صلاح الدين الايوبي 8

 مات الأسد، مات القائد والفارس المغوار. وزي أي حي يموت، مات "أسد الدين شيركوه" بعد توليه وزارة مصر بشهرين في سنة 1169م. وحزن عليه ابن أخوه "صلاح الدين الايوبي" حزن شديد، لأنه مكنش بس عمه ، ده أبوه التاني ومعلمه وقائده، وأقام "صلاح الدين" له سرادق العزاء لمدة 3 أيام. 

في وقت ال3 أيام الحداد دول كان الخليفة الفاطمي "العاضد" قاعد بيضرب أخماس في أسداس. هيعمل ايه في كرسي الوزارة الفاضي، واللي بقي الكل خايف منه وبيهرب من انه يتولاه. الكل شاف انه بقي كرسي ملعون متحاوط بالألغام، وخصوصا بوجود جيش الزنك في مصر، وتأهب الصليبيين علي الأبواب في أي لحظة، ده غير الصراعات الداخلية اللي الخلافة الفاطمية مبقتش تستحملها. 

ولمزيد من الفهم والمتابعة اقرا الجزء الأول

والجزء الثاني
والجزء الثالث
والجزء الرابع
والجزء الخامس
الجزء السادس

في عز ما كان الخليفة "العاضد" قاعد محتار. جم ولاد الحلال من مستشاريه حواليه قالوله مفيش أحسن من "يوسف صلاح الدين" للوزارة. قالهم انتوا بتقولوا ايه ده أصغر واحد فيهم - كان عنده 32 سنة ساعتها - وفيه الاكبر سنا وخبرة ومقام. قالوله ماهو ده المطلوب يامولاي شاب صغير كده ضعيف ملوش طموح وملوش أولياء من العساكر يناصروه فمفيش قلق منه انه ممكن يقلب الخلافة، فهيكون تحت طوعنا ومش هيخرج من حكمنا. 

طبعا زهد "صلاح الدين" في وجوده بمصر، اغراهم وحسسهم انه ضعف منه. وزاد تمسك الخليفة "العاضد" بيه في الوزارة، انه لما عرضها عليه بعد أيام الحداد، رفضها. وبعتله طوب الأرض وفضل رافض، فين وفين بالعافية لما رضي وجابوه قصر الخلافة وخلع عليه الخليفة "العاضد" الوزارة.

"صلاح الدين" في الاول مكنش مسؤول عن حاجة عشان كده مكنش في دماغه ومكنش بيدخل في أي قرارات وبياخد أوامره من السلطان "نور الدين" ومن عمه "أسد الدين" وخلاص. لكن لما أصبح مسؤول وعليه عبء كرسي تقيل زي وزارة مصر، الأمور هنا هتختلف. 

فجأة اكتشف الخليفة "العاضد" ومستشاروه، انهم ارتكبوا أكبر خطأ في حياتهم، واللي افتكروه موسي طلع فرعون ، طبعا ده من وجهة نظرهم هما لأن "صلاح الدين" مطلعش ضعيف ولا مسير، ده طلع قوي وسيد قراره. وزي ما عمل في دمشق ونضفها من اللصوص وقطاع الطرق والحرامية عمل كده برده في مصر. وفرض سطوته وقبضته علي كل المحافظات بمنتهي الحنكة والذكاء. أول حاجة عملها انه قرب الجنود والعساكر الزنكيين والفاطميين ليه بالعطايا والهبات والمكافآت، وكمان عامة الشعب ظبطهم في العطايا، ودخل مابينهم باللين والسياسة، لحد ما كل العساكر والجنود وعامة الشعب حبوه جدا وأخلصوا ليه الولاء، وفي وقت قليل جدا كسبهم كلهم في صفه. لدرجة ان المؤرخين بيأرخوا بداية الدولة الأيوبية في مصر من يوم تولي "صلاح الدين" كرسي الوزارة في عهد الدولة الفاطمية أساسا. يعني الدولة الفاطمية أيام وزارة "صلاح الدين" كانت صورة، أي كلام يعني، تحصيل حاصل.  

لما السلطان "نور الدين محمود" عرف ان "صلاح الدين" مسك وزارة مصر انبسط واستبشر، وراح باعت مدد من الجنود علي مصر كان علي رأسهم "شمس الدين توران شاه بن نجم الدين أيوب" أخو "صلاح الدين". ولما وصل المدد ده شوكة "صلاح الدين" قويت أكتر وثبت دعائم ملكه. ومن بعدها بقت المنابر بعد الخطبة تدعو للخليفة "العاضد" ومن بعده للسلطان "نور الدين محمود" اللي كان "صلاح الدين" لسه بيحكم بإسمه.

وكعادة الدنيا زي ما فيه أحباب فيه كمان أعداء، وزي مافيه ناس تفرح لفرحك فيه اللي بيغير منك ومن نجاحك. كان فيه واحد اسمه "مؤتمن الخلافة نجاح" ده كان عبد خصي سوداني، كان متربي في قصر الخلافة الفاطمية. ووصل من السلطة والنفوذ انه كونله اعوان وعشيرة كبيرة في السودان, زكان شايف نفسه أحق من "صلاح الدين" بالوزارة. راح كاتب رسالة ل "عموري الصليبي" ملك بيت المقدس، بيحرضه فيها علي الهجوم علي مصر والقضاء علي "صلاح الدين" وطبعا مع وعود بمساعدته. لكن من حسن الحظ وتدابير ربنا ان الرسالة دي تقع في ايد واحد من أتباع "صلاح الدين". لكن "صلاح الدين" سكت وكتم معرفته باللي حصل، وكل اللي عمله انه جهز جنوده وحصن بيهم اسكندرية وبلبيس، البلاد اللي دايما بيخش منها الصليبيين مصر. 

الفكرة في ان "صلاح الدين" مرضيش يقبض عليه أو يقتله عشان متحصلش ثورة من أتباع "مؤتمن" في نفس وقت زحف الصليبيين عليه. في الوقت ده كان "عموري" وملوك الصليبيين في رعب من تولي "صلاح الدين" كرسي الوزارة ومن قوة حكمه اللي ظهر بيها خصوصا انه بيحكم بإسم "نور الدين محمود". يعني كده مصر والشام أصبحت من أملاك "نور الدين محمود" والصليبيين في وسطهم بين السندان والمطرقة. 

بعت "عموري الصليبي" ملك بيت المقدس رسالة لملوك وأباطرة أوروبا بيطلب منهم الانقاذ، وتجهيز حملة صليبية جديدة تستهدف مصر. وبعد مشاورات وقبول ورفض، طلعت حملة صليبية من أوروبا محملة بالجنود والأموال والذخيرة. واتجهت لمصر، لكنها خالفت توقعات "صلاح الدين" ونزلت في دمياط سنة 1169م. 

فضلت عين "صلاح الدين" علي الاحداث، عين جوا علي "مؤتمن" وعين برا علي الصليبيين في دمياط. عمل "صلاح الدين" احتياطاته عشان متعديش مراكب الصليبيين في النيل للقاهرة، بإنه رما في قلب النيل سلاسل حديد تعوق المراكب انها تمشي. وبعت رسالة للسلطان "نور الدين محمود" بيطلب منه المساعدة والمدد. فبعتله فعلا المدد من الجنود والاسلحة واتجهوا مباشرة علي دمياط، عشان "صلاح الدين" مكنش يقدر يسيب القاهرة و"مؤتمن" موجود. ولما اطمن "صلاح الدين" من وصول المدد وقوة جبهة جيشه في دمياط، راح عامل خطة سحب بيها "مؤتمن" الخاين برا القاهرة وخلص عليه. 

السلطان "نور الدين محمود" مكتفاش بالمدد اللي بعته مصر. ده قام بنفسه وهجم علي الولايات الشامية اللي تحت الاحتلال الصليبي، فحاصر الكرك والموصل، واستشهد شقيقه "قطب الدين" في معركة من المعارك دي. عشان يشتت جبهة الصليبيين ويضعفهم. وبعد 50 يوم كر وفر في دمياط، الصليبيين انهزموا وانسحبوا مدحورين. في نفس ذات الوقت ثار السودانيين أعوان "مؤتمن الخلافة نجاح" علي "صلاح الدين" بسبب مقتله. فاتحرك الجيش من دمياط علي السودان قضي علي ثورتهم في يومين ورجع القاهرة بالسلامة.

عدت 3 سنين عاش فيها "صلاح الدين" كوزير لمصر، خالط فيها الناس والحكام، وشاف عجائب المذهب الشيعي اللي بتعارض مذهبه السني بشكل كبير جدا. وخدله لفة كده وشاف عامة الناس اللي مفروض انهم سنة، بدأ يدخل في عقيدتهم حاجات من التشيع. ماهو قالوا في المثل من عاشر القوم 40 يوم صبحوا منهم، ودول معاشرين الشيعة 200 سنة، غصب عنهم برده. راح مأسس مدرستين كبار للمذهب السني. "المدرسة الناصرية" و "المدرسة الكاملية"، عشان يرجع السنة علي مذهبهم وعقيدتهم السليمة، وعشان كمان يمهد للناس التحول الجذري اللي ناوي يعمله ومخططه مع السلطان "نور الدين محمود".

فالسلطان "نور الدين محمود" كان علي طول بيبعتله رسايل بيطلب منه قلب الخلافة الفاطمية، وده من خلال الدعاء في المنابر للخليفة العباسي مش للخليفة الفاطمي. بس "صلاح الدين" كانت عنده سياسة النفس الطويل وخصوصا في الأمور اللي بتتعلق بعامة الشعب. فاختار التمهيد الأول للناس عشان يجذبهم ويأمن جانبهم. 

لحد ما جت سنة1171م. والخليفة الفاطمي "العاضد" أصابه المرض. وهنا كترت رسايل الالحاح من السلطان "نور الدين" علي "صلاح الدين". وفي سبتمبر 1171م، يوم الجمعة أول رجب 567 هجري. طلع عالم أعجمي معروف بإسم "الأمير العالم" علي منبر المسجد وخطب في الناس ودعا للخليفة العباسي بدل الفاطمي. 

ابن الأثير قال ان الناس سمعت الدعاء وتقبلته بسكون عجيب كأنهم كانوا متوقعينه. بس فهموا ان خلاص كده باي باي فاطميين، باي باي شيعة. هنا طلع "صلاح الدين" وطلب من الناس كتم الخبر عن الخليفة "العاضد" لأنه كان أصلا بيحتضر فملهاش لازمة يموت مقهور. وفعلا مات الخليفة الفاطمي "العاضد" بعد عزله ب 3 أيام من غير مايعرف الخبر. وأقام "صلاح الدين" له العزاء في 3 أيام، وأكرم أهله وأحسن اليهم، وكانوا في رعاية وعناية "صلاح الدين" الشخصية حتي وفاته.

يتبع.....

مروة طلعت
3 / 9 / 2022
المصادر:
صلاح الدين الأيوبي بطل حطين ومحرر القدس من الصليبيين ل "عبد الله ناصح علوان".
سيرة صلاح الدين الايوبي ل "القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد".
صلاح الدين الايوبي ل "أ.د. سعيد عاشور".
الكامل في التاريخ ل "ابن الأثير".



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الليث بن سعد 5

الدكتور نجيب محفوظ باشا

هل تعلم أن جدك الأكبر كان من آكلي لحوم البشر؟