السلطانة شجر الدر 3
"شجر الدر" اسم لامع في صفحات التاريخ، وشخصية غنية وفريدة وعجيبة في نفس الوقت. الحقيقة ان "شجر الدر" تستحق كل التقدير علي الدور المهم اللي لعبته في الانتصار علي الحملة الصليبية السابعة. ف"شجر الدر" بذلت كل ما في وسعها ودبرت الحيل بمنتهي الذكاء، ومشيت علي صفيح ساخن بمنتهي الدهاء كأمهر السياسيين، عشان تخرج مصر من ازمتها بعد موت زوجها "الملك الصالح نجم الدين أيوب" في عز الحرب الصليبية اللي دايرة، وقدرت تسلم الحكم لابن زوجها "الملك المعظم مغيث الدين توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب" بسلمية وهدوء.
بعد الانتصار العظيم في موقعة المنصورة زي ما حكينا في الجزء اللي فات وهتلاقوا اللينك بتاعه اخر المقال. وصل "توران شاه" اخيرا المنصورة بعد انتظار "شجر الدر" ليه علي اعصابها لمدة 3 شهور. وبعد تكتم شديد طول الفترة دي، تم اعلان وفاة "الملك الصالح نجم الدين أيوب" وتولية ابنه "توران شاه" علي العرش.
وعلي الرغم من سعادة المصريين بانتصار المنصورة، واستبشارهم بحضور "توران شاه" في انه هينهي علي الصليبيين خالص من مصر. لكن خبر موت "الملك الصالح" نكد عليهم، لدرجة بكاؤهم في ساحات المساجد لما الأئمة اعلنوا الخبر، فالملك الصالح كان رجل خير ومحبوب من الرعية.
أول ما وصل "توران شاه" بدأ يخطط مع كبار الأمراء والقادة، انهم يحاصروا الصليبيين في البر وفي البحر، بحيث يمنعوا اي امدادات تساعدهم وتقويهم ممكن تجيلهم عن طريق البحر. وفعلا نجحت الخطة، واستولي الاسطول المصري علي اكتر من 80 سفينة للصليبيين، والمؤن والاكل خلاص شطبوا وداخلين علي مجاعة، وكمان انتشر مابينهم الامراض، وحالتهم بقت ضنك خالص. وهنا بدأ "الملك لويس التاسع" يتراجع بجيشه المكسح لدمياط. لكن "توران شاه" وجيشه لحقه عند قرية فارسكور، وهنا كان المرض والجوع هدهم واشتد علي "لويس التاسع" وجنوده، فهجم عليهم جيش "توران شاه"، وبعتروهم زي ورق الكوتشينة قصادهم مابين قتل وأسر. وحاول واحد من قواد الصليبيين يهرب ب "الملك لويس التاسع" من المعركة وهو مريض، فهرب بيه لحد قرية منية الخولي عبد الله التابعة لقري شرمساح في نص الطريق بين دمياط والمنصورة. لكن جيش المسلمين فضلوا وراه لحد ما قبضوا عليهم، واتسحب "الملك لويس التاسع" أسير مقيد بالأغلال، لحد دار القاضي "فخر الدين بن لقمان"، واتسجن فيها ومعاه اخواته "كونت أنجو" و "كونت بواتييه" في محرم 647 هجري، ابريل سنة 1250م.
"توران شاه" كان عارف ان أسر "الملك لويس التاسع" ده مكسب عظيم، عشان كده مبهدلوش، وعامله معاملة طيبة، عالجه ووفرله كل احتياجاته، وعين الطواشي "صبيح المعظمي" لخدمته، يعني مسجون في فندق خمس نجوم. وبعدها بفترة عرض الملك "لويس التاسع" انه يفدي نفسه ويسيبوه يرجع فرنسا. وفعلا قعد "توران شاه" معاه في قعدة مفاضات. واتفقوا علي ان "لويس التاسع" يدفع مبلغ 800 ألف بيزنط - عملة أوروبا وقتها - تعويض عن كل الخسائر اللي حصلت من دخول الحملة علي مصر. واطلاق سراح الاسري المسلميين والصليبيين. وادي"توران شاه" فرصة للصليبيين يبيعوا ممتلكاتهم ويسيبوا كل اللي نهبوه قبل ما يخرجوا من مصر. وتم الاتفاق وتم تنفيذ شروط المفاوضات وخرج "لويس التاسع" بجيشه المهزوم شر هزيمة من مصر قفاه يقمر عيش.
لسه المماليك بيفرحوا ولسه هيقولوا هيييه، فوجؤوا ان "توران شاه" الجميل المتصالح المتفاهم الودود مع "لويس التاسع" بيلفلهم بوش كله انكار لفضلهم واساءة، وعلي راسهم مرات أبوه "شجر الدر"، حس انه بطل الليلة لوحده ومحدش يعلي عليه. طيب بالنسبة للسنة اللي قبل ما حضرتك تشرف، طيب بالنسبة لموقعة المنصورة، طب بالنسبة للست الكمل اللي مهدتلك كل حاجة وفرشتلك الارض حرير وباصتلك الكورة عشان تجيب بيها الجون. قالك اهو ده اللي عندي، وراح عازل مماليك وحط مكانهم جماعته اللي جم معاه من حصن كيفا وقاتل مماليك تانيين وجرد مماليك من ممتلكاتهم،لدرجة انه كان في قاعة الحكم بالليل يجيب سيفه ويطير بيه الشموع اللي علي الشمعدانات ويقول "هكذا أفعل بالمماليك البحرية". وراح جايب "شجر الدر" ورماها في الحرملك ومشوفش ديل فستانك تاني.
تخيل انت كده معايا الموقف، ست كانت في قمة مجدها وجوزها مديها صلاحياته نفسها، وحكمت ومشت بلد وحرب في اصعب المواقف اللي ممكن القادة نفسهم مكنوش قدروا يعملوا اللي هي عملته. وفجأة يجي ابن جوزها اللي أبوه موصيه عليها، واللي رسمت الخطط ولعبت علي كل الحبال وصانت عهدها مع جوزها عشان توصله للحكم قبل ما حد ياخد خبر وياخد كرسي الحكم منه، وتبقي مدبحة. بعد ده كله يجي "توران شاه" بدل ما يكرمها ويصونها، يهينها ويرجعها تاني جارية مرمية في الحرملك. وبقي يهددها وطالبها بكل فلوسها ومجوهراتها، فخافت من طيشه وقالت تطاطي للريح ودفعتله اللي هو عاوزه مؤقتا، لحد ما تعيد التفكير وتعرف خطوتها الجاية فين.
للاسف "توران شاه" مكنش ذكي كفاية، لانه مقدرش قوة خصمه صح، ده غير انه تجاهل كلام أبوه ومخدش من وصيته اللي كتبها ليه بناء علي خبرته الطويلة. فكان ابوه جنب وصيته ليه بانه ياخد باله من "شجر الدر" وميهينهاش، فهو كمان وصاه بالمماليك وانه ياخدهم دراع وضهر وسند ليه وميخسرهمش.
في الوقت ده كانت المماليك بتغلي غيظ من "توران شاه" وتصرفاته معاهم، وفجأة توصلهم رسالة من "شجر الدر" بتبلغهم فيها بالبهدلة وقلة القيمة اللي معيشها فيه "توران شاه". اول ما وصلت رسالة "شجر الدر" للمماليك البحرية، كأنها كانت القشاية اللي قضمت ظهر البعير. اتجمعوا المماليك واتفقوا علي قتل "توران شاه".
فيه مصادر قالت ان "شجر الدر" كانت بريئة من قتل "توران شاه"، ومصادر تانية قالت ان "شجر الدر" في رسالتها حرضت علي قتله بصريح العبارة فكتبت "ان قتلوا توران شاه فعلي رضاكم بالمال" ووعدت كل واحد هيشترك بقتله هياخد 200 دينار والامراء كل واحد 1000.
وفي يوم الاتنين 9 محرم 648 هجري 2 مايو 1250م. كان "توران شاه" قاعد في برجه اللي بناه في فارسكور، فهجم عليه جماعة من المماليك البحرية بسيوفهم فضربوه فقطعوله صوابع ايده، فقام وهرب ودخل برج خشب وقفل عليه الباب، ضربوا البرج بالسهام المشتعلة فحرقوا البرج. خرج "توران شاه" من البرج بيصرخ بعد ما النار مسكت فيه وراح رامي نفسه من البرج في البحر. وفضل يعوم ويصرخ ويقول "خذوا ملككم ودعوني أرجع الي حصن كيفا يا مسلمون، ما فيكم ما يصطعني ويجيرن". لكنه لما خرج من البحر شبه غرقان لقي المماليك واقفة مستنياه فمسك في ديل "أقطاي" يستسمحه لكنه نزل عليه هو والمماليك بالسيوف قطعوه، فمات "توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب" مقتول محروق غرقان، بعد ما قعد في الحكم 91 يوم بس. ولما طلعوه علي البحر فضل مرمي علي الشاطئئ 3 أيام محدش راضي أو قادر يدفنه خوف من المماليك. لحد ما الخليفة العباسي بعتلهم رسول يشفع لجثته انها تندفن. وفي الاخر دفنوه ومحدش يعرف اندفن فين.
تقتكر ايه اللي هيحصل بعد كده؟ ده اللي هنعرفه الحلقة الجاية.
يتبع....
تعليقات
إرسال تعليق