أبناء الرشيد 2
الأمين والمأمون 2
حس "هارون الرشيد" أنه أخطأ في اختيار ابنه "محمد الأمين" ولي عهد، وقدمه عن أخوه الكبير "عبد الله المأمون" اللي كان أحق بولاية العهد. صحيح هو راضي الجانب الهاشمي، وعلي رأسهم زوجته "زبيدة" أم الأمين، لكن "المأمون" برده وراه عزوة مش سهلة من الفرس والبرامكة وحلفاؤهم أصحاب المصالح. حاول "الرشيد" يصلح الدنيا وينقذ مايمكن إنقاذه، قعد يفكر لحد ما هداه تفكيره لحل شافه انه حل مناسب وهيرضي جميع الأطراف.
في سنة 186هجري، خرج "هارون الرشيد" مع ولاده للحج. وهناك عند الكعبة ووسط كل الحجاج اللي جايين من كل بقاع الدول الاسلامية، عشان يبقوا شهود عليهم، أعلن أن "محمد الأمين" هو ولي عهده ويكون "عبد الله المأمون" هو ولي عهد أخوه "الأمين"، وأخوهم التالت "القاسم" يكون ولي عهد "المأمون". هنا "هارون الرشيد" مخدش باله أنه عمل نفس الغلطة اللي عملها أبوه الخليفة "محمد المهدي"، لما ولي العهد لإبنه "موسي الهادي" ومن بعده "هارون الرشيد"، واللي كانت سبب في صراعات كبيرة بين الأخين أنتهت بوفاة "موسي الهادي" سواء بالقتل أو بالمرض، علي حسب تعدد الأقاويل.
الحقيقة أن "هارون الرشيد" مكتفاش بإعادة الخطأ، ده حط خطأ تاني أكبر منه. قسم حكم البلاد الاسلامية بين الأخوات التلاتة. حط ايد "المأمون" علي البلاد الشرقية من الدولة الاسلامية زي خاراسان وغيرها لحد الصين، الجناح الشرقي كله تحت حكم "المأمون"، و"القاسم" اداله حكم المناطق الشمالية. يعني "الأمين" كده هيحكم دولة مقصوص منها جناحها الشرقي ورقبتها الشمالية.
طبعا دي كانت صدمة عنيفة بالنسبة لل "الأمين"، ومواساة وترضية معقولة بالنسبة لل "مأمون". وعشان "الرشيد" يتأكد أن كلامه هيتنفذ بعد وفاته، خلا التلاتة يقسموا علي التنفيذ في الكعبة وقصاد جمع الحجاج كله، ومش بس كده ده كتب كل بنود الاتفاق في مواثيق وحفظها جوا الكعبة. يعني حاول يراضي ضميره، ويحسس نفسه انه كده تمام، والولاد متربيين أحسن تربية، وهيحطوا ايديهم في ايد بعض ويكملوا بعض، ولا يمكن يخالفوا وصية أبوهم اللي شهد عليها كل الخلايق من كل العالم الاسلامي وأقسموا عليها في قلب بيت الله الحرام، صح ياحبايبي عينينا يا بابا.
في جمادي الأخر سنة 193 هجري 809 ميلادي، بينتقل "هارون الرشيد" الي جوار ربه، في مدينة طوس بإيران. وبيبعت "صالح بن هارون الرشيد" رسالة لأخوه "محمد الأمين" في بغداد بيعزيه فيها. وبعد مراسم الجنازة والدفن والحداد، بيتولي "محمد الأمين" الخلافة وكان عمره 23 سنة. وأتغيرت الخطبة والدعاء في الجوامع والمساجد، وأصبحت للخليفة "محمد الأمين" وولي عهده "عبد الله المأمون". وده كان عرف متبع في الخلافات الاسلامية، بعد خطبة الجمعة يدعوا للخليفة وولي العهد.
"الأمين" كان مخطط لنفسه ومجهز رسايل تخرج لجميع البلاد، حتي اللي تابعة لأخواته بأخذ البيعة منهم ليه بالسمع والطاعة. يعني بيكسر العهد، من أولها كده ولسه عضم التربة مبردش. "الأمين" قالك وأنا احكم بلاد ناقصة ليه، أنا أمير المؤمنين، وكل البلاد حقي. علي الرغم من أن الرسالة لما وصلت لل"المأمون" في خراسان، فورت دمه، لكنه تغلب علي شيطان نفسه وتحلي بالحكمة والصبر- اهدي علي الرز لحد ما يستوي - وبعت لأخوه "الأمين" رسالة مبايعته ليه مع هدايا من خراسان. و"القاسم" كمان عمل كده، بس "القاسم" في الأساس معندوش مشكلة زي "المأمون" اللي كانت الخلافة كلها من حقه أصولا.
لحد ما ظهر الدور المهم للفضلين، "الفضل بن الربيع" وزير الخليفة "الأمين"، و "الفضل بن سهل" وزير "المأمون". والاتنين كان دورهم النفخ في النار، كل واحد فيعم كان بيلعب لمصلحة قومه، فالصراع أتحول لصراع ومطامع بين العرب والفرس علي السلطة ومناصب الدولة العليا. هنا "الفضل بن الربيع" بيوسوس لل "الأمين" يستدعي أخوه "المأمون" لبغداد، وياخده رهينة ويفصل بينه وبين جنوده، عشان يخلص منه خالص ويشيله كمان من ولاية العهد. و"الفضل بن سهل" بيوسوس لل"المأمون" يقف قصاد أخوه "الأمين" ويرفض الدعوة بحجة أن أمور خراسان مش مخلياه فاضي يسيبها. بيوصل لل "الأمين" ان "المأمون" مظبط جيشه وصارف ومكلف عليهم، ومديهم مكافآت عشان يكسب ولائهم وانتمائهم ليه تالت ومتلت. فبتيجي لل "الأمين" فكرة تكون العقدة في المنشار ويطلب من "المأمون" أن يتنازل له عن بعض ايراد خراسان بحجة أن فلوس خراسان مكفياه، لكن فلوس العراق مش مكفياه، لكن "المأمون" بيرفض طلبه. وهنا يبعت "الأمين" رسالة يخيره فيها بين القبول وارسال الفلوس، أو التعرض لنار لا قبل له بها، لكن "المأمون" مهتمش بتهديده ورد عليه بأن خراسان وحكمها وفلوسها من حقه حسب بنود اتفاقهم مع أبوهم، وانه لا يخشى في الحق لومة لائم.
وفجأة "الأمين" بيحنث بقسمه، ويخفي المعاهدة والاتفاق اللي كان متعلق جوا الكعبة، ويخالف الاتفاق بشكل صريح. ويشيل "المأمون" من ولاية العهد، ويحط بداله ابنه "موسي"، ويؤمر المساجد بالدعاء له من بعده، ويلغي التعامل بالدنانير والدراهم المسكوك عليها اسم "المأمون" كولي للعهد. ودي كده كانت بداية الحرب الأهلية بين الأخوات، والفتنة الرابعة في التاريخ الاسلامي.
جهز "الأمين" جيش مقداره 10 الاف فارس، بقيادة "علي بن عيسي"، وأمره يطلع من بغداد ويتجه للشرق، عشان يحارب ويقضي علي "المأمون" وجيشه، ومن بعده يضم البلاد الشرقية تاني بشكل رسمي تحت خلافته وحكمه. لما وصل "المأمون" خبر تحرك جيش بغداد ناحيته، جهز جيش مقداره 4 الاف فارس بقيادة "طاهر بن الحسين" ومعاه "هرثمة بن أعين". "علي بن عيسي" لما سمع بأخبار جيش "المأمون" استهون بعدده، وكمان استهون ب "طاهر" لانه صغير السن عنه. لكن "طاهر" كان ذكي، وحط خطة مع "هرثمة" قدرت تخدع "بن عيسي". شغلوا "بن عيسي" بأعداد بسيطة تحاربه في الميمنة والميسرة تحسسه بالانتصار، وفجأة يتجمعوا مع باقي القوات في القلب، يهجموا عليهم هجمة شديدة فيه. وبالفعل انهزم جيش "الأمين"، ومش بس كده ده كمان "علي بن عيسي" اتقتل في المعركة. لما اتقلبت كفة الميزان بالشكل العنيف ده، جنود كتيرة وقواد من جيش "الأمين" نطوا من المركب قبل ما تغرق، وجريوا يبايعوا "المأمون" - أعوانك خانوك يا ريتشارد - وفضل جيش "المأمون" يكبر علي حساب جيش "الأمين"، وفضل يزحف بكل سهولة لحد ما وصل بغداد. في طريقهم بعت "الأمين" جيش تاني بقيادة "عبد الرحمن بن جبلة الأبنادي"، لكن أنهزم واتقتل. "الأمين" برده ميأسش وبعت جيش تالت بقيادة "أحمد بن مزيد" وبرده انهزم واتقتل. لحد ما خلاص خزاين "الأمين" فضيت علي الأخر ومفيش مجال يقوم جيوش تاني. يعني موت شعب بغداد حرفيا من الجوع، وكانت النتيجة انتشر الحرامية وقطاعين الطرق، والنهب والسلب، والبلد بقت فوضي، والناس بقت تخرج مزغورة تجري، تهرب بحياتها من البلد الظالم أهلها. واتحولت بغداد، من درة الرشيد والحضارة الاسلامية، لخرابة نتيجة طمع "الأمين".
الفوضى بقت سمة بغداد عاصمة الخلافة، وهنا قام " الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان" بالانقلاب علي "الأمين"، وخلعه من الخلافة، وحبسه هو وأمه "زبيدة" في قصر المنصور في 812 ميلادية، وراح مبايع "المأمون" علي الخلافة. لكن مجموعة من أنصار "الأمين" قدروا يطلعوه من سجنه، ورجعوه لقصر الخلافة. في الوقت ده كل الامارات الاسلامية كانت واقفة تتفرج علي صراع أبناء الرشيد، ومستنيين يشوفوا الكفة هترجح علي مين. فلما شافوا اللي حصل والكفة مالت ناحية "المأمون" معظم الولايات زي مكة والمدينة وغيرهم بعتوا الرسل بالمبايعة لل "المأمون" علي الخلافة من قبل حتي ما يدخل بغداد، واللي شجعهم علي أخد القرار ده كمان أن "المأمون" كان علي حق، و"الأمين" هو اللي بدأ بخيانة العهد. صراع كان نتيجته محسومة بس فاضلها تكة. وفضل جيش "المأمون" محاصر بغداد ويحارب أنصار "الأمين" اللي جوا أسوار بغداد لمدة سنة.
وفي النهاية بعد ما خلاص كل سبل "الأمين" خلصت، بعت رسالة ل "هرثمة" وقاله هسلم بس تديني الأمان من "المأمون". "هرثمة" بالفعل اداله الامان، فخرج "الأمين" بعد ما ودع أولاده وباسهم وحضنهم، وركب مركب "هرثمة" في نهر دجلة، واذ فجأة بيظهر مراكب "طاهر بن الحسين" اللي بيرفض تسليم "الأمين" وهو حي - جايز يكون خاف يقابل اخوه "المأمون" فالدم يحن وبكده مطامع الفرس مش هتتحقق بشكل كامل - وبيقدر يقلب المركب اللي فيها "الأمين" في النهر. لكن "الأمين" بيعوم ويوصل لحد شط البصرة، ويطلع وهدومه اتقطعت بالكامل من عليه ما عدا سرواله. ولما طلع لقي جنود "طاهر" مستنينه،فلما شافهم شاهرين سيوفهم قصاده صرخ وقال : "ويحكم أنا ابن عم رسول الله، انا ابن هارون، انا أخو المأمون. الله الله في دمي". لكن ضربه واحد بالسيف علي راسه وواحد طعنه في جنبه والتالت نحره من رقبته وقطع راسه.
وبكده انتهت الفتنة أو الحرب الاهلية اللي حصلت بعد ما تولي "الأمين" الخلافة لمده 4 سنين و 8 شهور. ومن بعده تولي "المأمون" الخلافة وأخد العرش محل الصراع.
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق