خط الصعيد

أهو... بالضحكة دي، بالخلقة دي، بالبصة دي... مالي الدهشنة خوف... أهو

زمان في قرية درنكة في محافظة أسيوط، كانت فيها نسبة الأمية تقريبا 100%. القري والنجوع البعيدة عن العواصم - القاهرة والاسكندرية - كانت غرقانة في الفقر والجهل والمرض، مكانوش متشافين أصلا.  ظهر في قرية درنكة شاب قدر يتعلم ويحفظ القرآن الكريم ويدرس فقة، وده كان بالنسبة لأهل البلد قمة الاعجاز، وطبيعي يتحول لفقيه البلد، وصاحب الكلمة المسموعة، ومعلم الكتاب الأول. والناس البسيطة قدروه بطريقتهم، فسموه "سر الختمة". 
مرت الأيام والسنين، وأبناء وأحفاده"سر الختمة" شالوا أسمه زي ماهو كده كإسم للعيلة. لكن المصريين معروفين بأنهم بيسهلوا كل صعب، عشان كده فضلوا يخففوا من اسم "سر الختمة" شوية بشوية. فجأة الاسم بقي عيلة "الختمة" بس من غير سر، وبعدها بسنين الاسم اتخفف أكتر وبقي عيلة "الختم"، وكمان سنين اتخفف أكتر وأكتر، وبقي عيلة "الخت"، وبلسان الصعايدة اللي بينطق التاء طاء، اتقلبت لعيلة "الخط".
1907م، قرية درنكة في محافظة أسيوط، بتولد "الخالة فضة" أخر أبنائها "محمد محمود منصور الخط"، طفل صعيدي جميل عينيه زرقا وأشقر - ويخلق ما لا تعلمون - واللي أبوه مات قبل ما يتولد. ربته "الخالة فضة" وسط أخواته "رمضان و الرويحي وعبد الحكم وتوفيق"، وكان بيساعدها وبيهتم بيهم عمهم. كبر "محمد" زي عيال البلد، لا تعليم، ولا توعية، في بلاد في زمن يغلب عليهم العصبية والجهل والضلام.  

الواد كما اي عيل في عيال ناس البلد

جسمه برضك قليل زي عيال البلد

يغوى صوت السواقي لما تملى البلد

زي عيال البلد

والقلب اخضر مزهزه لا مكر ولا حسد

زي عيال البلد

لما كبر "محمد" شوية وصلب طوله، خده عمه معاه ومع أخواته وولاد عمه، في صيد السمك، ورعي الأغنام، وتربية المواشي، أهي أي سكة يجيب بيها لقمة العيش لنفسه وأمه وأخواته، في زمن قاطم ضهر الضعيف، وطاحن الفقير، فما بالك كمان يتيم. 

وزي برده عيال البلد، "محمد" كان معاه سلاح ومتعلم ضرب النار ولا اجدعها نشانجي. هتسألني جاب السلاح منين، هقولك أنت في الصعيد يا صديقي، وعلي رأي اللي قال العيال هنا بيقرقشوا الطلق زي الترمس. وكمان في الوقت ده، كان منتشر أوي موضوع التار، اللي نابع من العصبية والجهل، وبعد الحكومة عنهم، فأنتشرت شريعة الغاب. وبالنسبة لمصدر السلاح، كانوا أحيانا بيهجموا علي عربيات الانجليز ويسرقوا الذخيرة والسلاح منهم ويبيعوه، بسيطة أهي.

حكاية عادية جدا، موجودة في كل بيت، و كل شخص عايش الوقت ده، في كل بلاد ومحافظات الصعيد. وفي يوم 2 فبراير سنة 1927م، يخرج "محمد" مع عمه يرعوا غنمهم، زي كل يوم، لكنه مكنش زي أي يوم. اتصادف مرور شيخ الغفر "عبد الله محمدين" مع ابنه وغفره، واللي كان بينه وبين عيلة "الخط"، خلاف قريب والنفوس شايلة من بعض، فشيخ الغفر زعقلهم وقالهم يمشوا من المكان ده. "محمد" كان دمه حامي وعصبي أوي، وميقبلش الأهانة لنفسه أبدا، رد علي شيخ الغفر وزعقله، ودافع عن عمه. نزله شيخ الغفر من كارتته وهو بيقوله انت بتزعقلي وبترد عليا يا واد انت، وراح ضربه بالقلم. ودي كانت أول غلطة، "محمد" خد القلم ودمه ضرب في نافوخه، ومشفش قدامه، غير وهو بيسحب السلاح من عمه وراح ضارب ابن شيخ الغفر عيار موته. الغفر شافه الموقف، راحوا رادين بعيار جه في عم "محمد" موته، ودي كانت تاني وأكبر غلطة. أخوات وولاد عم "محمد" وأهل البلد اتلموا علي صوت ضرب النار، شافوا محمد حاضن جثة عمه الغرقانة في دمها وبيصرخ وعينيه بتطق شرار.

الوضع أصبح كالآتي "محمد" قتل ابن شيخ الغفر، خدوا بتارهم في التو واللحظة، وقتلوا عمه، كده التار علي مين، ايوه علي شيخ الغفر. و"محمد" مستناش الحقيقة، في ظرف أسبوع كان واخد تار عمه من عيلة شيخ الغفر، مش في واحد أو اتنين، لا تسعة، كان بيصطادله اتنين علي غيار الريق كل يوم. الرعب اللي سببه"محمد الخط" في البلد، وصل أخيرا للبوليس، فنزلت قوة للبلد تشوف ايه اللي بيجرا فيها. وهنا بيختفي "الخط" وكأنه فص ملح وداب.

وبعد ما خلص البوليس تحقيق وتفتيش، ملقوش ليها فايدة قعدتهم، لموا بعضهم ورجعوا المركز. وهنا يقرر شيخ الغفر الرد علي "الخط"، وواخد تاره في اتنين من أخوات "محمد"، ودي بقي كانت تالت غلطة والتالتة تابته. مش بس دمر نفسه، ده دمر أسيوط كلها والبلاد المجاورة، ومن هنا اتخلق "خط الصعيد" أشهر وأشرس سفاح عرفته مصر.

    الواد ابو قلب لين صبح غير الولد

ضاع منه قلبه الأبيض وسط صريخ البلد

الحلم اللي حلمته في الصبح بيتفرذ

يصبح ذنب البلد

بيصبح هم البلد

"محمد" كان ذكي جدا، وشجاع وجرئ - أظن واضح من اللي عمله - لما هرب من البلد، طلع علي طول علي جبل الشيخ بخيت، اللي كان بالنسبة له ملعبه، حافظه وحافظ دروبه وكهوفه. وهناك طلع وراه كل الخارجين عن القانون، من قطاع طرق وحرامية، واللي سمعوا عنه وعجبهم جرأته، وطلع وراهم أخواته الفاضلين وولاد عمه، مقعدش في البلد من أسرته غير الحريم. في الجبل لم كل الناس دي، وعمل منهم عصابته وهو زعيمهم.  

في الوقت ده كانت انجلترا مشغولة في الحرب العالمية التانية، والحكومة المصرية كلها مشدودة، ومسخرة امكانيات البلد كلها لمساعدة الانجليز في الحرب، وده كان مسبب انهيار اقتصادي، وعيشة ضنك للناس، ده بالنسبة لأهل العواصم، أما لأهل الصعيد والريف والنجوع فالضنك ده كان أسلوب حياة طبيعي، وفي وقت الحرب كانوا تحت الضنك بشويتين كمان. 

أشتغلت عصابة "الخط" في فرض الاتاوات علي أصحاب الأراضي والتجار، وعلي طريقة المافيا "عرض لا تستطيع رفضه"، فرقة من العصابة تروح لصاحب الأرض أو التاجر، ويعرضوا عليه حماية أرضه أو تجارته نظير مقابل شهره، وان رفض بيحرقوله أرضه أو تجارته أو يسموله مواشيه. يجي يروحوا للي بعده، يقبل طبعا، ما هو شاف وسمع واتعلم الدرس. ده غير السرقة من البيوت، وقطع الطرق علي الناس، وسرقة اللي معاهم من فلوس أو بضايع أو مواشي، واللي كان بيعترض، ديته رصاصه وخلص الأمر.

 لما أنتهت معركة العلمين سنة 1942م، بهزيمة قوات ألمانيا بقيادة "روميل"، قصاد الانجليز، وانسحابهم من مطروح. سابوا وراهم جبال من الأسلحة والقنابل والذخيرة. وده كان كنز بالنسبة للعصابات والمقاومة الشعبية. والسلاح ملا السوق، لدرجة ان البندقية كانت ب 180 قرش، والقنبلة بمليم، لا وايه، أحدث أنواع الأسلحة، واللي مكنتش موجودة مع البوليس ذات نفسه. طبعا ده كان مكسب كبير لل "الخط" ورجالته، وعبوا شكاير سلاح وقنابل.

عرف "الخط" في يوم من خلال بصاصينه، اللي كان زارعهم في درنكة، أن شيخ الغفر لسه بيدور عليه، ومصر ياخد بتاره منه. وعرف أنه راح يأجر قاتل مأجور من العرب، عشان يقتل "الخط". هنا بينزل "الخط"، في اليوم اللي جاي فيه القاتل المأجور البلد، مع فرقة من رجالته، من الجبل، وبيقطع الطريق علي العربية اللي راكبها القاتل المأجور ويقتله، وساب سواق العربية يرجع بجتته، عشان يحكي اللي حصل، ويزود الرعب في قلوب الناس.

في الوقت ده كان "عواد صالح" واحد من مطاريد الجبل، برده مدوخ البوليس وراه، وقاتله خمسة برده بسبب التار. كان سابق "الخط" في الجبل بخمس سنين، يعني عنده خبرة وحنكة أكبر، ده غير أنه كان متعلم. الراجل ده راح لل "الخط" وطلب منه يكون من رجالته - ياحلولي - وبكده أتكون الرعب علي حق، "عواد" المخ، و "الخط" العضلات.

وزاد جبروت "الخط" وسطوته، والرعب وصل لأقصاه في نفوس الناس من "الخط"، وجرايمه البشعة وسرقاته بقي حديث الصعيد. لدرجة أنه طور من أدائه، ماشاء الله، وبقي يسرق الناس في عز الضهر، ووسط البلد عادي عيني عينك، واللي يعترض، مبيلحقش يكمل اعتراضه، القتل أسهل من هرش الدقن. الي جانب سطوهم علي معسكرات الانجليز، وسرقة الفلوس والسلاح والذخيرة. وصل بيه الحال أن فلوس الاتاوات والسرقة كانت بتوصل لل "الخط" متعبية في شكاير من كترها.

نيجي بقي للسؤال المهم، هو البوليس فين؟!!. في الأول الرعب كان شالل الناس، وكل اللي عليه أتاوة كان بيدفع من سكات، واللي بيتسرق برده كان بيتسرق من سكات، عشان عارف أنه لو اتكلم هيخسر هو وعيلته واللي يتشددلهم حياتهم. ورغم السكات، الأخبار كانت بتوصل للبوليس، خصوصا سرقات معسكرات الإنجليز. وبدأ البوليس يتحرك ويسأل الناس، اللي طالع عليهم ماخبرش وماعرفش. ده غير أن طلوع البوليس للجبل من رابع المستحيلات، دي سكك واعرة ميعرفهاش الا المطاريد. ده غير زي ما قلنا، السلاح اللي مع " الخط" أعلي بكتير من اللي مع البوليس القديمة. ومن جبروت " الخط"، وصل بيه الأمر أنه يستهزأ بالبوليس _ من النهاردة مفيش حكومة أنا الحكومة أنا الحكومة _ في الفترة اللي كان مأمور مركز أسيوط بيدور علي الخط، وبيعمل حملات تمشيط للطرق، يمكن يعتر عليه، ويسأل الناس ويستجوب، وبعد تعب ومجهود راح ع الفاضي، حب يغير جو ويطلع من المود، فدخل السيما، وقعد جنب واحد كده طول بعرض _ مشافش وشه طبعا لأن السينما ضلمة _ الراجل ده لما ابتدي الفيلم راح مميل علي المأمور وعزم عليه بسيجارة وولعهاله، شكره المأمور واتفرجوا ع الفيلم ومشيوا. تاني يوم وصل جواب بخط إيد "عواد" طبعا _ بما إنه المتعلم الوحيد _ مكتوبله فيه أن اللي ولعله السيجارة في السينما امبارح هو "الخط" نفسه اللي بتدور عليه (ضحكات شريرة متقطعة) 😂😂.

لحد ما في يوم سنة ١٩٤٦م، نزلت عصابة "الخط"، السكة الحديد، ووقفوا القطر اللي معدي في نص سكته، ودخلوا علي الناس بالبنادق، ثبتوهم وفضلوا يقلبوا فيهم بالراحة وعلي رواقة لمدة ٣ ساعات. متخيل انت الموقف، موقف قطر ومن وراه السكة الحديد كلها، لمدة ٣ ساعات _ واللي يخرجني يفرجني_ والدنيا هادية ولا حد بيقول انتوا فين. الحقيقة العساكر الإنجليز قالوا انتوا فين، وجت قوة منهم هاجمت القطر، والخط وعصابته جواه، ودارت معركة، خسرت فيها فرقة الإنجليز أرواحهم نفر نفر. 

هنا بقي الدنيا قامت علي "الخط" مقعدتش _العب مع المصريين عادي إنما الإنجليز مينفعش_ انجلترا كانت خلصت الحرب العالمية، ونفضت ايديها، وفاقت بقي للقلق اللي عامله "الخط" في معسكراتها ورجالتها. وبعتت مذكرة رسمية لرئيس الوزراء "إسماعيل صدقي باشا"، بيطالبوه فيها بالقضاء علي "الخط". 

في نفس السنة، "الخط" عمل غلطة تانية، خلت راسه مطلب جماهيري، من الحكومة الإنجليزية والمصرية علي حد سواء. زي ما حنا عرفنا، كان "الخط" فارض إتاوات علي كبار الأعيان، وملاك الأراضي، في أسيوط كلها. منهم كان واحد إسمه "حسن الكدواني" اللي اتعسر شوية في سداد الإتاوة، والكلام ده مينفعش "الخط" يسكت عليه، عشان متحصلش فتنة وغيره يقلدوه، لازم ياخد خطوة رادعة، عشان يستمر سلسال الرعب. صحي عم "حسن" الصبح، لقي قوة من عصابة الخط، بانيين خص في أرضه وقاعدين، مالكوا يا رجالة فيه إيه، أبدا "الخط" قال أرضك أرضنا لحد ما محصول القطن يطلع ونبيعه لحسابنا، المحصول كله يا رجالة، أيوه كله يا بو علي. الخبر وصل لمديرية أمن أسيوط، ونزل اللواء "إسماعيل أبو السعود" بقوة من رجالته، علي أرض "حسن الكدواني"، وحصل اشتباك بينه وبين رجالة "الخط". كانت النتيجة هروب رجالة "الخط"، وقتل اتنين منهم 

الرجالة رجعوا لل" الخط" يحكوله اللي حصل، ف" الخط" اتعصب وحلف ياخد بتار الرجالة اللي اتقتلوا، من اللواء. هنا أتدخل "عواد" _ العقل المدبر _ وقاله قتل اللواء هيقلب علينا الحكومة، اقتل "حسن" أحسن. لكن "الخط" مكنش شايف قدامه، وركب دماغه، وأصر يقتل اللواء. وراح باعت رجالته قطعوا الطريق علي عربية اللواء، وفتحوا عليه النار، قتلوا السواق واللي معاه، واللواء اتصاب بأربع رصاصات، لكن ممتش. وهنا اتحققت نظرة "عواد" المبعدية.

ولأن "عواد" برده شاف اللي هيحصل، قرر ينط من المركب بدري قبل ما تغرق. بس هو نط نطة غلط تقريبا _نط في حضن البوليس 😂😂 _ ساب العصابة ونزل علي بيته، فالحكومة طبعا خدت خبر، راحوا لحقينه وحاصروه، وبعد صراع بسيط، سقط "عواد" قتيل في ايد البوليس. وهنا "الخط" هنا اتجنن حرفيا، صاحبه ودراعه اليمين وعقله المدبر، اتقتل. 

بعد الحادث ده، جه أمر من رئيس الوزراء "إسماعيل صدقي باشا" بالقبض علي "الخط" حي أو ميت. والأمر ده مدهوش للداخلية بس، لأ، والدفاع كمان. الموضوع تخطي مجرد عصابة مجرمين، لأمن قومي شديد الخطورة. والجيش جهز ألف جندي، وقوات حربية ومعدات ثقيلة. وبدأت الاستعدادات والتحركات ووضع الخطط للسيطرة، والقبض علي الخط.

في ليلة عيد سعيدة، خرج "الملك فاروق" في استقبال الوزراء والمحافظين والمراكز القيادية، لتلقي التهاني بالعيد. ولما جه الدور علي "عزيز باشا أباظة" مدير أمن أسيوط في السلام، "الملك فاروق" ضغط علي أيده كده وقاله: " إلا قولي ياعزيز، هو الحظ، بنقطة علي الظا، ولا الحا" _ الإفيه ده لو كان اتقالي والله مكنت فهمته 😂_ "عزيز" فهم تلميح الملك، وخدها علي صدره أوي، وطلع بنفسه علي رأس قوات قيادة الحرب علي "الخط".

في الوقت ده تفتكر "الخط" كان قاعد ساكت كده. ده كان نازل بهدلة، ولا حرب الاستنزاف، في قوات البوليس ومعسكرات الانجليز. فضل شهور مشرب الإنجليز والحكومة المصرية المر في كاسات، وخسائر المنشآت والأرواح للركب.

الجديد بقي أن المخابرات البريطانية ذات نفسها كمان انضمت لقوات الحرب علي "الخط"، وبقت تمدهم بالمعلومات اللي ممكن تتجاب من تحت الترابيزة _حرب رسمية مش أي كلام _ واللي قاد الفرقة دي كلها كان الملازم "محمد سعيد هلال"، اللي قعد كده وبقي ياخد كل المعلومات اللي جياله، ويفندها، ويركبها جنب بعض زي البازل. لحد ما عرف أن فيه حاجة بتشد "الخط" للبلد، وهي "الخالة فضة" أمه، و"رشيدة" مراته و"هاشم" ابنه اللي عنده ٤ سنين، بس طبعا دول كانوا حيطة سد، هم عايشين أصلا علي حس أسطورة "الخط" _ عاملهم برستيج وهيبة في البلد _ ولايمكن لو قطعهم نسايل يتكلموا كلمة. 

ومن ضمن المعلومات اللي وصلت الملازم "محمد سعيد"، أن "الخط" له عشيقة من البلد، اسمها "سميرة"، وهنا بيتجه ليها "الملازم" وبيحاول يقنعها بالتعاون، بالتهديد مرة والترغيب مرة، لحد ما تبتدئ تتعاون معاهم. واكتشف الملازم في النهاية، إن "سميرة" كانت بتضللهم، وبتديهم معلومات غلط، وفي الآخر خلعت. وقبل ما اليأس ما يوصل لمداه مع الملازم وفرقته، جاتله معلومة تانية في غاية الأهمية.

عمدة قرية وابور المالطي، بلغ الأمن أن "الخط" موجود في بلده، نازل عند واحدة أسمها "حميدة" بقاله كام يوم. بتتحرق قوات الأمن علي وابور المالطي، وبيوصلوا عند "حميدة"، العشيقة الجديدة لل "الخط"، بس بيلاقوه خد قاعدته ومشي. وبالتهديد والترغيب، المرة دي "حميدة" بتتعاون بجد معاهم. وبتاخد الأوامر منهم، علي حسب خطتهم الموضوعة، أنها تقنع "الخط" يجدد نشاطه، ويتجه لخطف العيال، عشان يطلب من أهاليهم فدية.

وفعلا "حميدة" بتلعب الدور اللي مطلوب منها بإتقان، و"الخط" بيقتنع، ويخطف ولد عنده ١٤ سنة، من عيال كبار البلد، ويطلب فدية ٢٠٠ ج _أيام ما كان الدولار ب ٢٠ قرش _ وعشان الحكاية تتسبك صح، بيتواصل العمدة شخصيا مع الخط، باعتباره وسيط من أبو الواد، ويطلب منه كمان يهزلهم المبلغ ل ١٥٠ ج، و"الخط" بيوافق. 

بيحدد العمدة لل"الخط" مكان وزمان تسليم الفدية، يوم ٨ أغسطس سنة ١٩٤٧م، في غيط درة قوة البوليس والجيش نصبينله فيه كمين، وبمجرد ما دخل الفخ، قفلوا عليه المداخل والمخارج من كل اتجاه، بقي زي الفار اللي وقع في المصيدة. وأول ما حس "الخط" أن فيه حاجة غلط، وحاول يهرب، اتفتح عليه النار من ٦٠ بندقية. وقع الخط صريع ب ٢١ طلقة، وأول ما عمدة درنكة شاف جثته، صرخ بفرح شديد وقال: "الخط اتقتل، الخط اتقتل".

قوات الأمن بعد ما تتصوروا جنب جثة "الخط" والمساعد بتاعه، احتفالا بالانتصار الرهيب. سألوه ولفوا بيه قري ونجوع البلد، عشان يطمنوا الناس أن أسطورة "الخط" انتهت. طبعا الأخبار وصلت "الخالة فضة" أم "الخط"، واللي كانت مش مستعدة أبدا تستغني عن مكانتها وسطوتها المبنية علي حس جبروت ابنها. ولما خلصت الزفة، ووصلوا بجثة "الخط" لبيت أمه، وحطوه قدامها، قتلهم مين ده، ده مش ابني. الناس اتجننت، ازاي الكلام ده، ده العمدة مأكد أنه هو. فالملازم "محمد سعيد" بتجيله فكرة، اعتمد فيها علي ضعف قلب الأم. قالها تمام يبقي كده هنشرح الجثة عشان نعرف مين ده. نجحت خطة الملازم، وصرخت "الخالة فضة" وقالت لا تشرحوه لا، ده ابني. ودخلت مرات "الخط" شافته قعدت تصرخ وتنوح، وأمه كمان بقت تعدد عليه وتقول: "يا ازرق العينين يا مدوخ الحكومة يا محمد". 

الغريب بقي طبقا لمقالة الأهرام أن "الخط" لما اتقتل كان في جيبه مصحف وكان حجاب. 

وبكده انتهت أسطورة "خط الصعيد، واللي أصبح أسمه من بعده براند لكل مطاريد الجبل في الصعيد، فطلع من بعده كذا شقي زيه وحدوا نفس أسمه "الخط". واتعمل علي سيرته أفلام كتيرة، كانت حكايته ملهمة لكتابها زي "شئ من الخوف" و "الوحش"، حتي قصة "منصور الحفني" أخر خط للصعيد في فيلم "الجزيرة" فيها أحداث كتيرة استوحي الكاتب فيها من قصة "الخط" الأصلي.

 الأغنية كلمات عبد الرحمن الأبنودي من فيلم شئ من الخوف
مروة طلعت
30 / 5 / 2023
#عايمة_في_بحر_الكتب
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:-
أفيون وبنادق (سيرة سياسية واجتماعية لخط الصعيد الذي دوخ ثلاث حكومات) - صلاح عيسي.
مصرع الخط - أرشيف جريدة الاهرام 10 أغسطس 1947.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا