صلاح الدين الايوبي 12

 مكانش خروج "صلاح الدين الأيوبي" للشام لمصلحته الشخصية، كانت للمصلحة العامة. وهي تحقيق وحدة البلاد الاسلامية بعد ما اتفككت من بعد موت "الملك العادل نور الدين محمود". والوقوف صف واحد وقوي قصاد الصليبيين وطردهم من البلاد الاسلامية. لكن الطمع بيعمي البصر والبصيرة، الأمراء من بعد "نور الدين محمود"، كان كل همهم كل واحد يخطف حتة من التورتة ويجري. المهم الغنايم والفلوس والسلطة، حتي لو علي حساب الرعية، حتي لو تحالفوا مع الأعداء في سبيل استمرار وجودهم في مناصبهم، أبقي خاين مش مهم لكن أفضل عايم علي وش الفتة. الناس دي بالنسبة ل "صلاح الدين"- وبالنسبة لأي حد في كل الأزمان - كانوا أخطر من الصليبيين نفسهم.

"الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود" كان طفل صغير 11 سنة، وفرحان بنفسه انه بقي الملك، ولا كان فاهم حاجة من اللي حواليه، ولا عارف مين العدو ومين الصديق. قعدوه في حلب، و "كمشتكين" اللي استولي علي حلب بالخديعة من حاكمها الأصلي "شمس الدين بن الداية"، عمله غسيل مخ. اداله حتة شاكاليته، وفهمه ان "صلاح الدين" هو العدو المفترس، أسد الغاب طويل الناب، اللي جاي يقتله وياخد منه مملكته. وان تحالفهم مع الاسماعيلية الشيعة والصليبيين هو الصح لحمايته. وطبعا "الصالح إسماعيل" صدقه وبقي شايف فيه بابا المنقذ، وبقي لعبة في ايد "كمشتكين" يحركه مطرح ما يحب هواه وكله بالشرعية، الملك اللي عاوز، الملك اللي تحالف، الملك اللي رفض، الملك اللي وافق.

لما تحالف "سعد الدولة كمشتكين" مع الصليبيين، واخد "ريموند التالت"، حاكم إنطاكية والوصي علي بيت المقدس، جنوده وطلع بيهم علي حمص عشان يجذب "صلاح الدين" وجيشه للدفاع عنها ويفك حصار حلب. وده حكيناه بالتفصيل في الجزء الحادي عشر اللي هتلاقي لينكه تحت في أخر المقال . أول ما الجيش الصليبي في حمص شاف جيش "صلاح الدين" داخل عليهم، راح لافف وجري. هي أصلا مهمتهم كانت لفت الانتباه مش أكتر، لأنهم مكنوش بقوة جيش "صلاح الدين" ولا عندهم استعداد للمواجهة في الوقت الحالي. "صلاح الدين" شاف اللي حصل، راح مكمل سكته لحد دمشق وفي السكة قدر يضم بعلبك، ومن بعدها هيأ جيشه ولافف وراجع لحلب تاني. الاخبار وصلت ل "كمشتكين" أن "صلاح الدين" راجعله تاني، قال لا بقي ده احنا كده مش هنخلص. المرة دي فكر يستعين ب "سيف الدين غازي" حاكم الموصلوابن أخو "نور الدين محمود" - فاكرينه الحاكم الفرفوش اللي اتكلمنا عنه بالتفصيل في الجزء العاشر اللي هتلاقوا لينكه برده في أخر المقال .

المرة دي مكدبش "سيف الدين غازي" خبر، وجهز جيشه بكل الأسلحة والمؤن والمعدات بقيادة أخوه "عز الدين". وانضم ليه جيش "كمشتكين"، واتجهوا لجيش "صلاح الدين" اللي كان لسه رايح لحلب. "صلاح الدين" برده كان لسه مصر ميحصلش حرب بينه وبينهم، دول مهما كان كانوا في يوم من الأيام حلفاء تحت راية "نور الدين محمود"، ده غير ان هدفه توحيدهم ولم شملهم مش مجد خاص بيه. فبعتلهم رسالة بمعني انه عاوز مصالحتهم ويحطوا ايديهم في ايد بعض مش أكتر، لدرجة قالهم انه هيفضل في دمشق بس وباقي البلاد الزنكية كلها في الشام تبقي تبعهم بس يبقي بينهم صلح وعهد وتعاون ضد الصليبيين، أظن كده عداه العيب وأزح. لكن يظهر كلامه ده اتفهم بمعني مختلف، المعني اللي فهموه أن "صلاح الدين" خايف من مواجهتهم عشان كده بيعرض العرض الفظيع ده، وعشان كده الغرور ركبهم ورفضوا عرضه وكمان قالوله يطلع من دمشق والشام كلها ويرجع مصر.

وفي 19 رمضان 570 هجري 1175م. وعلي مقربة من حماة، قامت المعركة ما بين جيش "صلاح الدين" والجيش الحلبي مع الموصلي. والنتيجة ان "صلاح الدين" سفلتهم بالمعني الحرفي.والجيش الحلبي والموصلي بقي يجري من ساحة المعركة مفزوعين زي الفراخ، يعني "ريموند التالت" كان أعقل منهم. وأسر منهم جنود كتير، وأخد غنايم أكتر، ما هم سابوا أسلحتهم وكل حاجة تقيلة وراهم عشان يعرفوا يجروا ويهربوا أسرع. فضل "سيف الدين غازي" يجري بجنوده لحد ما وصل الموصل، يقعد بقي كده ويتلم، أبدا. راح مجهز جيشه تاني، وخرج وكله أمل متعرفش جابه منين، عشان يكرر حربه مع "صلاح الدين". واتقابلوا في تل السلطان، هي هي نفس العلقة اللي فاتت لا زادت قتيل ولا نقصت أسير، بس المرة دي كل الاسلحة والغنايم اللي جهزهم بيها "سيف الدولة" وقعت في ايد "صلاح الدين".

جيش "كشمكين" و"الصالح إسماعيل" هرب ودخل حلب وقفل أسوارها وراهم. وبعتوا رسالة ل "صلاح الدين" قالوله لا تأذينا ولا نأذيك وسيبنا في حالنا وخليك في حالك. الله مش انتوا برده اللي رفضتوا الصلح في الأول بتعيطوا ليه دلوقتي.

ولما رجع حماة لقي ان الخليفة العباسي "المستضئ بأمر الله" باعتله الخلعة السنية والتشريفات العباسية والأعلام السود شعار العباسيين والتوقيع من الديوان بالسلطنة علي مصر والشام. يعني هو كده بقي رسمي وشرعي خليفة "نور الدين محمود" باعتراف الخليفة العباسي مش "الصالح إسماعيل". وبما انه أصبح السلطان، راح معين خاله "شهاب الدين محمود" حاكم علي حماة. وخرج بجيشه عدي علي حمص عين عليها ابن عمه "ناصر الدين بن أسد الدين شيركوه". وفضل متحرك ناحية حلب، وفي السكة ضم قلعة بزاعة ومنبج وقلعة عزاز. لحد ما وصل لحلب وضيق الحصار عليها.

ولما لقي "الصالح إسماعيل" ان خلاص كده مبقاش في ايده حاجة والحصار حواليه صعب جدا، بعت رسالة ل"صلاح الدين" بيطلب منه الصلح. ولأن "صلاح الدين" شهم ومبينساش الفضل والجميل، وكرامة لوالده "نور الدين محمود"، وافق فورا واداله حلب يكون حاكم عليها، بشرط يفك سجن "آل الداية" و"عز الدين بن جبريل"، وقد كان. وقبل ما يفك الحصار ويمشي فوجئ ببنت "نور الدين محمود" وأخت "الصالح إسماعيل" وهي "الخاتون بنت نور الدين" طالبة تقابله. فقابلها بحفاوة وكرم كبير، وكانت أصغر من الصالح يعني طفلة. واداها من المال والهدايا الثمينة، وقالها أؤمري أمرك نافذ، طبعا اللي كان باعتها أخوها عشان عارف ومتأكد ان "صلاح الدين" هيكرمها ومش هيردلها طلب، فقالتله احنا عاوزين قلعة عزاز. ومن غير نقاش وهبها ليهم، ورجعها لحلب في موكب وحرس يليق بمقام أبوها.

"صلاح الدين" ساب حلب، وخطف رجله لغرب حماة لحد قلعة الاسماعليين، عشان يصفي تار قديم بايت. فاكر في الجزء الحادي عشر لما حكينا محاولات اغتيالهم ل"صلاح الدين"، بفكرك ان اللينك هتلاقيه في أخر المقالة . وأهو جه اليوم اللي وقف فيه قصاد قلعتهم ونصبوا المجانيق، وهاتك يا دك، لحد ما سواها بالتراب. وطلع منها كل اللي نهبوه من الناس فلوس وحيوانات، ورجع للناس كل حاجة سرقوها منهم الاسماعيليين. ومعتقهمش الا لما اتشفع ليهم خاله "شهاب الدين محمود" حاكم حماة. لولا كده كان خلص عليهم كلهم.

رجع "صلاح الدين" لدمشق عشان يوحد الصفوف تاني بين كل دول الشام، وفضل فيها فترة من الوقت. وفي دمشق جاله أخوه "شمس الدين توران شاه" بعد ما أخد ملك اليمن، وأعطاه "صلاح الدين" لقب الملك المعظم.

كان لسه موجود في قلعة دمشق "عصمة الدين خاتون" أرملة "نور الدين محمود" وأم "الصالح إسماعيل". وكانت مشهورة عنها انها عابدة تقية تحفظ  القراءة القرآن وتحافظ علي قراءته الدائمة وقيام الليل، ودايما سباقة في أعمال الخير. وكان "نور الدين محمود" بياخد بمشورتها في أمور الحكم، ودايما كانت بتحمسه وتدفعه لمحاربة الصليبيين. فبعت "صلاح الدين" يطلب يدها، ووافقت "عصمة الدين خاتون"، واتجوزت "صلاح الدين الأيوبي" في صفر سنة 572هجري 1175م.

يتبع

مروة طلعت
13 / 9 / 2022
المصادر:
صلاح الدين الأيوبي بطل حطين ومحرر القدس من الصليبيين ل "عبد الله ناصح علوان".
سيرة صلاح الدين الايوبي ل "القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد".
صلاح الدين الايوبي ل "أ.د. سعيد عاشور".
الكامل في التاريخ ل "ابن الأثير".
البداية والنهاية الجزء 12 ل "ابن كثير".

الجزء الأول

والجزء الثاني
والجزء الثالث
والجزء الرابع
والجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
الجزء الثامن
الجزء التاسع
الجزء العاشر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا