صلاح الدين الايوبي 10

 شريعة البشر لا تختلف في كثير من الأحيان عن شريعة الغاب، فالقوي يحكم قبضته علي الضعيف. وكل طامع ينتظر لحظة غفلة أو نهاية القوي، عشان ياخد فرصته في التسلق والتجبر. وده نفس اللي حصل لما مات السلطان "نور الدين محمود" سنة 1174م. موته المفاجئ أربك كل الأطراف، سواء الجيش الزنكي، أو الأيوبين، أو الصليبيين. وكانت النتيجة تخبط النورانيين - أعوان ومواليين "نور الدين محمود" في الشام - وكانت دي لحظة خلع الأقنعة.

 كان ابن الملك العادل "نور الدين محمود"، الكبير وقت وفاته "الصالح اسماعيل" صغير عنده 11 سنة. لسه طفل وعضمه طري، ومفروض يحكم ملك مصر والشام، وتحت ايده جيش من أكبر الجيوش الاسلامية، جيش كان جايب للصليبيين تبول لا ارادي. وطفل زي ده لا هيعرف يصد ولا يرد، دي مملكة عاوزة ملك قوي يمسك لجام الامور بيد من حديد زي ما كان الملك العادل "نور الدين محمود" رحمه الله. والملك الصغير "الصالح إسماعيل" بقي لعبة في ايد الأمراء والولاة. لحد ما كان القرار الأسلم يتحط تحت وصاية الأتابك - قائد الجيش - الأمير "شمس الدين بن المقدم". والقرار ده اعترض عليه الأمراء التانيين كل واحد كان طمعان في الولاية علي الملك الصغير، وكان فيه اختلاف و شد وجذب كتير، نتج عنه تفرقة.

ومن ضمن المهازل اللي حصلت، خرج الأمير "سيف الدين غازي بن مودود" ابن اخو الملك العادل "نور الدين محمود"، واللي كان موليه إمارة الموصل في العراق، وأعلن فجوره، ايوه زي ما قريتها كده. اللي حصل ان الملك العادل "نور الدين محمود" كان راجل تقي جدا، وكان بيحكم بالشريعة بحذافيرها، محلل الحلال ومحرم الحرام. وكان من قوانينه الصارمه منع الخمور والمواخير وأي نوع من الموبقات والفواحش. وكان "سيف الدين" ملتزم وهو متضرر وخايف يعلن عن نفسه الخبيثة من قوة عمه، ورد فعله اللي أكيد هيزعله. فلما جاتله الفرصة وعمه مات واللي اتولي حتة عيل صغير لا راح ولا جة، قالك بااااس دي فرصتي، هو ده اللي حلمت بيه. وراح مطلع المنادي ينادي في الموصل كلها، ان الحاكم الفرفوش رزق، واللي عاوز يشرب الخمور يشرب، واللي عاوز يلعب ميسر يلعب، واللي عاوز يفتح ماخور يفتح، واللي عاوز يرقص ويغني يرقص، واللي عاوز يعربد يلا براحته الساحة فاضياله.

وانقلب الحال وبقي غير الحال، في يوم وليلة، الدولة اللي كان إسمها لوحده كفيل بإنه يرج قلوب الأعداء، تحولت من القوة والعزة، للضعف والسفاهة.وطمعت فيها الأعداء، وهنا قرر الصليبيين انتهاز الفرصة، وجه اليوم اللي الصليبيين فكروا فيه الهجوم علي دمشق، عاصمة "نور الدين محمود" نفسها. وزحف الجيش الصليبي علي دمشق، وطلع الأتابك "شمس الدين بن مقدم" يحاربهم في بانياس. ومن شدة تفكك الجيش، لأول مرة الجيش النوراني يضعف في المواجهة ويطلب الهدنة. وده حدث جلل وعار كبيربعد سنين العزة. المهم ان "عاموري" حاكم بيت المقدس وقائد الجيش الصليبي قبل الهدنة، بس مش عشان خايف من الهزيمة بالعكس النصر كان متاح له، بس هو عمل حساب ل "صلاح الدين الايوبي"، خاف ليجمع جيشه ويهجم عليه من ورا. وفي نفس الوقت أهي فرصة ياخد فيها أموال ويعبي من خزاين دمشق يضعفهم بيها أكتر.

لما عرف "صلاح الدين الايوبي" بالهدنة واللي وصلت له دمشق، غضب جدا، وبعت رسالة ل "ابن المقدم"، يلومه فيها لوم شديد، ان ازاي هادن الصليبيين وازاي يدفعلهم فلوس وهم اللي طول عمرهم أقل منهم. وبلغه إنه قرر يجي الشام عشان يحميها من الصليبيين. لكن "ابن المقدم" طبعا مكنش عاوز ده يحصل ويضيع الملك اللي وصله بوصايته علي "الصالح إسماعيل". فرد عليه برسالة فيها رفض شديد لتدخل "صلاح الدين" في شئونهم، وبلهجة شديدة الوقاحة. وفي نفس الوقت اللي بعت فيها رسالته ل"صلاح الدين"، وعاملي فيها غضنفر، كان من جواه بيترعش من رد فعل "صلاح الدين" لما يقرا رسالته اللي مليانة كلام كله إهانة. راح باعت رسالة تانية للفرفوش "سيف الدين غازي" يرجوه انه يجي دمشق بما انه ابن اخو "نور الدين محمود"، فوجوده بالحق الشرعي في الحكم، وأهي حجة يداري وراها من "صلاح الدين" لو غضب. لكن "سيف الدين" شك في الرسالة، واتهيقله ان الدعوة دي مجرد فخ لاصطياده في دمشق. 

كان الملك العادل "نور الدين محمود" شاكك في نوايا ابن أخوه "سيف الدين غازي"، فبعتله واحد من الخصيان يراقبه اسمه "سعد الدولة مستكين". وبسبب المراقبة دي كان "سيف الدين" ماشي علي الصراط المستقيم. فلما مات "نور الدين محمود"، وجهر "سيف الدين" بمعاصيه. عرف "سعد الدولة مستكين" ان "سيف الدولة" مش هيرحمه وهيطلع عليه القديم كله. فقرر يفلت بجلده، وفعلا هرب "سعد الدين" من الموصل قبل ما يقبض عليه "سيف الدولة. ولما وصل دمشق وسمع باللي حصل واللي كان، اقترح علي "ابن المقدم" انهم يبعتوا "الملك الصالح اسماعيل" لحلب يتربي فيها زي ما أبوه الله يرحمه اتربي علي ايد حكامها "بني الداية"، وفي نفس الوقت يبقي في أمان بعيد عن دمشق لو حصل فيها أي غزو سواء من الصليبيين أو "صلاح الدين". ودمشق تفضل تحت حكم الأتابك "شمس الدولة بن مقدم" ويخلاله الجو.

وخرجت أسرة "نور الدين محمود" كلها من دمشق مع "الملك الصالح إسماعيل" ومعاه بعض الأمراء، الطمعانين في حلب طبعا. دخولهم حلب علي "بني الداية" كان بتمهيد طبعا وفهموهم ان الملك الصغير هيكون تحت عنايتهم وتربيتهم. فرحب حاكم حلب "شمس الدين علي بن الداية" بكل سلامة نية بيهم في حلب. لكن بكل غدر قبض الأمراء عليه وعلي اخواته وحبسوهم في سجن تحت الأرض، واستولوا علي امارة حلب.

وبرده الحكاية دي لما وصلت ل "صلاح الدين الايوبي"، ادايق جدا وبعت رسايل لأمراء الشام ول"ابن المقدم"، بيستنكر فيها اللي حصل. عشان "بني الداية" كانوا قوم مقربين جدا من "نور الدين محمود" وهم الأحق فعلا بتربيه ابنه "الصالح إسماعيل". وبرده وصل ل "صلاح الدين" رسايل بترد علي كلامه من الامراء و "ابن المقدم" في منتهي السخافة والرعونة. وهنا قرر "صلاح الدين" التدخل في الشام، لان كده الأمور وسعت أوي، والصليبيين ان صبروا وهادنوا مرة، فمش هتتكرر تاني، والشام  كده هتضيع.

لكن حصلت حاجة كتفت "صلاح الدين" ومخليتوش ياخد خطوة الخروج للشام. كان لسه فيه في مصر أنصار للدولة الفاطمية اللي بيحلموا برجوع الشيعة للحكم من تاني. فجمعوا بعضهم تحت هدف إقامة الدعوة العلوية وردها الي ما كانت عليه. وعشان يحققوا هدفهم كان لازملهم حليف قوي. فراحوا لشاعر اسمه "عمارة اليمني" اللي كان متعصب جدا للدولة الفاطمية علي الرغم انه مكنش اصلا شيعي. فراح "عمارة" باعت رسالة للحشاشين في ايران، بما انهم شيعة زي الفاطميين، لكنهم في حقيقة الامر منظمة ارها.بية بتشتغل تبع اللي يدفع أكتر، قتلة مأجورين يعني. واتفق معاهم علي تصفية عدد من الأمراء والملوك من ضمنهم "صلاح الدين" نفسه. وفي نفس الوقت بعتوا رسالة ل"عموري الصليبي" ملك بيت المقدس بيدعوه لغزو مصر، وهينضموا ليه ويساعدوه بالنفيس والغالي. راح باعت "عموري" رسول للقاهرة تحت شعار حمل تحيات الملك الصليبي لصلاح الدين، لكنه في الحقيقة جاسوس بعته يقابل المتآمرين ويتفق معاهم.

والخطة استوت علي الاخر وكل الاطراف بدأت تنفذ مخططها، وبعت "عموري" رسالة لملك صقلية "ولين النورماني" بتحريك اسطوله لمهاجمة الاسكندرية، ووعده بثقة باحتلال مصر. ووصلت ثقة المتآمرين بإن كله تمام، إنهم شكلوا بينهم وبين بعضهم الوزارة الجديدة اللي هيكونوا مكان "صلاح الدين" ووزرائه، واتقاسموا الأدوار والأملاك، علي خيرة الله.

 قال الله تعالي "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". في عز أحلامهم الوردية دي. واحد من المتآمرين تقريبا معجبهوش نصيبه في التقسيمة اسمه " زين الدين علي بن نجا"، قالك انا أروح افتش سرهم ل "صلاح الدين" وأقبض منه مكافأة أكبر احسن. وقد كان وعرف "صلاح الدين" بالمؤامرة، وكان علي علم ان فيه رسول تاني جايله من "عموري" شايل ومحمل بالهدايا وآيات الود والمحبة، فاستناه لما جه، وحطه تحت مراقبة شديدة بمساعدة الأقباط، لحد ما قبض عليه هو والمتآمرين متلبسين. وحكم بالصلب علي زعماؤهم "عمارة اليمني و عبد الصمد الكاتب و العوريس القاضي". وبعت المنادي يلف ويؤمر كل الجنود وحاشية القصر الفاطمي بالرحيل للسودان. ومن ساعتها والفاطميين متقاملهمش قومة في القاهرة تاني. لما عرف الملك "عاموري الصليبي" بانكشاف المؤامرة، في نفس الوقت خروج الاسطول الصقلي خلاص، ففهم ان الصقليين هينهزموا، والملامة هتنزل عليه يمين وشمال، قلبه مستحملش وجاتله ازمة قلبية ومات سنة 1174م.

 فوجئ أهل اسكندرية، بأسطول صليبي ضخم داخل عليهم، جاي من صقلية. ونصبوا المنجنيقات، وفضلوا يضربوا البلد ويولعوا في مراكب المصريين وبيوتهم، والأهالي نزلت بنفسها تحاربهم، واتق.تل ناس كتير من الطرفين. الصليبيين يولعوا والاسكندرانية يولعوا في المنجنيقات نفسها. في الوقت ده "صلاح الدين" كان في فاقوس، علي ما الخبر وصله، وجمع جيشه وطلع اسكندرية كان عدي 3 أيام علي الضرب ده كله. لكن أول ما "صلاح الدين" دخل بجيشه اسكندرية، دخل علي الصليبيين دخلة جابت من الآخر. دخل الجيش عليهم كمل علي اللي عمله فيهم الاسكندرانية، ومكنش قدام الصليبيين غير الهروب للبحر أو الق.تل أو الأسر. وخد "صلاح الدين" كل حاجة جاية في الحملة غنيمة، أموال و خيول وأسحلة وخيام، وقليل منهم اللي قدر ياخد مركبه ويهرب لصقلية تاني.

بعدها بكام شهر في سنة 1175م، طلع واحد في أسوان اسمه "كنز الدولة" أو "عباس بن شادي" عاوز برده يعيد الخلافة الفاطمية. وانضم ليه جماعة من الجماعة اللي طردهم "صلاح الدين" من القاهرة في مؤامرة "عمارة اليمني". وكونله جيش بمشاركة "قياس بن شادي". وطلع "قياس" بجيشه علي قوص واخدها. وطلع "كنز الدولة" بجيشه علي طود. فلما وصلت الاخبار "صلاح الدين"، بعت أخوه "العادل أبا بكر"علي رأس جيش، دخل قوص وقضي علي "قياس بن شادي" والناس اللي معاه. وبعده طلع علي طود، واستمرت حروب بينه وبين كنز الدولة، وفي الاخر قضي عليه هو واللي معاه. وفي فركة كعب كده خلص اللي وراه ولف ورجع القاهرة تاني.

وبكده قدر "صلاح الدين الأيوبي" يقضي علي كل الفتن والصراعات الداخلية. ونفض ايديه منها. وابتدي يبص علي المصلحة العامة للمسلمين في الشام. 

يتبع.....
مروة طلعت
9 / 9 / 2022
المصادر:
صلاح الدين الأيوبي بطل حطين ومحرر القدس من الصليبيين ل "عبد الله ناصح علوان".
سيرة صلاح الدين الايوبي ل "القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد".
صلاح الدين الايوبي ل "أ.د. سعيد عاشور".
الكامل في التاريخ ل "ابن الأثير".
البداية والنهاية الجزء 12 ل "ابن كثير".

الجزء الأول

والجزء الثاني
والجزء الثالث
والجزء الرابع
والجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
الجزء الثامن


 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الليث بن سعد 5

"ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون" الجزء الأول

هل تعلم أن جدك الأكبر كان من آكلي لحوم البشر؟