فارس بلا جواد

 في رمضان 2002م، ظهر مسلسل للفنان "محمد صبحي" اسمه "فارس بلا جواد". المسلسل ده عمل صدي جامد اوي ساعتها، وحقق نجاح كبير، ومن وقتها صعد تريند بروتوكولات حكماء صهيون، والناس بقت تتكلم عن مؤامرات الماسونية، وظهرت كتب كتييير بتتكلم عن نظريات المؤامرة، وبقينا كلنا علماء ببواطن الامور السرية.  بس انت عارف ان الثعلب "حافظ نجيب" الشخصية اللي جسدها "محمد صبحي" في المسلسل هي شخصية حقيقية، هتقولي قديمة محنا عارفين كده من أول المسلسل ما تذاع. هقولك طيب تعالي هنا عشان أقولك الجديد.

حافظ نجيب.. المغامر العجيب والمحتال الأديب. ده كان عنوان مقالة في الأهرام سنة 2021م. وعشان نعرف سر العنوان الغريب ده هنبتدي من بداية ميلاد "حافظ محمد نجيب حسن السداوي" اللي اتولد سنة 1879م، لأب مصري وأم تركية سليلة باشوات. طبعا في الزمن ده كانوا الاتراك في مرتبة أعلي بكتير من المصريين العوام، وكان من رابع المستحيلات يحصل زواج بين الطبقتين لحد انه يعتبر بالنسبة للاتراك عار. وعشان نعرف سر الجوازة دي تمت ازاي هنرجع لورا بتاع 15 سنة قبل ميلاد "حافظ". في يوم اخد الحاج "حسن السداوي" ابنه الصغير "محمد" لدكانه في شارع العقادين بالازهر، اهو منها يلعب قصاد الدكان ومنها يتعود علي نظام السوق. وفي عز لعب "محمد" في الشارع، تمر كارتة باشا من باشاوات التراكوة، وكان الحصان هيدهس "محمد" الملهي في اللعب في الشارع. فينزل الباشا التركي ووشه منفوخ كده ومحمر من الغضب، وكعقاب للاهالي المستهترة اللي راميين عيالهم في الشارع، بيقرر ياخد "محمد" لقصره. ولما يعرف الحاج "حسن" باللي جرا، بيجري علي قصر الباشا يطالب بابنه المخطوف. لكن الباشا بيرفض ويطرده ويؤمر الخدم والحرس يضربوه عشان ميرجعش تاني. وطبعا في الوقت ده مفيش اي جهة هتنصف الحاج "حسن" وترجعله ابنه من ايد الباشا. وعاش الحاج "حسن" ومراته سنين في القهرة علي ابنهم المخطوف.

بس " محمد" الحقيقة عاش عيشة فل، والباشا اعتبره ابنه وسماه "محمد نجيب" علي اسمه، ورباه مع بنته الصغيرة "ملك". ولما كبر "محمد" وصله الباشا انه يكون ظابط في الجيش، واشتغل في حراسة "الخديوي اسماعيل" شخصيا. ومع حب الباشا الشديد ل "محمد" قرر انه يجوزه بنته "ملك"، لانه تربيته وشاف ان مفيش حد انسب لبنته أمين عليها غيره. لكن الهانم مرات الباشا كان ليها رأي تاني، منسيتش في يوم انه فلاح خرسيس، وتمر الايام وتكيد الحماة التركية الخطط، لحد ما تنجح بتقليب قلب الباشا علي "محمد"، فيجبره يطلق بنته "ملك" ويطرده برا القصر. لكن كان السيف سبق العزل، وتكتشف مرات الباشا ان بنتها حامل من الفلاح، وهنا تقرر اجهاض بنتها لكن "ملك" بترفض وتقاوم للاحتفاظ بجنينها. وبعد محاولات كتير من التعذيب والتجويع بتنجح "ملك" انها تولد مقابل روحها، وتموت "ملك" نتيجة ضعفها واجهادها وتسيب لأمها المجرمة ابنها الوليد "حافظ محمد نجيب". لما ماتت "ملك" اتقهر عليها ابوها الباشا ومات وراها بأيام واندفنوا سوا في نفس اليوم، طيب يا ريس مكنتش صعبانة عليك وهي بتتعذب. ماعلينا، المهم ان "حافظ" فضل بين ايد جدته التركية اللي ربنا هدها واحتضنته واهو من ريحة بنتها.  

