الامام ورش

 قال باحث بالتراث الثقافي، إن مقبرة "الإمام ورش" شيخ القراء المحققين، مهددة بالإزالة ضمن مقابر الامام الشافعي. من جهته، قال مصدر مسئول بوزارة السياحة والآثار، إن القبر غير مسجل في قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار ولا دخل للآثار بشأن هدمه.

من وأنا صغيرة فيه في المطبخ عندنا، راديو -أصبح من أساسيات المطبخ - مؤشره مبيتحركش عن تردد اذاعة القرآن الكريم، ودايما أصوات المقرئين، والبرامج الدينية، ملازمة وقفتنا في المطبخ. كنت بسمع المصحف المرتل بصوت أعاظم القراء زي "عبد الباسط عبد الصمد" و "الحصري"، مسبوقة بتقديمة الاذاعي وهو بيقول، برواية "ورش عن نافع". الحقيقة زمان ولحد فترة قريبة كنت بسمعها "ورش بن نافع"، بس أكتشف انها "ورش عن نافع"، بس لما فهمتها صح استغربتها، يعني ايه ورش عن نافع، ومين ورش ومين نافع، ويعني ايه ورش اسم غريب محتاج الفهم. ولما قريت وبحثت اكتشفت ان "الامام ورش" أصلا مصري صعيدي، اتولد وعاش ومات في مصر، وأنه صاحب تاني أشهر روايات ترتيل القرآن الكريم، في العالم الاسلامي.

سنة 110 هجرية- 728 ميلادية، في مدينة "قفط" جنوب محافظة قنا في صعيد مصر، اتولد "عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان بن ابراهيم"، واللي كان جده الأكبر مولي لآل الصحابي الجليل "الزبير بن العوام". اتولد "عثمان" في أسرة فقيرة بسيطة جدا، وكعادة أهل البلد، والمسلمين عموما في الفترة دي، كان أهتمامهم الأكبر هو حفظ القرآن الكريم، والتدبر فيه. فأهتم والده بتحفيظه القرآن في سن صغيرة، لحد ما أتم حفظه، الي جانب مساعدة والده في بيع المواشي. ولما كبر "عثمان" واشتد عوده، ساب قنا وسافر القاهرة، واستقر في الفسطاط - حي مصر القديمة حاليا - وتلقي العلم في حلقات العلم ب"جامع عمرو بن العاص". ومرت الايام، وأصبح "عثمان" له حلقة علم خاصة بيه، وتحول من طالب علم الي معلم. وكان "عثمان" مشهور بحلاوة صوته وقراءته المميزة للقرآن الكريم. 

في الوقت ده كان إمام مقرئين القرآن الكريم هو "الامام نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم"، أصله من أصبهان، لكن عاش واتشهر في المدينة المنورة، وعاصر في فترة من حياته "الامام مالك بن أنس"، واحد من أئمة الاسلام الاربعة. كان معروف أن "الامام نافع"، بيقعد كل يوم في المسجد النبوي، من بعد صلاة الفجر يستمع الي المقرئين اللي بيجوله من كل حتة في العالم الاسلامي، عشان يتتلمذوا علي ايديه وياخدوا منه الاجادة.

وهنا بيقرر "عثمان" يسافر للمدينة المنورة، عشان يتعلم من "الامام نافع"، ويقرأ بين ايديه. وأنطلق "عثمان" من الفسطاط، وعدا صحراء سينا، وبحر القلزم - البحر الأحمر حاليا - في رحلة شاقة جدا. لحد ما وصل مكة، قعد فيها كام يوم، عمل فيهم عمرة، وبعدها كمل رحلته، الي المدينة المنورة. لما وصل المدينة أخيرا، اتجه للمسجد النبوي. وهناك سأل عن الامام "نافع"، فشاوروله علي راجل حالك السواد، طويل اللحية، ووشه صبوح عليه ابتسامة، قاعد حواليه زحمة كبيرة من المقرئين، وهو قاعد وسطهم، بيسمعلهم بالدور، كل واحد بيقرأ 30 آية، ورغم الزحمة الا أنه كان بشوش وصبور، وروحه حلوة تميل للدعابة. 

"عثمان" شاف المنظر ده والزحمة، قالك بس أنا كده مش هوصله في سنتي، وخصوصا كمان أنه غريب مش من أهل البلد. فبقي قاعد مهموم مش عارف يتصرف ازاي، لحد ما ربنا سخرله واحد قعد جنبه، من خلال لبس "عثمان" عرف أنه مصري، لأنه كان بيسافر كتير مصر. وبدأ يتعرف عليه، و"عثمان" حكاله عن مرارة الرحلة اللي قطعها، عشان يجي مخصوص للامام "نافع"، وأديه أهو قصاده ومش عارف يوصله. فالراجل قاله أنه يقدر يخلي "الامام نافع" يسمعله بسرعه، وده عن طريق انه يوسط مابينهم صديق مقرب للامام جدا ميقدرش يردله طلب.

وفعلا قام "عثمان" مع الراجل اللي من المدينة، وراحوا لكبير الجعفريين، صديق الامام. وأول ما "عثمان" اتعرف عليه قال له: "يا طيب، أصلحك الله، أنا رجل من مصر، جئت لأقرأ علي نافع، فلم أصل اليه، وأخبرت أنك أصدق الناس له، وأنا أريد أن تكون الوسيله اليه". فابتسم الرجل وقال له: "نعم وكرامة". وقام معاه لبيت الامام "نافع" بعد ما خلص حلقة استماعه في المسجد.

دخل "الجعفري" مع "عثمان" ورحب بيهم "الامام نافع" في بيته، فقعد "الجعفري" وقال: "إن هذا وسيلتي اليك، جاء من مصر ليقرأ عليك، ليس معه تجارة ولا جاء للحج، وانما جاء للقراءة خاصة". رد عليه الامام "نافع" وقاله: "يا أبا جعفر، مجيئك فوق رأسي، ولكن ماذا أفعل مع أبناء المهاجرين والأنصار؟". فقام "الجعفري" وباس راس الامام وقاله: "تحتال لهذا الرجل".فبص "الامام نافع" ل"عثمان" فشاف راجل قصير شديد البياض بشعر ولحية شقرة وعيون زرقة ومايل للبدانة، وقاله الامام: "أيمكنك أن تبيت في المسجد؟". رد علي "عثمان" وقاله: " أفعل ان شاء الله، فإنما أنا رجل غريب، ليس لي الا راحلتي".

خرج "عثمان" من بيت الامام علي المسجد النبوي، بات فيه، وصحي قبل أذان الفجر، اتوضي واستعد للصلاة. بيدخل "الامام نافع" المسجد لصلاة الفجر، ووراه تلاميذه والمقرئين، وبعد الصلاة، بيقعد "الامام نافع" في مجلسه وحواليه التلاميذ، فيسأل: "أين الغريب من مصر؟". فيرد "عثمان بلهفة: "ها أنا ذا يرحمك الله". فابتسم "الامام نافع" وقال: "أقضيت ليلتك في المسجد؟". فرد عليه "عثمان": "أجل والله". فقال "الامام نافع": "فأنت أولي بالقراءة اذن". ودي كانت الحيلة اللي فكر فيها الامام عشان يقدمه ويخليه يقرأ الأول من غير ما يدايق حد.

تخطي "عثمان" الصفوف" وقعد قصاد الامام واتربع، وبدأ يرتل القرآن بصوت عالي ساحر، أخد قلب الامام، وقلوب كل الحاضرين والسامعين. وبعد ما انتهي من ال 30 آية المسموحين له، وقفه الامام عشان يجي اللي بعده. الغريب بقي ان اللي بعده وهب ل"عثمان" 10 آيات من نصيب آياته ال 30، عشان يخلي "عثمان" يكمل تلاوة. واللي بعده عمل نفس الحركة واداله 10 آيات، واللي بعده، واللي بعده، لحد ما قرأ 50 آية فوق ال 30 بتوعه.

وبعد ما خلص تلاوة، وسط صمت الجموع، وانبهارهم من صوته وطريقة تلاوته المختلفة والمحببة. ابتسم "الامام نافع" وقاله: "قلت لي اسمك عثمان، أليس كذلك". رد "عثمان" وقال: "أجل يا شيخنا". ضحك "الامام نافع" وقاله: "ولكنك أشبه ما تكون بطائر جميل في المدينة، يشبه الحمامة، اسمه ورشان، فهو مثلك أبيض وقصير وسمين. أتحزن ان دعوتك ورشان؟". رد "عثمان" بسرعة وقال: "وكيف أحزن وقد سميتني أنت به، والله ان اسم ورشان أحب إلي من عثمان من الآن".

فضل "عثمان - ورشان" في المدينة شهر، يرتل القرآن يوميا في المسجد النبوي، بين ايد "الامام نافع"، وكان دايما يقوله: "رتل يا ورشان"، لحد ما ختم القرآن أربع مرات تلاوة في المسجد النبوي. 

رجع بعد شهر لمصر، وهو شايل الاجادة من "الامام نافع" واسم "الامام ورشان"، اللي خففوه المصريين بعد كده ل"الامام ورش". وفضل عايش طول عمره بإسم "الامام ورش"، يعلم المصريين وطلاب العلم من كل مكان طريقته في ترتيل القرآن، واللي اتميزت روايته إذا قرأ، يهمز، ويمد، ويشدد، ويبين الإعراب. وأنتشرت طريقته وروايته للقرآن في مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والسنغال وتشاد والنيجر ونيجيريا. وفضلت رواية "ورش عن نافع" هي القراءة الأولي في أفريقيا والمعتمدة، لحد دخول العثمانيين، اللي غيروا طريقة القراءة لرواية "حفص عن عاصم"، لكن فضلت رواية "ورش" معتمدة في بعض البلاد، وأصبحت الرواية التانية في القراءات للقرآن الكريم. توفي "الامام ورش" سنة 812 ميلادية، ودعن في ساحة المقطم بمقابر الامام الشافعي، في قبر صغير ومجهول، ومع مرور الزمن، دخل قبره ضمن ضمن مقبرة عائلة عبد الفتاح بك محرم أحد قضاة المحاكم الأهلية، ومكانها في تقاطع شارعي الفارسى وابن حبيش تجاه شارع ابن الجباس بمقابر الإمام الشافعي بالقاهرة. رحم الله "الامام ورش" شيخ القراء المحققين. والذي ينتظر قبره في 2023ميلادية، قرار الازالة لبناء كوبري.

 مروة طلعت

23 / 5 / 2023

#عايمة_في_بحر_الكتب

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

لسان العرب - ابن منظور.

غاية النهاية - ابن الجزري.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين الذهبي.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا