غالية الوهابية

السوشيال ميديا أثرت تأثير كبير علي حياتنا، وزي ما كل حاجة ولها حدين، فالسوشيال ميديا كان ليها تأثير ايجابي وتأثير سلبي. وفتحت علينا الكثير من الموضوعات والكثير من القيل والقال، وغرزت في عقول شبابنا كتير من الافكار والمفاهيم اللي اغلبها خاطئ وكارثي، وأصبح مجرد تصحيح المفاهيم دي مجهود مضني ومحفوف بكثير من الاتهامات والسباب والهجوم. من ضمن موضوعات القيل والقال علي السوشيال ميديا هو كل ما يخص المرأة، الست ملزمة ولا مش ملزمة، تتعلم ولا متتعلمش، تشتغل ولا متشتغلش، تلبس ولا تقلع، تربي العيال ولا تبقي اندبندنت. وظهر استظرافات بقي من نوع احنا نلغي المرأة خالص عشان نستريح. وظهر بعض من الدعاة المتشددين يعاندوا في الحقوقيات النسوية وخلاص. وأي كلام يتقال يترد عليه اصل مصر دخلت في الدايرة الوهابية الرجعية. بس الغريب بقي يا اخي ان وانا باخدلي لفة كده في فصول وأوراق التاريخ، طلعتلي من بين السطور واحدة ست مناضلة ومحاربة وقائدة جيش، لففت الدولة العثمانية و"محمد علي باشا" السبع لفات حوالين نفسهم، لا وسبحان الله يا مؤمن، دي كانت قائدة من قواد جيوش الثورة الوهابية ذات نفسها في الحجاز. الست دي هي البطلة الشهيدة "غالية البقمية" المعروفة بإسم "غالية الوهابية".

البداية كانت لما طلب السلطان العثماني من والي مصر "محمد علي باشا"، مساعدته في القضاء علي الثورة الوهابية ضده في شبه الجزيرة العربية بالتحديد في بلاد الحجاز. طبعا احنا هنا مش هنتكلم في التفاصيل الجانبية ونقول أسباب ودوافع الطلب ده ولاأسباب موافقة "محمد علي باشا"، الكلام ده هنتكلم فيه في حكايات تانية، بس هنقول ان "محمد علي باشا" جهز حملة محترمة بقيادة ابنه  "أحمد طوسون باشا" سنة 1811م، طالعة علي الحجاز تخمد الثورة الوهابية فيها، وبرده مش هنتكلم علي اللي حصل في يوم طلوع الحملة دي دلوقتي، واللي عارف يخليها في سره، عشان هنحكيها في حدوتة تانية بالتفصيل.

المهم ان "أحمد طوسون باشا"، اللي كان عمره وقتها 16 سنة، خرج بالجيش من مصر, وكان "طوسون" وراث الذكاء والفطنة من أبوه "محمد علي باشا"، فقدر يحط خطة يتقرب بيها من القبال العربية، عن طريق صناديق الهدايا والكسوة والحراير والفلوس، واللي وزعها علي كبار رجالة القبائل هناك. ونجحت خطته وقدر يكسب حلفاء له، وعن طريقهم قدر يسترد مكة والمدينة من الثوار الوهابيين - اللي هم أصحاب الحق في بلدهم - وبعت مفاتيحهم للسلطان العثماني، اللي طار من فرحته بالخبر السعيد ده. فين بقي المشكلة؟.

المشكلة كانت لما اتقدم الأمير "سعود بن عبد العزيز" وابنه "فيصل بن سعود" بجيشه الوهابي، وانقسموا في الزحف علي مكة والمدينة. فخرج الامير "أحمد طوسون باشا" بجيشه واتلاقوا في مدينة تربة. حلو ده، لا مش حلو. في تربة كان فيها قبيلة البقوم وهي حلفية لجيش "سعود" والوهابيين". كان في الوقت ده توفي أمير تربة "حمد بن عبد الله بن محيي"، ومن بعده مسكت أرملته "غالية بنت عبدالرحمن بن سلطان الغرابيطي الرماثيني البدري الوازعي البقمي" زمام الأمور. وده مكتش من فراغ ف"غالية" كانت ست ذكيو وحكيمة، وكانت معروفة من أيام حياة زوجها بقوة الشكيمة والرأي، وكان رجال القبيلة بيعملولها ألف حساب، الكبيرة بتاعتهم يعني. كانت الست "غالية" وارثة ورث كبير من والدها وزوجها، فسخرت ورثها وفلوسها في تجهيز جيشها وتسليحة من مؤن وذخائر، وحثت شباب القبيلة علي مقاتلة العثمانيين، المتمثلين في جيش "محمد علي باشا". وفي سنة 1813م، خرجت الست "غالية" علي رأس جيشها للحرب بجانب جيش "فيصل بن سعود"، وطلعوا عليهم طلعة خلوا "طوسون" ينش. لدرجة أن جيش "أحمد طوسون" اللي كان بقيادة "مصطفي باشا" ينسحب ويجروا بعشوائية لحد الطائف، سايبين وراهم اسلحتهم وبنادقهم ومدافعهم ومؤنهم من الرعب.

طبعا بعد الحركة دي ذاع صيت الست "غالية" في كل قبائل الحجاز، ونسجوا حواليها القصص والحكايات وبقت أسطورة من الأساطير. وطبعا زاد عليها الجهل العثمانلي اللي قالوا عليها ساحرة. قال عنها الرحالة " لورمير": "وفي تربة كانت تعيش قبيلة البقوم. وتتزعمها امرأة مسنة تدعى غالية كان الأتراك يعتبرونها عرافة ساحرة". وقال عنها الرحالة والمؤرخ السويسري "يوهان لودفيك بركهارت": "عُرفت تلك السيدة العجوز بسدادة الرأي، وبمعرفتها الدقيقة بمصالح القبائل المجاورة، فلم يكن صوتها فقط مسموعًا في المجلس، بل كان الطاغي بشكل عام، كما كانت تحكم البقوم بالرغم من وجود حاكم أو رئيس منتخب يُدعى ابن خرشان. كان اسم غالية قد انتشر في سائر أنحاء البلاد بعد أول هزيمة اعترت مصطفى بك بالقرب من تربة، وسرعان ما تعززت مخاوف الجنود الأتراك من نفوذها وهيمنتها، فقد اعتبروها رئيسًا للوهابيين المتّحدين، ورووا أكثر القصص غرابة عن قواها كساحرة، وفضلها على جميع الزعماء الوهابيين، الذين أصبحوا بفضلها لا يقهرون".

طبعا الكلام ده نزل معنويات جيش "أحمد طوسون باشا" الأرض، وعلي العكس رفع معنويات الجيش الوهابي للسما. حتي ان "طوسون" لما قرر يكرر مواجهة جيش "غالية" لقي رفض وتعنت من جنوده وعصيان لأوامره. تسكت بقي الست "غالية" علي كده، ابدا ودي تيجي، دي فرصتها وجت لحد عندها. هجمت بجيشها علي معسكر جيش "طوسون"، وخلت الجنود يجروا من خيامهم مذعورين، وسابوا وراهم كل اسلحتهم. هنا بقي "محمد علي باشا" اللي مبيقبلش الهزيمة، قرر ان أوان تدخله الشخصي حان لانقاذ الموقف. فخرج بنفسه بقيادة جيش جديد بقي لا سمع عن "غالية" ولا شاف، عشان يقدر يتعامل. وأعلن "محمد علي باشا" لجنوده عن جائزة مالية مقابل كل رأس وهابي. وفي سنة 1814م، اتقابل جيش "محمد علي باشا" بقيادة ابنه "أحمد طوسون باشا" مع جيش "فيصل بن سعود" و الست غالية" عن مدينة بسل. وكانت النتيجة المرة دي انتصار جيش "محمد علي باشا". وانهزام الجيش الوهابي، وأسر وقتل عدد كبير منهم وهروب الناجيين الي البدو. وهناك روايتين بخصوص نهاية الست "غالية"، الاولي انها استشهدت في المعركة، والثانية انها هربت مع الهاربين الي البدو.

وسجل التاريخ كلمة "محمد علي باشا" لما دخل مدينة تربة ولقاها فاضية من أهلها فقال: "أمست دار غالية خالية".

مروة طلعت

30 / 1 / 2023

#عايمة_في_بحر_الكتب

المصادر:-

"عجائب الآثار في التراجم والأخبار الجزء الثالث" - عبد الرحمن الجبرتي.

"أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام الجزء الرابع" - عمر رضا كحاله.

"البطلة الشهيدة غالية البقمية" - سعد بن خلف العفنان.

"غالية البقمية حياتها ودورها في مقاومة حملة محمد علي باشا علي تربة" - أ.د. دلال بنت مخلد الحربي.

"ملاحظات عن البدو والوهابيين" -  يوهان لودفيك بركهارت.

"لم يصبه العرش" - محمد غنيمة.

  


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6