الخبر ده وصل ل "محمد نجيب" متأخر عشان حماته كانت بتحاول علي اد ماتقدر تخفي ان لمحمد ابن. ولما عرف طلع يجري مع عيلته يطالبوا بابن "محمد". وبعد موت الباشا وكسرتها علي بنتها مكنش فيها حيل تتأنعر ولا تقاوم، وفعلا اخد "محمد" ابنه، وخدت جدته بعضها وذنبها وسافرت علي اسطنبول. وعاش "حافظ" مع اسرة ابوه وجده في منظقة الازهر. اختلاف شاسع بين عيشتهم وعيشة القصر. وهنا دخل كره دفين في قلب "حافظ" ناحية ابوه، لانه حرمه من عز القصر، وفضل الكره ده يكبر مع مرور الايام، والمسافة والنفور بينه وبين ابوه يكبر. وفضل "حافظ" يتنقل في البيوت مابين بيت جده في الازهر، وبيت ابوه في طهطا، وبيت عمه في اسيوط. درس في الكتاتيب واتخرج من مدرسة الفرير الابتدائية في طهطا، ودخل المدرسة الخديوية في القاهرة بس فشل فيها، وبعدها اتنقل لمدرسة راس التين في اسكندرية، يعني خدها خمسة سياحية في محافظات مصر. واخيرا دخل المدرسة الحربية زي ابوه.

في السنة الاخيرة من الكلية الحربية، بتقام فيها مسابقة في الرماية بالمسدس والبندقية. وفاز "حافظ نجيب" فيها بالمركز الاول. وكمان فاز فيها بقلب الأميرة الروسية "فيزنسكي" اللي سلمته الجايزة.وارتبط "حافظ" بالاميرة لسنين طويلة ساعدته فيها يسافر الاستانة ويشتغل في الجيش التركي، واتوسطتله يكمل دراسته في كلية سان سير بفرنسا. وهناك جندته فرنسا انه يشتغل جاسوس علي المانيا، عاش جاسوس لشهور علي شكل خادم أخرس أبكم، ونجح فى مهمته جدا بس الحلو ما بيكملش. في يوم وصله معلومة مهمة واستعجل يبعتها لرؤساءه. وفجأة وهو مشغول بيكتب المعلومات في ورقة، يظهر كلب القائد يهاجمه ويخطف الورقة منه ويهرب. قام "حافظ" يجري ورا الكلب عشان ياخد الورقة منه ولكنه فوجئ بانفتاح الباب ويلاقي الضابط في وشه  ويشوف الورقة اللي مع الكلب. ولما الضابظ قراها، سحب مسدسه بحركة سريعة وقاله: ”ارفع يديك إلى رأسك“. ومع الخضة والارتباك نسي "حافظ" التمثيلية اللي بيأديها ورفع ايديه بحركة لا شعورية، وهنا عرف الضابط انه كمان لاهو أصم ولا أبكم. اتسجن "حافظ"، لكن فرنسا قدرت تهربه بعد كده في مغامرة على مركب بخاري.
وبعد رحوعه، ساعدته الأميرة "فيزنسكي" انه يضارب في البورصة، واشترى عربية وبيت وإسطبل خيول، ورجع ايام العز والبغددة اللي شافها في قصر جده التركي زمان. وكمان اشتري مدرسة الفرير وعمارة كورونيل، وبقي عنده رصيد ضخم في البنوك، وبان عليه العز واكل الوز لدرجة ان اللؤلؤ كان بدل الزراير في قميصه. واتطور الموضوع انه بدأ في يزور المقاهي والبارات والكباريهات، وزيارته بقت يومية معالحسناوات والراقصات والساقطات. من الاخر عاش في عز الاميرة وانتقم من خلالها من كل ايام الفقر اللي كان بيكرهها جدا.

لما عرفت الاميرة "فيزنسكي" بنزواته، قلبت عليه وقررت تنتقم منه. فلبسته في قضيتين نصب واحتيال، ودخل بسببها السجن. لكنه قدر يهرب من السجن، وبسبب موهبته في فنون التنكر اللي اتعلمها من المخابرات الفرنسية، قدر يهرب من البوليس ويتخفي كل يوم في شكل. وفي اثناء هروبه بيقرا في الجرايد ان عليه كمان قضيتين نصب غير الاولانيين واخد حكم محكمة غيابي، طبعا واضح اد الاميرة مانت بتحبه عشان كده انتقامها كان شديد. 
وفضل "حافظ" عايش ايامه كلها مطارد ومتخفي في كذا شكل وكذا شخصية هربا من البوليس. اتنكر في شخصية عم دؤدؤ بائع الفشار والحلوى ولعب الأطفال، واتنكر في شخصية مبروك الخادم، وعمل شهور عند رئيس النيابة اللي بيحقق في قضيته ذات نفسه، وكمان أخذ منه شهادة بحسن سيره وسلوكه. ومن بعدها سلم نفسه وفي المحكمة كشف عن شخصية مبروك اللي كان متخفي فيها وقدم شهادة رئيس النيابة، فاحرجه قصاد هيئة المجكمة، ومن بعدها قدر يهرب تاني من السجن.

وفضل كده مدوخ البوليس وراه، مش عشان فدائي زي ما "محمد صبحي" قال، ده عشان نسوانجي ووقع في فخ كيد النسا. واتنكر كمان في شخصية المسيو بنفيه، التاجر والوسيط بين مصانع أوروبا ومكتب قومسيون مدام فرنسين اليهودية، وبعدها اتنكر في شخصية البارون دي ماسون، الرجل الثري اليهودي هاوي الآثار. واتنكر في شخصية الشيخ صالح عبد الجواد.وفي سنة 1908 ظهر "حافظ" في شخصية الراهب غبريال إبراهيم في دير بشوي، وبعدها ظهر باسم الراهب غالي جرجس أو فيلوثاؤس وعاش في دير المحرق بأسيوط فترة طويلة. وفي خلال تجسيده للشخصيات دي اتعرضت للاعتقال اكتر من مرة، وكل مرة كان بيعرف يهرب زي الزيبق. لحد ما اتقبض عليه سنة 1916، والمرة دي قضي عقوبته كاملة، لكنه ايام السجن دي طلعت من جوا روحه الاديب والشاعر والمترجم. ف"حافظ" كان بيتقن الانجليزية والفرنسية والالمانية والتركية بطلاقة، وفي السجن ترجم عن الإنجليزية (روح الاعتدال) و(غاية الإنسان) ونشرهم باسم زوجته "وسيلة محمد". وبعد خروجه من السجن  ربنا هداه وصلح حاله ونشر بإسمه كتاب (الناشئة) و(دعائم الأخلاق) و(اعترافات حافظ نجيب) واشترك فى تحريرِ مجلة (العلمين) وأصدر مجلة (الحاوي) وترجم روايات كتيرة منها (جونسون) و(ملتون توب).

والجدير بالذكر ان الاديب الكبير "نجيب محفوظ" كان ليه حوار في مجلة “دي باري ريفيو” في صيف عام 1992، قال فيها ان حافظ نجيب هو صاحب أول تأثير أدبي عليه، وأنه لما بدأ قراءة الروايات في العاشرة من عمره كانت أول قراءاته من تأليف حافظ نجيب، فكان السبب في تغيير مسار حياته وتشكيل شخصية الروائي المعروف نجيب محفوظ فيما بعد.

مروة طلعت
1 / 1 / 2023
#عايمة_في_بحر_الكتب

المصادر:-
 جورج طنوس "نابغة المحتالين"
حافظ نجيب "اعترافات حافظ نجيب"
أحمد حسين الطماوي، «أسرار حافظ نجيب»، مجلة الهلال، يوليو ٢٠٠٣

نسرين مهران "حافظ نجيب.. المغامر العجيب والمحتال الأديب" الاهرام اكتوبر 2021

خطاب معوض خطاب "

القصة الحقيقية لبطل مسلسل فارس بلا جواد الأديب المحتال حافظ نجيب" مجلة سحر الحياة مارس 2020ِ






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا