قصص من الكتب المقدسة (ريفيو)
قرأت كتاب "قصص من الكتب المقدسة" للكاتب الراحل الكبير "عبد الحميد جودة السحار"، الصادر عن داره "مكتبة مصر"، بعدد صفحات 247 صفحة. عند ذكر الكاتب الكبير "عبد الحميد جودة السحار"، يأتي في أذهاننا فيلمي "أم العروسة" و "الحفيد"، فهما من روائع كتاباته التي خلدتها السينما المصرية في الستينات والسبعينات، الي جانب فيلم "مراتي مدير عام" و"ألمظ وعبده الحامولي" وغيرهم من كنوز علقت في ذاكرتنا. الي جانب كتابات "عبد الحميد جودة السحار" السينمائية الفريدة، تميز وأشتهر بكتاباته الدينية، والقصص والروايات التاريخية الدينية، بشكل مبسط وأسلوب سهل وممتع.
كتاب "قصص من الكتب المقدسة" ظل في مكتبتي فترة طويلة من الزمن، وأتاح لي الجو الروحاني في رمضان قراءته. دائما ما يجول بخاطري عن قراة كتابات "السحار"، ان أسلوبه البسيط - السهل الممتنع - قادر للوصول الي كافة أصناف القراء من المبتدئين للمحترفين، حتي الاطفال تستطيع قراءته وفهمه.
قسم "السحار" الكتاب الي قسمين، في القسم الاول اختار بعض القصص من القرآن الكريم والتوراه. كانت البداية مع بداية الخلق، وخلق آدم وحواء عليهما السلام، وتكريم الله لأدم وتفضيله عن سار المخلوقات، ورفض ابليس وعصيانه لأمر ربه، ومن ثم لعنه من الله والخروج من رحمته. وسخط ابليس علي آدم ورغبته في الانتقام، التي أدت لخروج آدم وحواء من الجنة والنزول للأرض. من الملاحظ هنا ان "السحار" اعتمد علي القصص التوراتية أكثر لسرد تفاصيل غير واردة في القرآن الكريم والسنة، واختلاف مفسرين القرآن علي صحة حدوثها وقبولها في التراث الاسلامي. ينتقل الي قصة إبراهيم عليه السلام، وبحثه الاول عن الله، ودعوته لقومه الي الله، وقصة النار التي أصبحت بردا وسلاما عليه. وهنا يأتي دور سارة رضي الله عنها وقصة هجرتها مع نبي الله الي مصر وطمع فرعون مصر بها، وعندما حماها الله منه وظهور كراماتها، أهداها هاجر المصرية، ومن ثم اهدائها لزوجها لتكون زوجة ثانية له لعله يرزق منها بالذرية. وكما سبق وأشرنا معظم تلك الاحداث مأخوذة من القصص التوراتية. وتأتي قصة ابن الذبيحين - المقصود به محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم - التي ابتدأها من الذبيح الأول إسماعيل عليه السلام، وهنا اتجه "السحار" الي كتاب السيرة ومفسري القرآن الكريم كمصدر للأحداث لأن إسماعيل عليه السلام هو أبا العرب وجد رسول الله صلي الله عليه وسلم. روي لنا قصة تعمير مكة ب"هاجر" وابنها "إسماعيل"، ومعني شعائر الحج التي قامت بها "هاجر" للبحث عن ماء، حتي رزقها الله بزمزم، والتفاف القبائل حول البئر وتعمير المكان. وقصة الذبح والفداء العظيم، بعد تصديق الرؤيا والايمان الشديد بالله والطاعة المطلقة له، من قبل ثلاثتهم "إبراهيم" و "إسماعيل" و"هاجر". ومنها الي قصة بناء الكعبة بأيدي "إبراهيم" و"إسماعيل" عليهم السلام - من الملاحظ ان قصة الحجر الأسود منقوصة ومبهمة فذهاب إسماعيل والبحث واحضاره للحجر الاسود ووضعه كعلامة لبداية الطواف أعطت القارئ احساس انه جلب الحجر من الطريق كأي حجر عادي وليس حجر مقدس قادم من السماء - ورفع القواعد، والأذان بالناس للحج. ينتقل بعدها "السحار" لقصة الذبيح الثاني وهو "عبد الله بن عبد المطلب" - أبا رسول الله صلي الله عليه وسلم - وكانت البداية مع الجد "عبد المطلب" وقصة اكتشافه لبئر زمزم بعد هجرانه سنوات طويلة، والوصاية عليه، وقسمه بذبح أحد ابناه ان اتموا عشر ذكور. وتتكرر قصة الذبح والفداء، عند لحظة تنفيذه للقسم فكان فداء ابنه "عبد الله" بمائة من الابل. ثم زواجه من "آمنة بنت وهب" ووفاته المفاجئة قبل ولاده طفله، ليولد يتيما. يعرض "السحار" قصة مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم بشكل موجز ومختصر، حتي لحظة تسميته "محمدا"، ليكون ابن الذبيحين أباه "عبد الله" وجده "إسماعيل" عليه السلام. وكان اعتماد "السحار" في هذه الرواية علي ما كتبه كتاب السيرة النبوية المشرفة.
يأخذنا "السحار" الي قصة أخري من قصص الكتب المقدسة وهي قصة نبي الله "موسي" عليه السلام. مزج في هذه القصة مابين التفسيرات القرآنية لقصة "موسي" عليه السلام كما وردت في القرآن، وأيضا القصص التوراتية المتعارفة، ونسجهم في شكل قصة أو حدوتة سلسة وموجزة. لكن ايجازها لم يمنع انه مر علي قصص "موسي" عليه السلام الكثيرة والمتشعبة. البداية كانت مع فرعون وقراره استعباد بني اسرائيل، وتقليص نموهم العددي بقتل المواليد من الذكور، وميلاد "موسي" في هذا الجو المشحون، وقوة ايمان وصبر أمه وثقتها في وعد الله عندما أخبرها ان تلقيه في اليم وأنه سيعود اليها. وحياته في قصر فرعون تحت رعاية "آسيا" المرأة الصالحة امرأة فرعون. ثم هروبه الي مدين، وحياته هناك، والنبوة ومعجزات الله علي جبل الطور بسيناء. ورجوعه الي فرعون مع أخيه "هارون" يدعوانه الي عبادة الله، وطغيان فرعون وتجبره الذي يجعله يجمع السحرة في يوم الزينة لتحدي مهجزات "موسي" الربانية، فكانت النتيجة ايمان السحرة وسجودهم لرب موسي. وعند زيادة طغيان فرعون ورفضه خروج قوم "موسي" معه من مصر، أرسل الله عليهم آيات العذاب من الجراد والقمل والدم وغيرهم، فكان فرعون يعود الي موسي يتوسل في كل مرة، ثم ينكص في وعده وينسي. ثم هروب بني اسرائيل من مصر بذهب ومجوهرات جيرانهم المصريين، ولحاق فرعون وجنوده بهم، حتي ظهور علامة الله الكبري بانشقاق البحر لنجاة موسي وقومه، وغرق فرعون وجنوده ليكون عبرة لكل من تجبر علي الله. وتتوالي قصص "موسي" عليه السلام من قارون للسامري لقصة البقرة للخضر، كل منهم له قصة مرواه بشكل موجز ومنسق يجمع مابين القرآن والقصص التوراتية، باسلوب سهل وشيق.
تتوالي بعدها قصة "داوود وسليمان" عليهما السلام، والذي يغلب عليهما في المصادر علي القصص التوراتية، الي جانب ذكر القصص التي وردت في القرآن عنهما كالهدهد وبلقيس. ومن اللافت للنظر هو كتابة "السحار" لقصة "استر" اليهودية، المكتوبة في سجل الشرف لدي القصص اليهودية. في الغالب تعمد "اليحار" علي اختيار تلك القصة بالذات، وعرضها بصياغته واسلوبه ونظرته، لتوضيح طبائع اليهود في التسلق والتخلخل كالسوس في جسد الأمة، وكأنها قصة تحذيرية تنبيهية للأجيال من خطرهم. فكان الحوار مابين "استر" وعمها "مردخاي" يقول الكثيرعن صنعهم لغشاوة تعمي أعين الناس عن الحقيقة، واستغلالها في نهب منابع الثروات بخبث وتضليل. في القسم الثاني من الكتاب والذي يعتبر أقل بكثير من الجزء الأول، سرد لنا قصص من التراث والأثر كرابعة العدوية وغيرها.
أسلوب الكتابة سلس وشيق، فهو كتاب بغرض الاستمتاع، وقراءة ما بين السطور لفهم أعمق. انما لا يعتد مصدر موثوق به لتلك القصص، فهناك بعض النقاط في القصص مشكوك في صحتها.
مروة طلعت
29 / 3 / 2023
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق