله بيظهر عليه أعراض مرض السرطان اللعين، ومبيقعدش كتير ويرحمه ربنا، ويختاره الي جواره في نفس السنة. رحل الشيخ "محمد عبده" وهو سايب لنا أرث من الاصلاح اتحقق كتير منه، ولسه لحد الآن فيه من خططه اللي لسه متحققش. وساب لنا تلاميذ كتير من بعده كملوا مسيرة التنوير زي "سعد زغلول" و"عباس العقاد" و "أحمد شوقي" و "طه حسين" و "قاسم أمين" والشيخ "محمد المراغي" والشيخ "مصطفي عبد الرازق" وغيرهم كتير. رحم الله عبقري الاصلاح والتعليم الامام "محمد عبده".
مروة طلعت
15/6/2023
#عايمة_في_بحر_الكتب
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:
عبقري الإصلاح والتعليم الإمام محمد عبده - عباس محمود العقاد.
رائد الفكر المصري الإمام محمد عبده - عثمان أمين.
مفكرون من مصر: سامي خشبة.
زعماء الإصلاح في العصر الحديث: أحمد أمين.
سيرة الضمير المصري - ايهاب الملاح.
الملك والكتابة 2 - محمد توفيق.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا