حائط باب العيد
سمعت اكيد عن جريمة ق.تل الطالبة نيرة أشرف علي ايد زميلها محمد عادل. جريمة بشعة هزت مصر كلها، وطلع وراه ناس أخدته قدوة وقلدته. وكأننا خلاص مبقيناش نقلد غير كل قبيح. انا مش جاية هنا عشان احكي عنهم. انا جاية أركز علي نقطة مهمة اوي، إن رغم الجريمة البشعة دي حصلت في ميدان عام وسط مئات البشر، لا وكمان متصورة وشافها العالم كله مش مصر بس. إلا أن فيه عدد مش قليل متعاطف مع القا.تل، وادوله مببرات، وطعنوا في سمعة وشرف القت.يلة، لمجرد تبرئة القا.تل. وجمعوله فلوس ولا كانه وقف خيري عشان يقوموله أكبر محامي في البلد يدافع عنه. طبعا الناس الطبيعيين استغربوا واتنرفزوا واتجننوا وشجبوا وشتموا. ليهم حق، بس انا جاية اقولك اهدي يا معلم صحتك، دي طبيعة فينا.
هتقولي طبيعة ازاي، وهتبتدي تشتمني انا كمان هقولك استني قبل ما تاخد اي ذنوب تعالي اسمع الحكاية دي.
القاهرة في سنة ١٣٨٠م، أيام الحكم المملوكي لمصر. تسمع عن درس قرمز في الجمالية؟. هناك فيه قصر من قصور الحكم الفاطمي، ومنه باب اسمه باب العيد، كان بيخرج منه الخليفة وجنوده يوم العيد يعيد علي الشعب. مع الزمن القصر انهدم وفضل منه في الوقت اللي بنحكي فيه حكايتنا الباب بس، فاتسمت الساحة الفاضية اللي مكان القصر رحبة باب العيد.
كما ذكر المقريزي، في المنطقة دي كان فيه راجل عايش فيها اسمه "أحمد بن الفيشي"، كان راجل علي اد حاله وشغلته شاهد زور. اي حد محتاج شهادة لاي حاجة يجيبه يشهد ويخلف بالله كدب بقي أو صدق وياخد قرشين ويمشي.
في يوم بالليل، النسمة كانت عليلة، طلع "الفيشي" يقعد قصاد حيطة في الساحة جنب بيته في الطراوة. فجأة سمع صوت خشن طالع من جوا الحيطة اللي ساند عليها بيزعق ويقوله: "يترجل اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف". طبعا في الوقت ده والجو ليل والدنيا سكوت ولا سكوت المقابر، ويطلع الصوت ده من جوا حيطة، خلت الراجل اتنفض من مكانه واترعب وطلع يجري. طبعا قالك ده عفريت وش. تاني يوم يتكرر الموضوع بحذافيره، بس المرة دي مسك نفسه وقام لف حوالين الحيطة ويخبط عليها ملقاش حاجة، مجرد حيطة مبنية صماء بكماء. ولما تتكرر الموضوع لتالت مرة، جري نده علي أصحابه يتفرجوا علي الحيطة اللي بتتكلم، عشان يتأكد أنه متجننش ولا حاجة. جه كل واحد يعمل شجيع السينما اللي مش همه يكلم الحيطة تقوم الحيطة ترد عليه يترعب ويطلع يجري.
طبعا موضوع الحيطة انتشر زي النار في الهشيم في المنطقة. وكله بيتكلم برعب عن الحيطة اللي بتتكلم بالليل.
بس "الفيشي" راجل خبير برده والكدب مبيعديش عليه بالساهل. فكر كده وقالك عفريت ايه ده اللي كل ما يكلمه يقوله عاشر مراتك بالمعروف. راح لمراته وأكلها علقة متينة، الست مستحملتش واعترفت أن هي اللي كانت بتستخبي في مكان مش متشاف جوا الحيطة وبتكلمه.
"الفيشي" مقفش علي مراته اوي، عشان لقاها فكرة خبيثة يقدر ياكل من وراها الشهد. وبما أن سيرة الحيطة سمعت اوي كده في الحتة وفي وقت قياسي يبقي دي فرصته.
قام "الفيشي" يزود علي حكاية الحيطة اللي بتتكلم البهارات بتاعته، وقتلهم إن الحيطة بتنصح كل واحد يعمل ايه ويحرص من ايه. وعشان الناس بتعشق الغيبيات والخرافات، ويحبوا اللي يضحك عليهم. فالناس بقت تروح للحيطة بالزوفة، طافات طافات. وبقت الحيطة تدي النصائح والتحذيرات، والناس في الاول تسمع وتستعجب، وبعدها تكبر وتهلل، وتحط اللي حيلتها في الصندوق سواء فلوس أو طيور أو غلال وتمشي مصدقة.
الناس بقت مؤمنة بكرامات الحيطة وسمعت في البلد كلها، لدرجة أن "الفيشي" مرة طلع علي قصر الأمير المملوكي "سيف الدين برقوق"، اللي كان اقوي أمير مملوكي وقتها ومسيطر علي العرش نفسه. راح "الفيشي" ومعاه زيارة وهدايا للأمير وكحك، وقاله الحيطة بتقولك اتق الله واعدا في الرعية، المضحك بقي أن "برقوق" بجلالة قدره صدقه وخاف، وبدأ يعدل في حكمه بين الناس.
وزاد الطين بلة، كان فيه درويش مشهور اسمه "عمر الركن" عايش علي سطح جامع "عمرو بن العاص"، والناس بيتباركوا بيه، كان بيدعي للناس من غير مقابل. الراجل الطيب ده لما سمع عن الحيطة وصدقها زي أغلب الناس، نزل من سطح الجامع وراح ل "الفيشي"، يتبارك بالحيطة. ف "الفيشي" لقاها فرصة ذهبية، راجل مبروك الناس بتحبه يجي يتبارك بالحيطة، كده اللي مصدقش هيصدق، والخير هيزيد، واخده سكنه عنده في بيته.
والحكاية اتسبكت والناس امنت حد التضحية بالروح والدم، واتحولت الحيطة لحائط المبكي حرفيا.
حوار الحيطة ده وصل لمحتسب القاهرة القاضي "جمال الدين بن محمود العجمي". الراجل ده كان متدين وعارف ربنا كويس، فالكلام ده بالنسبة له كفر وهرطقة. بعت لل"فيشي" وكلمه الاول بالحسني، وقاله بطل شعوذة وانام احسنلك. بس "الفيشي" طلع من عنده رامي كلامه من ودنه وكمل في هجصه.
القاضي قالك تمام اوي كده، انا عملت اللي عليا وانت مبتجيش بالحسني، يبقي قضي الامر. دخل العساكر علي بيت "الفيشي" وجروه هو ومراته و"عمر الركن" اللي عايش معاهم في البيت. وفي الزنزانة حيوهم تحية معتبرة، وكالعادة مراته مستحملتش وقرت بكل حاجة. راح القاضي واحدهم متربطين علي بيت الأمير "سيف الدين برقوق"، وهناك اعترفوا قصاده باللي حصل واللي كان. طبعا الأمير "برقوق" سمع كده وودانه صفرا من القلم اللي كان مديهوله "الفيشي" قبل كده. وبكل الغيظ اللي فيه راح حكم علي الراحلين بالضرب بالمقرعةوعلي الست الضرب بالخرزانة. وبعد ما خدوا نصيبهم من الحكم، أمر أن التلاتة يتمسمروا علي عمدان خشب ويركبوا جمال تلف بيهم القاهرة كنوع من الفضيحة والتجريس.
حلو اوي الكلام لحد كده حقه وحقهم وقانون واتاخد وكان كمان رحيم بيهم قدام الفساد في الأرض اللي نشروه. مجرمين دجالين مشعوذين ناشرين الخرافات معترفين بنفسهم في اكتر من مكان قصاد أشخاص مختلفة بنفس الأقوال من غير تغيير، والعينية بعينة، فعل يحرمه كل شرع ودين، ضاحكين علي الناس وواخدين فلوسهم، وكل فرد في المدينة واكل علي قفاه منهم.
ورغم كده وقت ما عدوا قصاد الناس متجرسين، بقت الناس يبصوا ويتصعبوا عليهم، اه والله زي مابقولك كده، بقوا صعبانين ع الناس ويشتموا في القاضي والأمير.
المضحك بقي أن القاضي "العجمي" اللي قبض عليهم وحاكمهم واللي مشهور بالعدل، من حب الناس فيه قبل كده ساب الحسبة فالناس اتجمعت واتجمهرت عشان يرجعوه.دلوقتي هو هو نفس الراجل بنفس عدله، لما قبض علي الدجالين، بقي وحش وظالم، والناس حدفته بالطماطم.
ومستغرب ليه الناس اتعاطفت مع محمد عادل. اصل احنا ناس هبلة اوي يا خال.
مروة طلعت
١٣ / ٨ / ٢٠٢٢
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق