أبناء الرشيد
الطمع من الصفات الملعونة في الانسان، واللي إندرجت من ضمن الخطايا السبع. والطمع مدخل أساسي للشيطان، بيلعب عليه بسهولة، وغالبا بتكون النتيجة طمعنجي بناله بيت فلسنجي سكنله فيه. والطمع والحكمة عادة مبيجتمعوش، يعني مش هتلاقي إنسان عاقل وحكيم وبيحسب خطواته وردود أفعاله كويس فيه صفة الطمع. الطماع دايما متهور، وطمعه عاميه، والخراب لنفسه واللي حواليه دايما علي ايديه. لو بصينا في التاريخ، هنلاقي أن كل المصايب والفواجع اللي حصلت كان أساسها الطمع. من أول جريمة علي وجه الأرض كان الطمع هو الدافع، لما طمع قابيل في ما هو مقدر لأخوه هابيل. ومن يوميها والانسان بطمعه وجشعه، بيدمر الأخضر واليابس. ضحايا بالمليارات من بدء الخليقة لحد الآن، ملهمش أي ذنب، راحوا في الرجلين نتيجة الطمع في سلطة أو نفوذ.
قصتنا النهاردة بتدور في قلب الخلافة العباسية. طبعا التاريخ الاسلامي زيه زي أي تاريخ لأي دولة أخري، تاريخ صنعه بشر، فما يؤخذ له أو عليه هو علي عهدة الأشخاص وليس علي الاسلام. فمن المعروف أن من بعد خلافة الخلفاء الراشدين (أبي بكر - عمر - عثمان - علي ) رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، تحولت سياسة الحكم تماما عما وضعه وأسسه رسول الله صلي الله عليه وسلم. وظهرت الأطماع اللي خربت الشكل الأساسي للدعوة، وحولتها لامبراطورية أخري زي أي امبراطورية سيادية، ولكنها حكم مسلمين. صحيح الحضارة الاسلامية وخصوصا في العهد العباسي، كانت في أوجها من العلم والمعرفة، علمت العالم كله وكانت أساس للعلوم الحديثة الحالية، محدش يقدر ينكر ده. ولحد الآن نتمني نكون في قوة العصر الذهبي اللي عاشته الأمم تحت الحكم الاسلامي. لكن اللي يهمني أننا ننظر للأمور نظرة استيعابية، لأن فيه أمور كتير ممكن تكون صادمة.
"هارون الرشيد" درة الخلافة العباسية، ودرة التاريخ الاسلامي، اللي اتسمي عهده بالعصر الذهبي. الراجل ده حكاية كبيرة أوي، محتاج لوحدة سلسلة مقالات - وده أقل واجب - بس مش موضوعنا دلوقتي. موضوعنا أن "هارون الرشيد" اللي قدر يوسع الامبراطورية الاسلامية شرق وغرب، شمال وجنوب، لأقصي اتساعها - كان يحج سنة ويحارب سنة - وأهم حاجة كانت امبراطورية متماسكة بقبضة من حديد - سيرته لوحدها كانت تعمل للامبراطور الروماني تبول لا ارادي - يعني كان عقلية قيادية وحربية وسياسية وعلمية معملية فذة. "هارون الرشيد" ذات نفسه الشخص اللي حكينا عنه ده، عمل غلطة رهيبة، غلطة تعتبر أول مسمار يدق في نعش الخلافة العباسية.
"هارون الرشيد" في شبابه كان عنده جارية فارسية جميلة جدا، اسمها "مراجل"، عجبته وأنجب منها ابنه البكري "عبد الله المأمون"، في نفس الليلة اللي مات فيها أخو "هارون"، الخليفة "موسي الهادي"، واتولي من بعده الخلافة "هارون الرشيد" سنة 170 هجرية 707 ميلادية. وبعدها بأيام بتموت "مراجل" في نفاثها. في نفس السنة بعد مولد "المأمون"، بتولد "زبيدة" زوجة "هارون الرشيد"، بنت الحسب والنسب والأشراف، بنت عم وبنت خالة "هارون الرشيد"، بنت وحفيدة الخلفاء، ابنها الأول من "هارون الرشيد" واللي سموه "محمد الأمين".
كبر أبناء الرشيد - لأن كان فيه أبناء تانيين بعدهم من "زبيدة" - في قصر الخلافة، والكل أتربي وأتعلم نفس التربية والتعليم، وأخدوا جانب كبير جدا من العلم والمعرفة والثقافة الواسعة اللي كانت بتميز عصر "هارون الرشيد" - كان دكاكين الكتب والوراقين والكتبة النساخين في كل حتة ومكان مابين محل والتاني محل كتب ووراقين - الي جانب تعليم الفروسية، وحضور جلسات الحكم لفهم السياسة من أبوهم، وجلسات السمر والشعراء والعلماء. يعني حياة متكاملة من كله. لكن علي رغم من الحياة المتساوية، الا أن كل واحد فيهم له طبع وميول. هنلاقي أن "الامين" بيميل لحياة الترف والسمر أكتر شوية، في حين أن "المأمون" كان جاد أكتر، وبيميل لجلسات العلم والعلماء والقراءة والمطالعة والمناظرات العلمية أكتر. ودي حاجة بفسرها بوجهة نظري المتواضعة، أنها كانت آلية دفاع من "المأمون" أو زي ما بنقولها عقدة نقص، لأن مهما كان التساوي موجود هيفضل "المأمون" في أنفس المحيطين - ما عدا أبوه طبعا - ابن الجارية الفارسية، انما "الأمين" كفاية عليه انه ابن الأكرمين، ابن الحسب والنسب والأشراف. فكان اختيار "المأمون" للعلم نقطه قوته اللي بتميزه وتخليه يقول أنا أهو.
مرت السنين، وجه الوقت اللي يحدد فيه "هارون الرشيد" ولي عهده. وكان من المنطقي أن ولي العهد هو أكبر أبنائه اللي هو "عبد الله المأمون". جت "زبيدة" في لحظة صفا كده وسألته، راح رادد من غير تفكير "المأمون" طبعا، وهنا خرجت "زبيدة" الست اللي جواها، بكل عنصريتها وغيرتها، وقالتله بقي تبدي ابن الجارية الفارسية علي ابني أنا، ابن "زبيدة" الهاشمية بنت الخلفاء. وغالبا كده بيتت "الرشيد" ليلتها بره، وضربت البوز المتين. الحقيقة أن الدنيا كلها كانت كوم، و"زبيدة" بالنسبة لل"الرشيد" كانت كوم تاني. مقدرش يزعلها ولا يكسر بخاطرها، وتاني يوم أعلن أن "محمد الأمين" هو ولي عهده.
كانت طعنة قوية جدا لقلب "المأمون" الصغير، وهنا مين استلقفه، ايوه أخواله من الفرس، واللي كانوا من مصلحتهم السيطرة علي كرسي الخلافة عن طريق ابنهم "عبد الله المأمون". وأشتغل الزن من ع اليمين وع الشمال، وملوه حقد علي أبوه وأخوه.
مرت كمان سنين حلوة كده، وشب "الأمين" و"المأمون"، ومن خلال بعض المواقف والمناوشات بين الاتنين، قدر يفهم "الرشيد" أن الدنيا داخلة علي كارثة بعد وفاته، وفي نفس الوقت برده مش عاوز يزعل "زبيدة" والجانب الهاشمي اللي في القصر. قعد يفكر ويقلبها يمين في شمال، لحد ما قرر يمسك العصاية من النص.
ياتري عمل ايه "هارون الرشيد" وايه القرار اللي اخده ده اللي هنعرفه ان شاء الله بكرة.
مروة طلعت
26 / 4 / 2023
#مروة_طلعت
#عايمة_في_بحر_الكتب
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:-
البداية والنهاية ج 10 - إبن كثير.
تاريخ مختصر الدول - إبن العبري.
تاريخ الأمم والملوك ج 9 - الطبري.
تعليقات
إرسال تعليق