شجر الدر 5
حكمت "شجر الدر" مصر بعد ما اثبتت جدارتها في القيادة والحكم في أصعب ظروف مرت علي مصر في الوقت ده وهي الحملة الصليبية السابعة، وقدرت بذكاء تعدي لبر الأمان بمصر من غير صراعات أو مؤامرات وحروب داخلية. لكن كل اللي عملته ده واللي حكيناه في الاجزاء اللي فاتت - واللي لينكاتهم في اخر المقال - مشفعلهاش قصاد الناس، ولا قدروا يبلعوا كونها واحدة ست.
عشان نبقي منصفين ونقدر نحكم بميزان عصرها، الست في الوقت ده كان مكانها الحرملك، ولو ظهرت قصاد الأغراب عنها مش من محارمها بتكون من ورا حجاب أو ستارة. حتي "شجر الدر" لما كانت بتدير أمور البلاد كانت بتقعد ورا ستارة تكلم القادة والأمراء مكنوش بيشوفوها يعني. وزي ما حكينا في الجزء اللي فات انها لما لبست الخلعة السلطانية والأمراء جم باسوا الارض قدامها برده قلنا انها كانت ورا ستارة. فالتواصل هنا أكيد مكنش مريح زي تعاملهم مع راجل وجها لوجه شايفين تعبيرات وشه وقاريين حركات عينيه. وهي لازم تلتزم بالشكل ده من التواصل لانها كان ممكن يطير فيها رقاب، عشان الفكرة متتداخل فيها عادات وعرف وتقاليد ودين كمان. وفيه نقطة تانية في الزمن ده كان السلطان في الحروب بيكون علي رأس طليعة جيشه في الحرب، وهي طبعا مينفعش تنزل حرب ولا حتي تركب حصان، ده وزن السيف لوحده هيكسرلها دراعها. وفيه بقي أهم وأقوي سبب وهو ان العصر ده كان بيحكم بالشريعة الاسلامية السنية بحذافيرها، مكنش يعني بياخدوا اللي حتة ويسيبوا حتة، ولو حصل اي خلل‘ كان الشيوخ والعلماء ليهم كلمة رادعة، والسلاطين كانوا بيعملولهم ألف حساب. وعلي الأساس ده كان الرفض لحكمها علي حسب حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لايفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
دلوقتي "شجر الدر" سلطانة مصر، بمبايعة المماليك بس. حتي القاضي "تاج الدين ابن بنت الأعز" لما جه المبايعة، كان مغصوب بالتهديد من المماليك. وهنا ظهر دور الشيخ "العز بن عبد السلام" الملقب بسلطان العلماء وبائع الملوك وشيخ الاسلام. وده كان نابغة علماء عصره، ومكنش بيخاف من قول كلمة الحق مهما كانت رايحة فين، يعني يقول للأعور انت أعور في عينه ولا يهمه، وكان السلاطين يعملوله ألف حساب، حتي الخليفة العباسي كان بيوقره ويحترم كلامه. طبعا في ظل الظروف دي كان الشيخ "العز بن عبد السلام" من اوائل الناس اللي رفضوا حكم "شجر الدر". وطلع علي المنابر يخطب ويقول ان حكمها مخالف لأساسيات الشريعة الاسلامية، وما هو مخالف فهو باطل. ومن بعده كل الخطباء والشيوخ والائمة علي المنابر انتهجو نهج الشيخ "العز بن عبد السلام"، وطبعا عامة الشعب رددوا وراهم وبقوا كارهين حكم "شجر الدر" لمجرد انها واحدة ست مش عشان كفاءتها في الحكم.
لما تولت "شجر الدر" الحكم من بعد مقتل "توران شاه" زي ما حكينا في الجزء التالت. كانت المملكة الأيوبية عبارة عن مصر والشام. سافر "أصيل الدين محمد بن ابراهيم" لدمشق عشان ياخد مبايعة امراء الشام ل "شجر الدر" كسلطانة لمصر والشام. لكن الامير "جمال الدين بن يغمور" القائم بأعمال دمشق، قاله عظيم بيمين ما يحصل ابدا، وراح باعت رسالة للأمير "الناصر يوسف بن محمد بن الظاهر غازي بن صلاح الدين الايوبي" صاحب حلب، قاله تعالي خد دمشق لحسن الامور سفهت أوي في مصر وعاوزين يجيبوا واحدة ست تحكمنا. وفعلا مكدبش الأمير "الناصر يوسف" خبر، وطلع من حلب بجيشه علي دمشق اللي فتحتله أبوابها وسيطر عليها وقبض علي الامراء الصالحية التابعين "للصالح نجم الدين" و "شجر الدر" وسجنهم. وقرر انه هيفضل يزحف في الشام كلها لحد ما يوصل الاراضي المصرية. وبكدة خرجت الشام وانفصلت عن مصر بتولي "شجر الدر" الحكم.
ده الي جانب ان الخليفة العباسي ذات نفسه كان معارض ورافض لحكمها. وبما ان مصر كانت لسه تحت الخلافة العباسية، فكان لازم "شجر الدر" تاخد المبايعة من الخليفة العباسي عشان يبقي حكمها شرعي. وده اللي محصلش، اللي حصل ان لما وصل خبر مبايعة المماليك ل "شجر الدر" علي عرش مصر، للخليفة العباسي "المستعصم بالله" في بغداد، راح باعت رسالة للأمراء وولاة الأمور في مصر يقولهم "ان كانت الرجال قد عدمت عندكم، فأعلمونا حتي نسير إليكم رجلا". وطبعا دي كانت رسالة ساخرة من الوضع ومهينة لأمراء المماليك ول "شجر الدر" نفسها.
الجدير بالذكر ان كان فيه بعض من أمراء المماليك نفسهم، مكنوش موافقين ب "شجر الدر"، وكان من أبرزهم الأمير "أقطاي". خصوصا لما شاف "عز الدين أيبك" بيتحول بقدرة قادر من مجرد واحد واقف بيدوق أكل "الملك الصالح" لأتابك العساكر حتة واحدة.
لحد ما جت القشاية اللي قطمت ضهر البعير. "الملك لويس التاسع" كان لسه محبوس في دار "ابن لقمان" في المنصورة، والصليبيين كانوا لسه في دمياط، والاتفاقية اللي كانت بينهم وبين "توران شاه" لسه مكنتش اتنفذت. الصليبيين قبل نهايتهم في المنصورة، كانوا حصنوا دمياط تحصين شديد، خدوا راحتهم فيها ورحرحوا وشالوا وحطوا، فمكنش ينفع فتح دمياط واستعادتها من الصليبيين الا بمعركة قوية جدا ويا صابت ياخابت. ده غير ان كل يوم بيعدي خطر لو جت امدادات من أوروبا الاسطول المصري مش هيقدر يسد عليهم. ومرات "الملك لويس التاسع" "مارجريت" باعت الجلد والسقط وهي في دمياط عشان تلم حق الفدية المطلوبة منه. فكانت وجهة نظر "شجر الدر" انها تتساهل في اطلاق سراح "الملك لويس التاسع" والتضحية مقابل اطلاق سراح دمياط، وخروج الحملة الصليبية من مصر بشكل ودي وسلمي، ويادار مادخلك شر. وفعلا اطلقت سراح الملك "لويس التاسع" مقابل تسليم دمياط ودفع نص الفدية اللي كان متفقين عليها مع "توران شاه"، واطلقوا سراح أسري الجانبيين الصليبيين والمسلمين، وتعهد الملك "لويس التاسع" انه مش هيهوب علي مصر تاني، واخد جنوده واخواته، ومراته "مارجريت" شالت ابنها "تريستان" - يعني طفل الاحزان - اللي ولدته في دمياط بعد سجن أبوه ب 3 ايام، وخرجوا برا مصر. وعلي الرغم من الافراح اللي عمت البلاد بنزياح الغمة وخروج الصليبيين اخيرا. لكن كان فيه أمراء كتير معترضين علي التنازل اللي حصل، وكان منهم الأمير "حسام الدين بن أبي علي الهذباني" اللي قال: "ها هي دمياط في ايدينا وهذا الملك الفرنسي في أسرنا وهو من ألد أعدائنا ومن مصلحتنا ألا نفك أسره بعد أن أطلع علي دخائلنا وشاهد قتلنا لسلطاننا". لكن "شجر الدر" شافت ان ده القرار الأحسن وان الملك "لويس التاسع" هيحترم العهد.
ولكل ما سبق عاشت "شجر الدر" أيام حكمها علي صفيح ساخن، وحست أد ايه الموج عالي، وبذكائها عرفت ان المعركة المرة دي هتكون مدمرة. فكل الجهات بتديق عليها، غضب ورفض علماء الدين اللي مهييج عامة الشعب من ناحية، ورفض وعدم مبايعة الخليفة العباسي وتبعاته من ناحية، وانشقاق الشام ونية الملك "الناصر يوسف" من ناحية، حتي المماليك بدءوا ينقسموا من حواليها بين مؤيد ومعارض خصوصا بعد حركة الملك "لويس التاسع". وبكل دبلوماسية قررت بعد 80 يوم من حكمها، انها تتنازل عن العرش.
ايه بقي اللي حصل بعدها ده اللي هنعرفه الجزء اللي جاي.
يتبع....
تعليقات
إرسال تعليق