السلطانة شجر الدر 6
"ان كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتي نسير اليكم رجلا" دي كانت رسالة الخليفة العباسي ل"شجر الدر"اعتراضا منه علي توليها حكم مصر بعد انتهاء الدولة الايوبية بمقتل "الملك المعظم مغيث الدين توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب"، ولأسباب كتيرة ذكرناها في الجزء اللي فات - اللينكات اخر المقال - فكرت "شجر الدر" وقررت انها تطاطي للريح، بعد ما حست بحرج موقفها، وضعفها كونها واحدة ست، وتخلع نفسها وتتنازل عن العرش. هنا اقترح عليها القاضي "تاج الدين ابن بنت الأعز" انها تختار ليها زوج تسلمه الحكم بشكل سلمي بدل ما تتطور الأمور لصراعات ويخشوا في بحر دم. "شجر الدر" برده مكنتش ست عادية، كانت صاحبة شخصية قوية وسيدة قرارها، ده غير ان اللي داق طعم السلطة مش سهل عليه يتنازل عن قوته ونفوذه بالساهل كده. وهنا حسبت "شجر الدر" حسبتها وقررت انها تختار لها زوج بشرط يكون طيب ومهاود ويفضل مدرك انه مجرد دمية في ايديها تحكم من خلاله. وبعد الفحص والتمحيص مكنش ادام "شجر الدر" غير اتنين اما "فارس الدين أقطاي" أو "عز الدين أيبك".
طبعا نظرا لشرط "شجر الدر" الأساسي في الزواج كان أختيارها "عز الدين أيبك" مقدم العساكر و أتابكها، لأنه مكنش قوي الشكيمة زي "أقطاي" ومستضعف، وكان وجوده في منصبه كمقدم للعساكر تحصيل حاصل فالرأي الأول والأخير كان ل "شجر الدر" ومكنش يقدر يتصرف ولا يصدر قرار من غير الرجوع ليها. بعتت "شجر الدر" ل "أيبك" في القلعة وبلغته بقرارها بشرط انه يطلق مراته "أم علي"، عشان هي زي الفريك متحبش شريك، وحكمت عليه حتي عدم زيارتهم أو يشوف أبنه "المنصور علي" عشان مفيش حاجة خارجية تأثر عليه. ولما وافق وطلق، جابت القاضي "تاج الدين بن بنت الأعز" سنة 648 هجري، وخلعت نفسها من الحكم بين ايديه وفي نفس الوقت كتب كتابها علي "عز الدين أيبك" وبايعه علي الحكم في نفس اليوم ونفس القعدة.
وانتقل "أيبك" الي عرشه في قلعة الجبل – قلعة صلاح الدين – مع المملوك وايده اليمين "سيف الدين قطز"،وفي محاولة لإرضاء الأيوبيين والخليفة العباسي قام المماليك بإحضار طفل من العائلة الأيوبية عنده 6 سنين، وسلطنوه باسم "الملك الأشرف مظفر الدين موسى" وأعلن "أيبك" أنه مجرد نائب للخليفة العباسي.
أول مطب في حياة "أيبك وشجر الدر" كان "أقطاي"، الغريم اللي كان أحق بأخذ حكم مصر. في البداية فضل "أقطاي" هو قائد الجيوش في بداية حكم "أيبك" وفعلا ساعده مع "بيبرس البندقداري" علي هزيمة حاكم دمشق "الناصر يوسف" في معركة كورا، وفي سنة 1251م قدر يستولي علي جزء من سوريا. و"أيبك" قدر ينهي كل الخلافات والصراعات مع العائلة الأيوبية في الشام، وعمل اتفاقية معاهم بوساطة الخليفة العباسي "المستعصم بالله" سنة 1253م. وكمان قدر بمساعدة "أقطاي" يسيطر علي تمرد العربان في صعيد مصر بقيادة الشريف "حصن الدين ثعلب" وأسره. وبعد انجازاته العظيمة دي اتغر "أقطاي" في نفسه وراح ضامم الاسكندرية لاقطاعية خاصة بيه وبدأ يعمل قلق كبير واتكتب في وصف أفعاله : "فلما استفحل أمر الأمير الفارس أقطاي الجمدار وانحازت إليه البحرية، بحيث إذا ركب أقطاي من دارِه إلى القلعة شغل بين يديه جماعة بإمره، ولا ينكر هو ذلك منهم فكانوا يأخذون أموال الناس ونساءهم وأولادهم بأيديهم، فلا يقدر أحد على منعهم، وكانوا يدخلونَ الحمامات ويأخذون النساءَ منها غصبا، وكَثر ضررهم كثيرا"، وكان أخر تجاوزاته أنه اتجوز من بنت حاكم حماة وبعت ل "أيبك" يقوله أن عروسته لازم تقيم في القلعة بما انها بنت ملك، طبعا لحد هنا وصبر "شجر الدر" نفذ – هي مين دي اللي تقعد معايا في القلعة – لكنها ملكت أعصابها وفكرت بهداوة ورتبت ودبرت وقررت ان هو ده الوقت المناسب للتخلص من "أقطاي" وقلقه. وهنا "أيبك" يبعت ل "أقطاي" عشان يناقشوه في الموضوع ده – يختار انهي سويت في القلعة يريحه – وفعلا راح "أقطاي" ومعاه مماليكه يستنوه برا. وأول ما دخل "أقطاي" قاعة الحكم، طلع عليه "سيف الدين قطز" وراح مطير راس "اقطاي"، وخرج "سيف الدين قطز" شايل راس "أقطاي" بين ايديه وقصاد 700 مملوك راح شايط عليهم برجله راس "اقطاي" ضربة حرة مباشرة ولا محمد صلاح في زمانه. وهنا اترعب المماليك التابعين ل "أقطاي" عشان كده الرسالة وصلتلهم أن الروس أينعت وحان وقت قطافها علي رأي الحجاج، فركبوا خيولهم وعلي راسهم "بيبرس وقلاوون" وقالوا يا روح ما بعدك روح ويافكيك من مصر علي الشام. وهم خارجين ومن غيظهم قاموا بحرق باب القراطين – أحد أبواب القاهرة – واللي اتعرف بعد كده باسم الباب المحروق.
وبكده قدر "شجر الدر و أيبك" علي التخلص من الشوكة اللي كانت في ظهورهم بمقتل "أقطاي" وكمان خروج مماليكه من مصر وخصوصا "بيبرس". ومن بعدها "سيف الدين قطز" بقي النائب ل "عز الدين أيبك" تقديرا من "أيبك" لجهود "قطز" وخدمته المخلصة وقضاؤه علي "أقطاي"سنة 1254م..
بعد مقتل "أقطاي" هرب مماليكه – المماليك البحرية – بره مصر، منهم راح للسلاجقة، ومنهم هرب لحصن الكرك، و منهم اتقبض عليه قبل مايهربوا - ودول كان حظهم وحش اوي - و "أيبك" خلص عليهم، وطبعا كل اللي هربوا دول من المماليك اتصادرت أموالهم وبيوتهم اللي في مصر، وأهم جماعه في اللي هربوا كانوا "بيبرس وقلاوون وسنقر الأشقر" ودول خدوا بعضهم وراحوا ل"الملك الناصر يوسف الأيوبي" في دمشق وأعلنوا ولائهم ليه وبدؤا يحرضوه علي غزو مصر والاطاحة ب "أيبك".
بعد انتصارات "أيبك" المتتالية وهيمنته وسيطرته علي البلاد، بدأ يزهق من سيطرة "شجر الدر" علي قراراته. وكان أول تمرد ليه أنه رجع زوجته "أم علي" لعصمته وبدأ يرجع لزيارتها وزياره ابنه في السر. لكن "شجر الدر" كانت ست أريبة ومش سهلة ومن اللي يمكن وصفهم بأنهم لا تفوتهم شاردة ولا واردة. وبالتالي عرفت باللي عمله "أيبك" من تحدي لأوامرها فسكتت وحطتها في ملف حساباتها. وفي نفس الوقت ظهر علي السطح خلافات متكررة بين "شجر الدر" و "أيبك" نتيجة لرفضه تدخلها في الحكم واصراره علي رجوعها للحرملك، ودي كمان اتحططت في الملف.
لحد ما غلط غلطته الكبيرة، الغلطة اللي بفورة. في يوم كانت الحراس شادين 9 من المماليك الصالحية اللي هم لسة علي ولاءهم "للصالح نجم الدين أيوب"، أمر "أيبك" بسجنهم في سحن القلعة. وهم مسحوبين كده عدوا تحت شباك اوضة "شجر الدر"، راح واحد منهم واسمه "أيديكين الصالحي" رافع راسه وادي عليها "ياخوند" - وده كان معناة سيدة بينده عليها بيقولها يا ست يعني - " والله ما عملنا ذنبا يوجب مسكنا الا اننا عندما علمنا أنه سير يخطب بنت لؤلؤ صاحب الموصل، ما هان علينا لأجلك فأنا تربية نعمتك، ونعمة الشهيد الملك الصالح فلما عاتبناه في ذلك تغير علينا لهذا السبب ومسكنا وفعل بنا ما ترين". الراجل ضرب كرسي في الكلوب وبلغها ان جوزها اللي لولاها ما كان وصل لكرس العرش ولا شمه ناوي يتجوز عليها بنت حاكم الموصل، ولما سمعت "شجر الدر" رمتله من الشباك منديلها بمعني سمعتك ورسالتك وصلتني. وهنا عروق "شجر الدر" اتنفخت والدم غلي في نافوخها وراحت باعتة رسول ل "الملك الناصر يوسف" في دمشق تبلغه فيها أنها علي استعداد للتحالف معاه ضد "أيبك". والمعلومة دي وصلت ل "أيبك" عن طريق حماه الجديد حاكم الموصل.
طبعا عشان نبقي في الصورة "شجر الدر" معملتش كده عشان كرامتها بقي والغيرة وكلام الستات ده - لا خالص ابسلوتلي – هي عارفة ومتأكدة ان لو "أيبك" عمل حلف من حاكم الموصل ورفع راسه كده قصاد الأيوبين وشوكته قويت أول حاجة هيعملها انه هيقتلها ويخلص منها، فهي قالت اتغدي بيه قبل ما يتعشي بيا. متستغربش ده عرف المماليك وطبيعتهم، بيعملوا مسابقة مين يقتل التاني الأول.
طبعا قامت خناقة من اللي قلبك يحبها بين "شجر الدر" و"أيبك" وعشان هو لسه ياولداه مكسور الجناح قصادها وقصاد مماليك "الصالح نجم الدين" اللي تبعها، راح لامم هدومه وسايب قلعة الجبل وراح قاعد في بيته في منطقة "مناظر اللوق"، الأزبكية حاليا. "شجر الدر" قلقت من بعده مبقاش كده تحت عينيها كويس، فقررت تقطع عرق وتسيح دمه وتخلص من وجع الدماغ.
في العاشر من ابريل سنة 1257م بعتت "شجر الدر" رسالة ل "أيبك" مع أحد القضاه للتوسط بينهم والصلح - بتعتذرله وتجر ناعم – وقبل "أيبك" الوساطة ورجع القلعة لقي "شجر الدر" في استقباله بكامل زينتها وفي أبهي صور جمالها – قالتله القلعة من غيرك كانت وحشة يا بيبي – وزي الأفعي الناعمة ثبتته وطمنته ع الآخر لحد ما دخل حمامه ودخل وراه 5 خصيان وكانت أوامر "شجر الدر" يخلصوا من غير نقطة دم عشان متشككش مماليك "أيبك" في موته، وكانت طريقه موته في غاية البشاعة وهي الموت بسحق الخصية. ماهم سفاحين في قلب بعضيهم.
تاني يوم اعلنت "شجر الدر" وفاة السلطان عز الدين أيبك" أثناء استحمامه – القيشاني جديد فاتزحلق – بس الكلام ده مدخلش دماغ "سيف الدين قطز" والمماليك المعزية - اللي هم مماليك أيبك - والفار لعب في عبهم. فهجم "قطز" بمماليكه علي القلعة، وجم المماليك الصالحية حموا "شجر الدر" منهم وحلقوا عليهم. واكتفوا بسجنها في البرج الأحمر لحد ما يعرفوا الحقيقة. وقبض "قطز" علي الخدم وتحت التعذيب اعترفوا بحقيقة مقتل "السلطان أيبك" علي ايد زوجته" شجر الدر". وكان جزاؤهم صلب 40 خادم من اللي اشتركوا في المؤامرة تحت أسوار القلعة.
بعد دفن "أيبك" وظهور الحقيقة دخلت الأرملة المكلومة "أم علي" مع ابنها "المنصور علي" - اللي اتنصب سلطان بعد أبوه – وقالتلهم سيبوهالي، دي كانت قهراني، خلت جوزني طلقني وهجرني وهجر ابنه، ولما رجعلي قتلته. فسابوهالها بكل بساطة.
وكان المشهد كالتالي "شجر الدر"، السلطانة المستعصمية اللي فضلت منابر مصر تدعيلها بالسلطنة 80 يوم عصمة الدنيا والدين، خرجت من البرج الأحمر في القلعة مجرورة ومتقيده ولا يستر جسمها من الملابس الا القليل في زفة فاحشة من الشتايم والردح والضرب - من عصابة من ستات مأجراهم "أم علي" لاهانة شجر الدر – وشداها جارية عملاقة لحد ماوصلت بيها بيتها في مناظر اللوق. وأول ما دخلت كل الجواري طلعوا القباقيب ونزلت أول ضربة علي أنفها كسرته، فزعقت فيهم "أم علي" وقالتلهم لا أنا عاوزة الموضوع يطول بلاش الضرب علي الراس والضلوع عاوزه وجع لأطول وقت، عاوزة اشفي فيها غليلي لحد ما تموت، وبصت ل "شجر الدر" وقالتلها "اشترطت عليه طلاقي ليتزوجك ويصبح سلطانا، أمرتيه يهجر ابنه، لم يكفك هذا، فقتلتيه لمجرد علمك أنه أعادني لعصمته، كان لك السلطان واللقب والجاه، ولم أكن أطلب سوي مملكة بيتي، فأين ذهب بك بطر النعمة؟". وقعدت "أم علي" علي الكنبة تتفرج علي ضرب "شجر الدر" وعذابها وصراخها قصادها لحد ما ماتت.
فيه اللي قال ان" أم علي" قطعت ثدي "شجر الدر" قطع وطبخته علي رقاق باللبن واتعرفت الاكلة دي باسم "أم علي" بس استبدلوا القطع بالزبيب. لكنها معلومة غير مأكدة، المأكد ان بعد موت "شجر الدر" سحبوها من رجليها ورموها في خندق ورا القلعة وهي مش لابسة غير قميص وسروال، وفضلت مرمية 3 أيام، حتي فيه ناس حم سرقوا تكة سروالها عشان كان فيه لل ونافحة مسك، وبعد ما جثتها عفنت وكلتها الكلاب جه واحد ابن حلال، استحرم وشالها في قفة، واتدفنت في ضريحها جنب جامع السيدة نفيسة.
ودي كانت نهاية "شجر الدر" اللي عاشت عمرها كله ست ستات البلاط الأيوبي، صاحبة الحول والطول، والنفوذ والسلطان. سبحانه الله العظيم.
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير.
تمت بحمد الله .....
تعليقات
إرسال تعليق