صلاح الدين الايوبي 14
في سنة 574هجري 1178ميلادي، كانت الأحداث في غاية الاشتعال في قلب العالم الاسلامي. كان السلطان الناصر "صلاح الدين الايوبي" في الشام بيحاول يسد أي ثغرات في الجبهة الشامية، وبيعيد تشكيل حكام إماراتها بشكل يخليه يتطمن من ترابطهم وولاءهم ليه. يادوب كانوا خلصوا من محاولة الصليبيين الفاشلة في الاستيلاء علي حماة وحارم، اتفق "صلاح الدين" مع الصليبيين علي معاهدة صلح بينهم. مفيش وقت كبير الا والصليبيين نقضوا المعاهدة وفضلوا يلفوا نواحي دمشق وينهبوا المدن اللي حواليها. فأمر "صلاح الدين" ابن أخوه "عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب" انه يجهز جيشه، عشان "صلاح الدين" في الوقت ده مشغول في بعلبك مع "شمس الدين بن المقدم"، ورفض الاخير تسليم بعلبك ل "صلاح الدين". اتكلمنا عن الحكاية دي بالتفصيل في الجزء اللي فات واللينك في آخر المقال . وخرج "عز الدين فروخ شاه" لقتال الصليبيين وأنتصر عليهم، وقتل وأسر منهم ملوك وقواد كتيرمنهم ملك الناصرة وده كان من أهم ملوك الصليبيين في الشرق، وطلع منهم بغنايم أكتر.
في نفس ذات الوقت استغل الصليبيين انشغال "صلاح الدين" في بعلبك وفي دمشق، وزادوا للطين بلة، وعند بلدة صيدا بلبنان حاليا، راح الصليبيين بنيين حصن أو قلعة فوق تلة ارتفاعها 80 متر، اسمها قلعة بيت الأحزان ويقال إنه كان مكان بيت سيدنا يعقوب عليه السلام عشان كده اسمه بيت الأحزان. القلعة دي كان موقعها استراتيجي، وده لأن المياة كانت بتلف حواليها بشكل بيضاوي من كل الجهات ماعدا الجهة الجنوبية، وكمان كانت متحكمة في الوادي كله لانها علي تلة عالية فكاشفة الي ماشاء الله، وعن طريقها كانوا بيقطعوا قوافل العرب والمسلمين. فقلعة زي دي في مكان زي ده مش مريح خالص لجيش المسلمين.
بعد ما فاق "صلاح الدين" من مشكلة بعلبك واتصالح مع "ابن المقدم"، وخلص من الحرب اللي دارت. انتبه لموضوع القلعة، وبعت رسالة للصليبيين بيطلب منهم بلهجة حادة فيها تهديد، انهم لازم يهدوا القلعة. ردوا عليه وقالوله ادفع تمن بنيانها ونهدها، فعرض "صلاح الدين" عليهم 100 ألف دينار فعملوا ودن من طين وودن من عجين. فبعت "صلاح الدين" برسالة عاجلة لأخوه "العادل أبو بكر" نائبه علي مصر، بيطلب منه تجهيز جيش مقداره ألف وخمسمية فارس، الناس دي مينفعش معاهم الحلول السلمية.
ونزل جيش "صلاح الدين" سنة 575 هجرية تل القاضي ببانياس في سوريا حاليا، في مكان اسمه مرج عيون، وهو ناويلهم علي شر. وقابل جيش الصليبيين هناك بقيادة "بلدوين الرابع". وربنا كتب ل "صلاح الدين" النصر المبين. وكمان اتحرك الاسطول المصري اللي جدده "صلاح الدين" وهاجم امارة طرطوس حاليا في سوريا، وكبدهم خساير كبيرة. واتقتل واتأسر من الصليبيين ملوك وفرسان وجنود بأعداد كبيرة. لدرجة انه من كتر الأسري فضل يستعرضهم أدامه وهم متهانين في السلاسل، اللي منهم ملك الرملة وملك طبرية وملك قسطلان وملك يافا، من بعد ما صلي العشا لحد ما قام يصلي الفجر. وأمر بحبس الأسري في قلعة دمشق الا اللي عاوز منهم يفتدي نفسه بالفلوس. والمضحك بقي ان ملك الرملة لوحده افتدي نفسه ب 150 ألف دينار، أكتر من المبلغ اللي كانوا هيخدوه من "صلاح الدين" لو كانوا سمعوا الكلام من الأول وهدوا القلعة، انما نقول ايه عالم متجيش الا بالشدة عشان يعرفوا مقامهم. وقصاد كمان حريتهم أطلق سراح 1000 أسيرمسلم من بلاد الصليبيين. وفي النهاية اضطر "بلدوين الرابع" و "ريموند التالت" عقد هدنة مع "صلاح الدين" ياخدوا فيها نفسهم.
وفي نفس ذات وقت موقعة مرج عيون ماهي دايرة، كان ابن أخوه "تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب" علي رأس جيش بمقدار 800 فارس، متجه لحصن رعنان اللي كان محاصرها ملك الروم "فرارسلان" ب 20 ألف مقاتل. وقدر "تقي الدين عمر" بأمر الله يهزم ال 20 ألف بال 800 اللي معاه. وفك حصار الحصن في نفس يوم انتصار"صلاح الدين" في مرج عيون. وكانت حصن رعنان التعويض اللي اداه "صلاح الدين" ل "شمس الدين بن المقدم" عن بعلبك.
ولما تقدم "صلاح الدين" بجيشه لحصن بيت الأحزان، كان مرابط جواه تقريبا 1000 صليبي لسه، فحاصره لمدة 14 يوم، ورماهم بالنيران وهد الحصن عليهم بالمجانيق. لحد ما مات منهم اللي مات وأسر الباقي ووداهم مع اخواتهم دمشق، واخد الاسلحة والغنايم منهم الكتير.
في سنة 576 هجري 1180 ميلادي، و"صلاح الدين" كان لسه في الشام وبالتحديد في حمص، جاله خبر من أصعب وأقسي الأخبار علي قلبه. وهو موت أحب أخوته الي قلبه "شمس الدين توران شاه بن أيوب". رفيقه ودراعه اليمين منذ البدايات، واللي اعتمد عليه في فتح اليمن، وبالفعل فتحها وحكمها فترة. وكان "شمس الدين توران شاه" كريم وشجاع، عظيم الهيبة، كبير النفس، واسع النفقة والعطاء، فيه كتير من صفات أخوه "صلاح الدين". وقبل وفاته بخمس سنين رجع لأخوه في دمشق، واستقبله يومها "صلاح الدين" بلهفة وشوق لطول الغياب، وخلع عليه الألقاب. واداله حكم دمشق ومن بعدها اداله حكم الاسكندرية, لحد ما توفاه الله بسبب مرض القولون زي عمه "أسد الدين شيركوه". يومها بكي "صلاح الدين" وحزن حزن شديد. ولما توفي "توران شاه" أخدته أختهم الوحيدة "ست الشام بنت أيوب" ودفنته بتربتها في الشام عشان يبقي جنب تربتها لما تموت.
ومن بعدها ساب "صلاح الدين" مكانه في الشام لابن اخوه "عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه" وسافر في رجب علي مصر. وفي مصر بدأ يتابع التحصينات والأسوار والابراج في اسكندرية اللي طلبها، وفي القاهرة تابع سير بناء قلعة الجبل.
وفجأة وصل ل "صلاح الدين" خبر وفاة "الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود" وكان عمره 20 سنة، في قلعة حلب. ويقال ان الملك الصالح مات مسموم علي ايد الأمير "علم الدين سليمان بن حيدر". ولما حاول الأطباء انقاذ الشاب الصغير فقالوله دواك في شرب الخمر. وجابوله الفقهاء اللي اجازوله شربها لو فيها انقاذ لحياته. فقالهم الملك الصالح: "أيزيد شربها في أجلي أو ينقص منه تركها شيئا؟. قالوا: لا، قال: فوالله، لا أشربها، وألقي الله، وقد شربت ما حرمه علي". فعلا ونعم تربية "نور الدين محمود" رحمهم الله. ومن بعدها جمع أمراؤه ووصي ان يكون الملك من بعده هو ابن عمه "عز الدين مسعود بن قطب الدين" اللي كان والي الموصل وقتها. وفاضت روح الملك الشاب الي بارئها.
لما دخل "عز الدين مسعود" حلب وتسلمها، بدأ رفقاء السوء يزنوا في ودانه ويطمعوه يدخل دمشق وياخدها، بما ان "صلاح الدين" موجود في مصر. لكن "عز الدين" رد عليهم وقالهم بينا وبين "صلاح الدين" عهود وانا مخنش الأمانة. لكن أخوه "عماد الدين زنكي"، اللي علي إسم جده، والي سنجار بعتله رسالة وقاله ايه رأيك نبدل أنا اخد حلب وانت تاخد سنجار.
لما سمع "صلاح الدين" بالحوار ده، راح مسافر يتفرج بنفسه علي اللعب وتبديل الأدوار اللطيف ده. ودخل علي "عز الدين مسعود" فراح مسلمله سنجار، ودخل علي "عماد الدين زنكي" راح برده مسلمله حلب، بكل أدب. ما هم عارفين فرق القوي واللي يقف منهم قصاد "صلاح الدين" خسران.
وأخيرا دخل "صلاح الدين" حلب، وسط ترحيب الأهالي وتكبيرهم وتهليلهم. وبعد سعي ومجهود كبير في سنوات كتير قدر "صلاح الدين" ينتصرعلي كل القوي اللي واجهته وقدر يحقق الوحدة الاسلامية بين العراق والشام ومصر، ونصر الله عبده.
يتبع
مروة طلعت
تعليقات
إرسال تعليق