الغزو العثماني لمصر

 يوم 20 أكتوبر 1798م، قامت في القاهرة ثورة كبيرة ضد الاحتلال الفرنسي علي مصر. ومن قوة الثورة والثوار علي الفرنسيين، استخدم "نابليون بونابرت" القوة المسلحة لقمع الثورة. ولما حاول الثوار يتحاموا في الجامع الازهر، ويستخبوا فيه، فوجئوا بدخول الجنود الفرنسيين بخيولهم في قلب حرم الجامع الأزهر، ودنسوا حرمته، وهو الجامع صاحب المكانة الدينية والعلمية في قلب العالم الاسلامي كله. وفضلت الحادثة دي لحد الآن، وصمة عار في جبين فرنسا - رغم ان وصمات العار في جبينها كتير اوي بس دي الأعلي لأنها بتمس الدين وده أغلي شئ - رغم مرور اكتر من قرنين عليها. في أي ذكر للحملة الفرنسية علي مصر، لازم يتذكر حادث تدنيس الجامع الازهر.

هنقول أن دول ناس من ثقافة مختلفة، ودين مختلف، وعالم مختلف، مفهموش معني اللي عملوه. كل اللي في بالهم مطاردة المتمردين عليهم وخلاص. وحتي لو قصدوا اهانة واستفزاز لمشاعر الناس، برده مش هيجي في بالهم، ان الناس هتفضل فاكرة اليوم ده الي يوم الدين، بسبب عظمة الجرم اللي ارتكبوه، لأنهم مش مقدرين الجامع، وميعرفوش. أحب أقولك أن نفس الجريمة دي ويمكن أبشع حصلت قبل كده، وعلي ايد مسلمين، ومفروض انهم كانوا جايين رافعين رايات الاسلام. استغربت صح، طب تعالي احكيلك.

أكتوبر سنة 1516م - واضح انه شهر مميز - أمراء المماليك مجتمعين حوالين الأمير "طومان باي"، بيتحايلوا عليه يقبل السلطنة علي مصر، بعد ما وصلهم أخبار مثتل اليلطان قنصوه الغوري في معركة مرج دابق، وانهزام المماليك لأول مرة في تاريخهم، قصاد جيش العثمانيين بقيادة "سليم الاول". والامير "طومان باي" رافض تماما، ويقولهم شوفوا حد غيري. اصله حافظهم كويس، وعارف انهم بتوع مصلحتهم، ياكلوا خيره، ولما تخلص المصلحه يقتلوه، أو أضعف الايمان يخونوه، زي ما حصل مع "قنصوه الغوري" في معركة مرج دابق. لكن الأمراء كانوا مصرين عليه اوي، لانه كان أشرف وأنبل واحد فيه، وده مهم للمرحلة الحرجة اللي هم فيها. وفي الأخر قام الشيخ "أبو السعود"جايب المصحف، وخلا الامراء كلهم يحلفوا عليه بالطاعة وعدم الخيانة، وقبل الامير "طومان باي" السلطنة بالعافية وهو كاره، وكان عمره 44 سنة.

رغم كره "طومان باي" للسلطنة، لكنه تحمل مسؤوليتها في المرحلة الصعبة دي علي أكمل وجه. قام الملك "الأشرف طومان باي"، يلم الجيش ويعيد ترتيبه وتجهيزه، علي شرط أن خزنة الدولة كانت علي البلاط مفيهاش درهم، ويشرف علي التدريبات بنفسه، وكان بيشيل مع الجنود الأحجار، ويبني معاهم التحصينات. 

ووصلت الاخبار ان جيش "سليم الأول العثماني" دخل مصر، ووصل لبلبيس. دقت طبول الحرب، واتقدم "الاشرف طومان باي" بجيش المماليك لحد الريدانية - ميدان العباسية حاليا - ودارت فيه معركة عنيفة جدا بينهم وبين جيش العثمانيين. أظهر "طومان باي" فيها شجاعة ومهارة في القتال، لكن للأسف الكترة بتغلب الشجاعة، بدأت كفة المماليك يميل، ولما "طومان باي" حس بكدة، قالك اخسر جولة وتستمر المعركة، وفجأة اختفي من الموقعة، عشان ميقعش أسير ولا قتيل، ويقدرة يستعد للهجمة اللي بعدها.

26 يناير 1517م، تاريخ يسجل بحروف من دم، يوم من أبشع أيام القاهرة، فضل محفور في ذهن كل اللي شافوه وربنا نجاهم وفضلوا أحياء، ويطلعلهم في كوابيسهم. يوم دخول الجيش العثماني القاهرة، غازيا وليس فاتحا. هجم جنود الجيش العثماني علي القاهرة، نفس هجمة التتار علي بغداد، الخيول بتجري وعامة الناس بتجري وتصوت، والحصنة بتطحن الناس تحت سنابكها، متفرقش بين راجل او ست، شيخ او طفل. وبقوا يخطفوا الغلمان من أهاليهم في الشوارع، عشان يحولوهم لعبيد وخصيان. ويقتحموا حرمة البيوت بحجة يدوروا علي مماليك مستخبية، ويقلبوه عاليه واطية، ويسرقوا كل ما فيه فلوس او دهب او اي حاجة تنفع في سكتهم، والدكاكين اتكسرت واتنهبت. أما بقي الزغلول الكبير، الجيش اللي منصب نفسه كخلافة اسلامية، هجم علي جامع السيدة نفيسة، خلعوا الرخام والبلاط، وهانوا القبر الشريف وداسوا عليه، وسرقوا حتي قناديل الاضاءة، وقتلوا كل الناس اللي من خوفهم دخلوا يستخبوا ويتحاموا فيه، فاكرينهم من نفس دينهم يمنعهم من أذيتهم في حرمة الجامع، لكن محصلش . ومش بس جامع السيدة نفيسة اللي اتعمل فيه كده، دول كمان دخلوا جامع الامام الشافعي - امام أهل السنة في مصر - وجامع الامام الليث بن سعد، والجامع الازهر، وجامع الحاكم بأمر الله، وجامع أحمد بن طولون، كلهم بلا استثناء حصل فيهم نفس اللي حصل قي جامع السيدة نفيسة. فضلت المدابح وامجازر دي مستمرة 4 أيام، و"سليم الأول" السفاح الكبير، سالت ايده. وبعد ما خلصوا ال 4 أيام، وخلاص بقي همدوا واستكفوا، سابوا الجثث أكوام مرمية من باب زويلة لمصر القديمة، ومن بولاق لحد الناصرية، وصلوا ل 10 الاف جثة. فيه بعض كتب دافعت عن "سليم الأول" وقالت انه قال لجنوده كخ يا بابا، فهما مكخوش، علي أساس ان "سليم الأول" بعظمته وجبروته، مش قادر يسيطر علي جنوده، ده والله عذر أقبح من ذنب، دي اهانة ليه علي فكرة مش دفاع. عاوزين من واحد قاتل أخواته ايه يعني.

لما دخل "سليم الاول" القاهرة بعد ما جنوده قاموا بالواجب، كان لازم يحط التاتش بقي بتاعه. فبعت المناديين ينادوا في أهالي شارع الصليبة وحوالين جامع احمد بن طولون، انه يخلوا بيوتهم بسرعة وبالذوق. فالناس فعلا لمت اللي تقدر عليه وسابوا بيوتهم وهربوا، فدخل العثمانيين البيوت دي وسكنوها. وطلع "سليم الأول" علي القلعة، والجنود خدت راحتها فيها علي الاخر، فخربوا الحيطان وفككوا الرخام، وشحنوا كل اللي فككوه علي اسطنبول.

بعد دخول "سليم الاول" القلعة بأيام، هجم "الاشرف طومان باي" بالمماليك عليه، وقامت معركة من الفجر لحد المغرب، وفضل "طومان باي" يقاتل لحد ما قل عدد المماليك اللي معاه. انسحب "طومان باي" للجيزة، وهناك دارت بينه وبين العثمانيين معركة تالتة، بس للأسف برده انهزم. واختفي "طومان باي" لتالت مرة، واختار أكتر صديق ليه يستأمنه فيه علي نفسه، وكان "حسن بن مرعي" في البحيرة. ورغم ثقته في صاحبه، بس زيادة اطمنان، داب المصحف وحلفه انه ميخونهوش، وحلف صاحبه، ونام "طومان باي" مطمن، صحي الصبح لقي صاحبه بايعه للعثمانيين. ودخل "طومان باي" القاهرة، لابس جلابية عرب هوارة، ومتسلسل بالحديد. واتسجن في سجن القلعة 17 يوم، كان رافض "سليم الاول" فيهم اعدامه، لانه كان منبهر بشجاعته ومحترم اخلاصه ودفاعه عن البلاد. لكن "خاير بك" - المملوكي اللي خان "قنصوه الغوري" في مرج دابق واتسبب في الهزيمة - فضل يلح عليه ويصر انه لازم يعدم ويخلص من "طومان باي". 

15 ابريل 1517م، عند باب زويلة، جموع الشعب ملمومة، بتودع الراجل الجدع اللي حاول ينقذهم من ايد السفاحين. وطلع "طومان باي" بثبات عل طبلية الاعدام، وقف وبص للناس اللي بتعيط عليه، وقالهم اقرولي الفاتحة، وبص للمشاعلي - عشماوي بتاعهم - وقاله اعمل شغلك. الغريب بقي ان الحبل انقطع بيه مرتين، كأن المشنقة نفسها كانت رافضة اعدامه. وفي المرة التالتة أول ما اتشنق ومات، الناس كلها صرخت عليه صرخة عظيمة، وفضل المصريين يبكوه ايام وليالي طويلة، وفضل جسد الملك "الأشرف طومان باي" متعلق علي باب زويلة 3 أيام، وبعدها اندفن في مدرسه عمه السلطان "قنصوه الغوري". رحم الله البطل الشهيد "طومان باي"، وغفر وهدي كل المدافعين عن الجريمة العثمانية.

مروة طلعت

17 / 3 / 2023

#عايمة_في_بحر_الكتب

#بتاعة_حواديت_تاريخ

المصادر:-

بدائع الزهور في وقائع الدهور الجزء الرابع - محمد بن أحمد بن إياس الحنفي.

ليل الخلافة العثمانية الطويلة - محسن عبد العزيز.






 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا