حسن طوبار
جل المنادى
ينادى ينادى
ياعبادى أنا ماحى الذنوب والأوزار
إلهي إلهى
بنورك اهتدينا
وبفضلك استعنا
وبك أصبحنا وأمسينا
بين يديك نستغفرك
ياالله
اول ما هتقرا كلمات الابتهال ده، من غير ما تقصد هتقراها بصوت الشيخ "نصر الدين طوبار"، اللي كبرنا واتربينا علي صوته في المصحف المجود والابتهالات في إذاعة القرآن الكريم، رحمة الله عليه. شيخ جليل من أعلام محافظة الدقهلية، الي جانب نسب عريق، كله شرف ونضال. قالوا في الأمثال العرق يمد لسابع جد، وهنا أبلغ مثال علي المثل ده، لأن جد الشيخ "نصر الدين طوبار" هو شيخ الصيادين وشيخ المجاهدين والزعيم الشعبي "حسن طوبار".
المنزلة، محافظة الدقهلية، قاعد "حسن طوبار" مع اخوه "شلبي طوبار"، يباشروا ممتلكاتهم الكتيرة اوي، واللي عبارة عن أسطول مراكب صيد في حدود ٥٠٠٠ مركب، وعدد من مصانع نسيج القطن، وعدد كبير من المحلات، وأراضي زراعية علي مدد الشوف أو ما بعده. وكان "حسن طوبار" كبير العيلة ويعتبر هو كبير البلد، ويعتبر برده أول مليونير في مصر. لو حبينا نرجع لورا ونشوف أصل "حسن طوبار" هتلاقيه في اسمه، اللي جاي من "طبرة" علي بحيرة طبرية في فلسطين. فجدود "حسن طوبار" نزحوا من بحيرة طبرية لبحيرة المنزلة، واتصاهروا مع الشيخ "أبو نصر شهاب الدين شريف"، من قضاة الإقليم. وبنوا قصر كبير وعظيم في المنزلة. وكان "حسن طوبار" محبوب جدا من أهل المنزلة ومن أهل البلاد اللي حواليها، راجل خير وتقوي، له هيبة وكلمة مسموعة وتوقير من كل الناس.
لحد ما في سنة 1798م، صحيوا علي اخبار نزول أسطول الحملة الفرنسية علي مصر، الفرنجة دخلوا البلد ياولاد، واخبار المذابح والفواجع في الناس اللي عملها الفرنسيين في القري في سكتهم، ملت البلد ووصلت لودان "حسن طوبار"، أخبار مرة وذل وعار، ميقبلوش لا عرف ولا دين، ولا اي راجل حر. و"حسن طوبار" كان حر وصاحب نخوة ودين وحب للبلد وأهلها.
مستناش يوم وقام "حسن طوبار" واخد كارتته ولف بيها علي كل البلاد والجزر اللي حوالين المنزلة، من دمياط للمنصورة، راح لكل رؤوساء وكبار البلاد دي، واللي موصلهمش بعتلهم مراسيله، وبث فيهم روح المقاومة ضد الفرنج، وقدر يجمع قوة ٤٠ رئيس من رؤوساء البلاد تحت طوعه ورهن اشارته، وكل ده قبل الفرنسيين ما يوصلولهم. ومن فلوسه الخاصة جهز أسطول بحري لمحاربة الفرنسيين في البحيرة.
لما خلص "نابليون بونابرت" حروبه مع المماليك وسيطر علي القاهرة، بدأ يفرد دراعاته ويسيطر علي وجه بحري، عشان يأمن حدود مصر من أي هجمات إنجليزية أو عثمانية أكيدة. فبعت الجيش بقيادة الجنرال "دستنج"، في مهمة تأمين دمياط والمنصورة والصالحية وبلبيس وطبعا المنزلة في النص، وجمع الضرائب منهم. راح "دستنج" بيهز دراعاته، ماهو داخل علي شوية قرويين وصيادين، آخرهم يكشوا من الخوف زي الفراخ. لكنه فوجئ أو ما دخل البحر الصغير في المطرية _ بحر أشمون _ بهجوم أسطول "حسن طوبار" عليهم، بشكل هو مكنش مستعدله خالص، فبدأ في الانسحاب، بعد ما معظم مراكبه اتكسرت، وبعت رسالة ل "فيال" قمندان دمياط، حماله في الوضع، وهجوم "حسن طوبار" بأسطول مجهز بأسلحة عليه.
لما وصلت الاستغاثة ل "بونابرت"، أمر بتجهيز ٣٠٠ جندي فرنسي بقيادة "داماس"، يتحركوا للمنزلة، ومعاهم أمر بالقضاء علي المقاومة، وأسر "حسن طوبار". وانطلق "داماس" بفرقته، مر علي برنبال وعسكر فيها، ومن بعدها كمل مسيرته، ومن سوء حظه وقلة خبرته للمكان، كان الوقت ده فيه انحسار وقلة مياة في بحر أشمون، فمراكبه غرست في الجمالية. ووقع الفار في المصيدة، وانفتحت عليهم أبواب الجحيم. هجموا عليهم الأهالي بالحجارة والشوم والنبابيت زي الرز، فأمر "داماس" الجنود بالنزول للبر لرصد هجمات الأهالي، لكن الفكرة مكنتش تمام، لانه دخلهم الجحر برجليهم، الناس مصدقت وبقت تضرب متحامية ببيوتها، تحدف بقي أي حاجة حجارة او سكاكين أو حتي غطيان حلل. الناس ثايرة ومتغذية بكلام "حسن طوبار" اللي قوي عزيمتهم ورفع نخوتهم السما. وبعد ٤ ساعات طحن في الفرنسيين، اضطروا ينسحبوا، وسحبوا معاهم قتلاهم وجرحاهم، وخدوها جري لحد دمياط. بس وهم هربانيين كان لازم يعلموا علي البلد اللي كسرتهم، فحرقوا الجمالية وبيوتها بمنتهي الخسة، لكن النتيجة كانت كسرة الفرنسيين، ومعرفتهم أن الأمور مش ساهلة، لأن المصريين بيقوموا تاني في عز محنتهم، ويصلبوا طولهم.
"بونابرت" كمان عرف ده، وعرف أن "حسن طوبار" سقاه وهيسقيه المر في كاسات، وخصوصا لو السلطان العثماني صحي من النوم، واتعاون مع "حسن طوبار" عن طريق البحر. فقرر "بونابرت" يجر ناعم، ويبعت ل "حسن طوبار" مراسيل الود، والهدايا اللي منهم سيف دهب مرصع بالأحجار الكريمة. بس "بونابرت" برده مخدش باله هو بيتكلم مع مين، الراجل ده شبعان مبيزغللش عينه الدهب، وعقله يوزن الف مبياكلش من الكلام المعسول. فرفض "حسن طوبار" اصلا أنه يقابل الرسول اللي جاي من "بونابرت" وقال مش عاوز اشوف جنس فرنسيس قدامي.
"بونابرت" لما لقي الطبطبة منفعتش، راح باعت الجنرال "اندريوسي" اللي قدر يستولي علي قرية الشعراء وميت الخولي في 20 سبتمبر 1789م. ونكلوا بالأهالي، وبهدلوا البلد وسرقوا كل الدهب والمواشي حيلة الناس. وحاول يكمل بعدهم بس المقاومة الشعبية بقيادة "حسن طوبار" كانت شديدة، مقدرش عليها، فبعت ل "بونابرت" يقوله: "لا سبيل الي تسلط الفرنسيين علي بحيرة المنزلة الا بعد سحق حسن طوبار والقضاء علي قوته الكبيرة". فبعتله "بونابرت" مدد أكبر مع الجنرال "دوجا" وشدد عليه أنه يأسر "حسن طوبار" حتي لو بالخديعة.
وبعد عذاب دخلت الجنود الفرنسيين المنزلة في 6 أكتوبر 1798م، واول حاجة عملوها جربوا علي قصر "طوبار" الفخم، فوجؤا أنه فاضي هو ومعظم بيوت المنزلة. اتاري أن "حسن طوبار" لما شاف مقاومته بتنهار، قالك خسارة قريبة ومكسب بعيد، فاخد حاله وماله وأهل بيته وخلانه، وانطلقوا علي غزة، وهناك بدأ يكون أسطول جديد، ويشتري أسلحة جديدة، ويشد من مقاومته عشان يهجم علي دمياط.
في الوقت ده حاول الفرنسيين ياخدوا قصر طوبار كمقر ليهم، حاجة اخر فخامة ميتسبش اكيد. بس الناس مهنوهمش علي نومة وقعدة، فاضطروا يخرجوا منه ويسيبوه. "نابليون" برده مكنش مرتاح لهروب "حسن طوبار"، وجاتله الاخبار أنه قاعد في غزة بيبني أسطول جديد. فكان قرار "بونابرت" بالاتجاه للشام، اهو يضرب عصفورين بحجر، منها يوسع استيطانه، ومنها يجيب العصفور الشارد. وللأسف علي الرغم أنه مقدرش يفتح عكا، لكنه قدر يمسك "حسن طوبار"، والغريب بقي أنه اتفق معاه يرجع مصر ومكانه في المنزلة معزز مكرم، بشرط يقعد هادي وساكت في مكانه، وعشان يضمن هدوءه اخد ابن "حسن طوبار" معاه القاهرة رهن. رجع "حسن طوبار" علي دمياط، وبعد أيام قليلة بيموت قهر وكمد بالسكتة القلبية في 29 يونيو 1800م. خبر وفاته أسعدت الفرنسيين جدا ونشروا الخبر في جرايدهم في فرنسا بمنتهي الفرح والاحتفال.
في أواخر شهر ديسمبر عام 1962م قام الرئيس "جمال عبد الناصر" بزياره لمدينة بورسعيد والإحتفال بأعياد النصر، ومن بعدها راح المنزلة، وزار قبر "حسن طوبار" وإستقبله أفراد من عائلة "طوبار" بالمقبرة وعلي رأسهم "علي ماهر طوبار" والشيخ "محمود طوبار" شيخ البلد في الوقت ده، وقرأ الفاتحة علي روحه الطاهرة وحط أكاليل من الزهور علي القبر، وشاف سيف قديم من سيوف المجاهد مرصع ببعض من الأحجار الكريمة، وبندقية خرطوش كان يستخدمها في الحرب ضد الفرنسيين، ومصحف مكتوب بخط اليد، وكتاب بالفرنسية كتبه أحد مؤرخي الحملة الفرنسية عن الزعيم "حسن طوبار"، ووثائق المراسلات بينه وبين نابليون. وأخذ "عبد الناصر" الحاجات دي وسلمها إلي كبير الياوران وأمر أن يتحول قصره الي متحف يضاف الي متاحف مصر ويكون مزارا للسائحين وإعتبار قصر "حسن طوبار" مزارا سياحيا. وصدر القرار الجمهورى لسنة 1962م بشأن إعتبار قصر المجاهد الكبير "حسن طوبار" من الآثار، وصدر قرار رئيس المجلس التنفيذى لسنة 1963م بإعتبار مشروع تحويل منزل المجاهد حسن طوبار إلى متحف قومى ببندر مدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، من أعمال المنافع العامة وتسلمته هيئة الآثار المصرية وتم تعيين حرس علي المكان لحين تنفيذ ما أمر به الرئيس "عبد الناصر". لكن بعد وفاته في سنة 1970م، إختفي الحراس وسابوا المكان أطلال واتسرق منه كل غال وثمين ومتنفذش مشروع المتحف، بالرغم من وجود قرار جمهورى بإعتباره متحف من قائمة متاحف مصر. وفي الاخر تم هدم القصر وتقسيم أرضه بين وزارة التربية والتعليم وجهات أخري واتحول معظمه إلي مجمع مدارس. ومفضلش من تراث الشيخ المجاهد "حسن طوبار" إلا مكتبة تحمل إسمه، وقبر متهدم محاط بالقمامة، وذلك علي الرغم من محاولات أحفاده للحصول علي موافقات ترميم القبر، ولا حياة لمن تنادي. لحد في سنة 2018م، وبعد مرور 218 سنة علي رحيله، تمت الموافقة علي ترميم القبر، وتطوير المنطقة المحيطة به، مع الإحتفاظ بالشكل المعماري ليه. رحم الله "حسن طوبار" قائد المقاومة الشعبية وشيخ المجاهدين.
مروة طلعت
١٣ / ٢ / ٢٠٢٣
#مروة_طلعت
#عايمة_في_بحر_الكتب
#بتاعة_حواديت_تاريخ
المصادر:_
عجائب الآثار في التراجم والأخبار الجزء ٣ _ عبد الرحمن الجبرتي.
تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر الجزء ١ _ عبد الرحمن الرافعي.
تاريخ الحملة الفرنسية في مصر _ مذكرات ضابط من جيش الحملة _ دار الكتب والوثائق القومية.
لكل ميناء حكاية _ مايسة السلكاوي.
تعليقات
إرسال تعليق