الرؤيا التي أنقذت قبر النبي
لم تري البلاد الاسلامية سلطان زي الملك العادل "نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي". كان ملك قوي وحازم وشجاع، وأجمع المؤرخين ان سر قوته كانت في إيمانه. كل ملكه وعظمته كانت ركائزها ورعه وتفقه في الدين واتباعه للآثار النبوية قولا وعملا.
ايمان وتقي "نور الدين محمود" أكسبه احترام خصومه من الصليبيين. فكانوا رغم عداوتهم وكرههم ليه، كانوا يحترموه ويوقروه ومعترفين بفضله وصدق ايمانه. كتب عنه "وليم الصوري" أحد المؤرخين الصليبيين وقال: (كان رجلا يخشي ربه في نظر قومه. وهو من الأتقياء الورعين). وقال عنه الصليبيين: (له مع الله سر، فإنه ما يظهر علينا بكثرة جنده وعسكره، وإنما يظهر علينا بالدعاء في صلاة الليل، فإنه يصلي بالليل، ويرفع يديه الي الله ويدعو، والله يستجيب دعاءه ويعطيه سؤاله، وما يرد يده خائبة، فيظهر علينا).
وكان "نور الدين" علي أد ما كان مرعب للصليبيين، ومعندوش تهاون في الحق، كان يقال في قوته ومهارته العسكرية: (أن الناس لم يروا علي ظهر الفرس أحسن منه، وكأنما خلق عليه لايتحرك ولا يتزلزل). الا انه كان متسامح مع أعدائه وبيقدر ظروفهم. كتب "وليم الصوري" وقال: (اقترح البعض علي نور الدين ان يغتنم فرصة موت الملك الصليبي بلدوين الثالث وانشغال الصليبيين بتشييع جنازته، ويفير علي بلادهم، فأجابهم: "بل يجب علينا نشاطرهم حزنهم، وأن ندعهم وماهم فيه، فلا نزيدهم بلوي علي بلواهم، لأنهم فقدوا أميرا ليس له في الدنيا شبيه" ). طبعا تسامحه ده استمده من سماحة الاسلام. ولأنه كان أسد، والاسود مبتهجمش علي الفريسة في وقت ضعفها، وده من شيم الفرسان. شخصية زي شخصية "نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي" من صدقه مع الله، وتقربه بالجهاد والورع. كان من الطبيعي يحصل معاه حكاية زي اللي هنحكيها النهاردة.
في سنة 557 هجري، وصل المدينة المنورة رجلين، واتجهوا لصاحب بيت ملاصق للمسجد النبوي وطلبوا من صاحبه يأجروه، وطبيعي يسألهم صاحب البيت انتوا مين وجايين منين، خصوصا ان شكلهم بيدل انهم مش عرب فهم كانوا بيض وشعرهم اشقر. فقالوله انهم مغاربة من مسلمي الأندلس وجايين هجرة للمدينة. فصدقهم صاحب البيت والجيران. وفعلا سكنوا في البيت والجيران وأهل الحي شافوا اد ايه انهم صالحين، بسبب انهم محافظين علي صلواتهم الخمسة في وقتها في المسجد، ودايما بعد كل صلاة يزوروا حجرة قبر الرسول صلي الله عليه وسلم. ومن شدة أدبهم وتدينهم وصلاحهم أهل المدينة حبوهم وقدروهم.
في يوم كان الملك العادل "نور الدين محمود" نايم، فشاف رؤيا للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم. جاله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وقاله: "يانور أنقذني من هذين الأشقرين" وشاورله علي الرجلين الاندلسيين. صحي "نور الدين" وهو مش فاهم معني الريا ومش عارف يعمل ايه. فتكررت الرؤيا 3 مرات في 3 ليالي. وهنا بعت لوزيره "جمال الدين الموصلي" وحكاله الرؤيا وقاله ان اكيد فيه حاجة بتحصل في المدينة المنورة وانه لازم يتأكد بنفسه، ده رسول الله بذاته بيستنجد بيه، مش حاجة هينة.
وسافر "نور الدين محمود" مع وزيره "جمال الدين الموصلي" الي المدينة المنورة. وأول ما وصلوا دخل المسجد النبوي وصلي فيه، وقام لف ودخل حجرة القبر، وكله عادي مفيش جديد، ولا حاجة مختلفة. فقعد وهو محتار ومش عارف يبدأ منين. فقاله وزيره، لو شفت الرجلين تعرفهم، رد عليه "نور الدين" وقاله طبعا. "جمال الدين" قاله بسيطة تاهت ولقيناها.
قام "جمال الدين الموصلي" وأعلن ان السلطان حاضر في المسجد، وهيقدم العطايا والهبات لكل أهل المدينة وكل رجال المدينة لازم تحضر. وفعلا مفيش ساعة وكل اهل المدينة حضروا ينالوا شرف السلام علي الملك العادل "نور الدين محمود" وياخدوا العطايا والهبات. وبعد ما كل الناس اخدوا عطايا السلطان، سأله الوزير علي الرجلين، فقاله "نور الدين" مشفتهمش. قام "جمال الدين" يسأل الناس علي أساس انه بيتأكد ان كل الناس حضرت واخدت العطايا، فقالوله فيه رجلين مغربيين جداد علي المدينة مجوش. "نور الدين" سمع كده أمر بسرعة الحرس يجيبوهم المسجد. وأول ما دخلوا عليه عرف ان هم المقصودين، لكنه تمالك أعصابه وسألهم: "من أين أنتما؟ قالوا: "مسلمان من الأندلس أتينا للحج". فقال: "اصدقا معي من أنتما وماذا تريدان". لكنهم فضلوا مصرين علي كلامهم فأمر بالتحفظ عليهم وقام بنفسه مع وزيره رايح لبيتهم.
وهناك لقي فلوس كثيرة وكتب باللاتينية، بس ملقاش حاجة غريبة، وكان خلاص هيخرج، إلا أن ربنا ألهمه يرفع حصيرة لقاها على الأرض. لقي تحتها لوح خشب، فرفعه وهنا اكتشف سرداب عميق. نزل السلطان ومعاه بعض الجنود السرداب، وفوجئوا أنها متجهة إلى الحجرة الشريفة وانه اخترق جدار المسجد، وكان خلاص مقرب لجثمان الرسول صلي الله عليه وسلم. ولما وصل الخبر لأهل المدينة اللي واقفين مع الرجلين، هجموا عليهم ضرب لحد ما كانوا هيموتوا في ايديهم. واتدخل الحرس والجند وخلصوهم من ايد الناس قبل ما يقتلوهم. ولما حضر السلطان سألهم صفتهم ايه وغرضهم من نبش القبر ايه، قاعترفوا انهم من الصليبيين، ومهمتهم استخراج جثمان رسول الله صلي الله عليه وسلم، وارساله الي الفاتيكان في أوروبا. وبأمر من السلطان "نور الدين محمود" قطع عنقيهما عند الشباك الشرقي للحجرة، وبعدها أداهم للناس فحرقوهم خارج حدود الحرم. وأمر السلطان بصب جدارمن الرصاص السميك تحت الارض محاوط الجسد الشريف لحد اليوم.
مروة طلعت
2/12/2022
تعليقات
إرسال تعليق