اسمي مصطفي محمود

 انتهيت من قراءة كتاب "اسمي مصطفي محمود" للكاتب الصحفي الكبير أستاذ "وائل لطفي"، الصادر عن دار كلمة، في طبعته الاولي، بعدد صفحات 183 صفحة.

أول ما لفت انتباهي للكتاب هو عنوانه وصورة الغلاف، فمن يعرفني جيدا يعرف مقدار حبي لدكتور "مصطفي محمود" رحمه الله، ومدي تأثيره في حياتي وفكري. علي الرغم اني مواليد منتصف التمانينات، اي ان وعيي تفتح في منتصف التسعينات التي كانت نهاية توهج "مصطفي محمود" علي الساحة. الا ان برنامج "العلم والايمان" بموسيقي الناي الخالدة التي تسبق ظهوره بكلمته يا أهلا بيكم،  كانت احد اهم ذكريات طفولتي، والذي كان ميعاده مقدس للعائلة كلها. ثم توالت السنوات وكانت كتب "مصطفي محمود" التي اشتريها من سور الازبكية، من ابرز الكتب التي اتلهف علي قراءتها، علي الرغم من صعوبة بعض الافكارالفلسفية علي سني الصغير وقتها خصوصا ان معظم تلك الافكار كانت من عصر مختلف عن زمني الا ان المعني العام كان يصل لي بسلاسة عجيبة. كما كانت تجذبني كتبه في ادب الرحلات والمسرحيات والروايات. عاصرت اخر معاركه وهو جدل الشفاعة وعذاب القبر، علي صفحات جريدة الاهرام، قبل اختفائه الطويل الاخير، قبل ما يغيبه الموت عنا، ونخسره للأبد. 

هناك أيضا ما لفت انتباهي، واستدعي حيرتي في غلاف الكتاب، وهو وجود كلمة "رواية". تلك الكلمة جعلت فضولي يتقافز، كيف نسج الكاتب رواية عن شخصية عظيمة الشهرة كدكتور "مصطفي محمود". وعند قراءتي تحول فضولي الي دهشة، فلم اجد امامي رواية بل هي اقرب الي سيرة حياتية، لكنها مكتوبة باسلوب جديد، اسلوب يجعلك تحتار للتصنيف بدقة.

صاغ استاذ "وائل لطفي" حكايته بحرفية وبرؤية مختلفة خارج الصندوق. أتي بروح دكتور "مصطفي محمود" تسرد حكايتها من العالم الآخر، وكأنه اعترافه الاخير من دار الحق. وهنا يأتي دور اعترافي الشخصي ان منذ بدأت في القراءة وحتي النهاية لم اشك لحظة من ان الكاتب هو "مصطفي محمود" شخصيا بالفعل. فالاسلوب كان متقارب الي حد بعيد، بنفس الوضوح والسلاسة وخفة الالفاظ ورشاقة التعبير. 

في هذا الكتاب قدم لنا الكاتب، "مصطفي محمود" الذي لا يعرفه أحد. "مصطفي محمود" آخر مجرد من هالته التي أحاطت به،  قدمه من وراء الكواليس. اعتمد فيها الكاتب علي مصادر مختلفة كمذكرات مصطفي محمود وكتبه الفكرية ولقاءاته المسجلة ومقالاته، الي جانب مصادره الصحفية الخاصة، وخبرة الكاتب في التأريخ عن الدعاة في حقبة الستينات والسبعينات، حيث أنه متخصص في الاسلام السياسي. فظهر مجهوده الكبير في لم تفاصيل عن الشخصية قد لا يراها المتابع العادي. حول "وائل لطفي" "مصطفي محمود" المفكر والكاتب والمجدد الاسلامي العظيم، الي انسان عادي يخطأ ويصيب، انسانه به من المتناقضات المثيرة للبحث، فهو الشيوعي التائب وهو المفكر الجرئ وهو المجدد الاسلامي وهو ذو الصيت الواسع والمتوحد في عزلته وهو الغني الزاهد وهو الفنان ذو الاذن الموسيقية وهو دون كيشوت مصارع طواحين الهواء، ولكنه نجح فيما فشل فيه دون كيشوت، وخلق اتجاه جديد في التجديد الاسلامي، وهو الاعجاز العلمي في القرآن. انسان يحب ويكره، بل إنه يكره بشدة ككرهه ل"هيكل" و"عبد الناصر" وللاشتراكية. اظهر الشخصية بعمقها النفسي، وتطورها الفكري، كتحوله من الشيوعية الي الاسلام. كما أظهره كرجل مرحلة لا اكثر، رجل خدم اهداف التغيير الساداتي بكل اخلاص، وكأنه ميكافيللي، ادخل العلم في الإيمان كوسيلة للقضاء علي الأفكار الاشتراكية الشيوعية الناصرية. 

رصد الكاتب الكثير من تغييرات الحياة السياسية في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات، وتطور الاسلام السياسي من بدايته، بالتوازي مع تطور فكر " مصطفي محمود". وكان عرض الكاتب للشخصية غير متسلسلة زمنيا ولكنها اقرب الخواطر أو الحديث مع النفس، مع الكثير من الكلمات الصادمة التي تشعرك انك جالس مع صديق حقيقي يحكي لك قصة حياته وخلاصة تجربته بمنتهي الأريحية، كإعلانه الصريح لكرهه ل"هيكل" و"عبد الناصر" دون مواربة. فالكتاب يدفع القارئ للاندماج معه بدون ملل، لدرجة جعلتني لم اتركه حتي انتهيت منه. ولكن يعيب الكتاب تكرار بعض التفاصيل في معظم الفصول، وكأنها للتوكيد. 

استمتعت بقراءة كتاب "إسمي مصطفي محمود" بسرده وحكاياته. وفي النهاية دائما هناك وجه آخر للقمر.

مروة طلعت

٢٤/١٢/٢٠٢٢

#عايمة_في_بحر_الكتب






 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6