عبد الوهاب طفل النساء المدلل

 انتهيت من قراءة كتاب "عبد الوهاب طفل النساء المدلل" للكاتب الصحفي الراحل "جليل البنداري"، في طبعته الاولي الجديدة الصادرة عن دار كلمة بعدد صفحات 117 صفحة.

يعتبر الموسيقار الراحل "محمد عبد الوهاب" رائد من رواد الفن والموسيقي، فهو صاحب مدرسة موسيقية متميزة.  فكلنا نعرف عن "عبد الوهاب" انه من غير شكل الموسيقي العربية. وهو صاحب الصوت الرخيم، والالحان المميزة التي اختلف عليها الكثيرين في اصالتها او اقتباسها من المقطوعات الموسيقية الغربية. وهو ايضا المنتج الذكي، قناص الفرص الفنية الموسيقية والسينمائية. وهو موسيقار الاجيال من تعاقبت عليه اجيال الموسيقيين والمطربين، فكان مكتشف لكثير من المواهب، ومستغل لكثيرين ايضا.

بالنسبة لي كمستمعة ومحبة للغناء القديم، "عبد الوهاب" لم يكن عندي افضل الخيارات المتاحة للاستماع كمطرب، فأغانيه لم تكن تستهويني فيما عدا أغنيتين وربما ثلاث. لكن ألحانه للاخرين كانت دائما مميزة ومحببة في نفس الوقت. ربما شخصيته واسلوب كلامه المتعجرف، جعلاني أنفر من فكرة كونه مطرب جيد، وربما اسلوبه وطريقته هذه من صنعت من حوله هالة تميز بها "عبد الوهاب". هذا هو "محمد عبد الوهاب" الذي أعرفه، أو سمعت عنه. 

الكتاب الذي بين أيدينا كتبه الصحفي والشاعر "جليل البنداري" في عام 1958م. ومن المعروف ان "البنداري" كان صديق شخصي ومقرب للغالبية العظمي من فناني الخمسينات والستينات.، وكانت له مقالات نارية لاذعة في النقد الفني، وكان جميع الفنانين يحبونه ويخشون من سلاطة قلمه. كما كان له بعض الافلام التي ألفها وأنتجها. ذلك بعض مما كتبه الكاتب الصحفي الأستاذ "وائل لطفي" في مقدمة تلك الطبعة الجديدة من الكتاب. فكانت المقدمة جزء تمهيدي لوضع القارئ في دائرة الحقبة الدائرة بها أحداث الكتاب، ولتعريف القارئ علي "جليل البنداري"، حيث بدأها بطريقة معرفته بكتابات "جليل البنداري"، حيث رأي فيها كتابات عفوية شبة تجارية، مختلفة عن كتابات تلك المرحلة. الحقيقة ان هذا الكتاب هو اول معرفتي ب"جليل البنداري" فهو متوفي اخر الستينات، كما ان كتاباته كانت شبه مندثرة لولا اعادة طبع بعض اعماله حاليا. 

الفكرة الرئيسية للكتاب هي تشبه تجميع حكايات لايعرفها أحد عن شخصية فنية، كما كان يفعل ميكي ماوس "عبد الله أحمد عبد الله"، لكن ميكي ماوس كانت ألفاظه منتقاه ومغلفة بلباقة ودون الدخول في تفاصيل شخصية. بينما في هذا الكتاب يكشف "البنداري" النقاب عن الوجه الآخر لموسيقار الاجيال، وخصوصا عن علاقاته العاطفية والغرامية، بأسلوب خفيف وسهل، جاذب للقارئ، بشكل يدعوه لايمل من القراءة أو ترك الكتاب حتي الانتهاء منه. يصف الكاتب "عبد الوهاب" بأنه "تمثال الشمع المدهون ورنيش"، فمن بين سطور كتابه حطم الهالة الكاريزمية التي تحيط "عبد الوهاب" أينما ذهب، وأخرج لنا "عبد الوهاب" الأناني، البخيل، زير النساء، المصلحجي، المتصنع، المنافق. أظهر "عبد الوهاب" بأنه ليس فقط قناص للمواهب الفنية، ولكنه أيضا قناص للحسناوات. 

الكتاب في مجمله يحمل كم من الصدمات، ليس فقط فيما يتعلق عن حكايات "عبد الوهاب"، ولكن أيضا في أسلوب كتابة الكاتب نفسه الجريئة. فلم اعتاد علي كتابات تلك الحقبة الزمنية ان يكون أسلوب الكتابة بمثل تلك الجرأة في التعبيرات والتشبيهات ولا تلك الحدة من الالفاظ الخادشة أحيانا. فالكاتب يعرض بعض الاحداث التي قد تدفع "عبد الوهاب" الي رفع قضية تشهير ضد الكاتب بمنتهي السهولة، لكن المدهش ان "عبد الوهاب" كان متقبل الكتاب وموافق علي كل ما به بشكل غريب، وكأن الكاتب ماسك عليه ذلة. فالكتاب كشف عن رأي "عبد الوهاب" في المرأة ونظرته لها المختلفة عن ما يظهر في أغانيه الرومانسية، فهو القائل: "المرأة كالعود تماما.. أستطيع أن ألعب عليها في الوقت الذي أريده"، "لم أخلق من أجل الترفيه عن النساء.. بل إن النساء خلقن من أجل الترفيه عني". وعن زيجاته المستترة منها والمعلنة، وانتهاز شهرته كمطرب عاطفي في اصطياد الفرص النسائية التي تساعده علي اكمال مجده الفني والمالي. طبعا عمر الكاتب لم يسعفه حتي يري زوجة "عبد الوهاب" الاخيرة التي صحبته حتي أخر العمر، مما يدل علي أن الانسان قادر علي تغيير قناعاته. 

وفي النهاية أبسط وصف للكاتب"جليل بنداري" انه كان فاجومي، أى جرىء ويتحدث بما فى قلبه دون مواربة وبلا ألفاظ منتقاة، حتى لو جرح بها المستمع له. حسب ما قرأت في هذا الكتاب فانه لم يكن كاتب سير ذاتية، علي قدر ما كان كاتب فضائح فنية، باسلوب تجاري خفيف.

مروة طلعت

11/1/2023

#عايمة_في_بحر_الكتب


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا