زرقاء اليمامة
زمان رحت مع بابا اعمل نضارة نظر، وكعادتي منذ الصغر عاشقة للحروف والكلمات كان لازم اقرا اسم مركز البصريات اللي احنا داخلينه، لقيت المركز اسمه "زرقاء اليمامة". استغربت الاسم، هو من امتي اليمام ازرق؟، مش منطقي. فسألت بابا واحنا قاعدين مستنين دورنا، يعني ايه زرقاء اليمامة؟. قالي دي بنت حلوة كانت بتاكل جزر كتير وعالجت عينيها بنضارة حلوة زيك كده، لحد ما رجعت تشوف احسن من الاول. واقتنعت بالكلام وسكت، واتاريه كلام ابهات عشان يراضيني ويخليني اتقبل النضارة، بس كان فيه جزء من الحقيقة.
لما كبرت قابلتني اشعارالجاهلية والاسلام فيها ذكر لزرقاء اليمامة. قلت لا بقي الموضوع مش موضوع بنت بتحب تاكل جزر أكيد الحكاية أكبر من كده.
ياتري انتي مين يا زرقاء اليمامة؟. هي بنت من منطقة اسمها اليمامة كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام. وبالتحديد من قبيلة عربية انقرضت كانت اسمها جديس. قال "الزمخشري" في كتاب (المستقصى في أمثال العرب)، ان زرقاء اليمامة كانت اسمها الاصلي "عنز"، لكن اتسمت زرقاء لان عينيها كانت زرقا وواسعة وكمان كانت حادة البصر، لدرجة ضربوا بيها المثل وقالوا أبصر من زرقاء اليمامة. مكتوب في كتاب (العقد الفريد) للشاعر الأندلسي "ابن عبد ربه" ان زرقاء اليمامة كانت تقدر تشوف الشعرة البيضا وسط اللبن، وتقدر تشوف من علي بعد مسيرة 3 ايام. وقال "المسعودي" في كتابه (أخبار الزمان) ان زرقاء اليمامة كان عندها عين أكبر من التانية، لو قفلت العين الكبيرة تشوف بالصغيرة مسافات بالأميال، وان زرقاء اليمامة كانت بتقدر تشوف الافلاك والنجوم والفضاء. يعني لو حد جاي علي قبيلتهم ولسه ادامه 3 ايام علي ما يوصل، زرقاء اليمامة كانت تقدر تشوفه. وبسبب الهبة الفظيعة دي، قدرت زرقاء اليمامة تحمي قبيلتها من الاعداء لأنها كانت بتشوفهم قبل ما يوصلوا ب 3 ايام وتجري تبلغ ناسها. وكتب الشاعر "نابغة الذبياني" عنها في واحدة من معلقاته، وحكي عنها حكاية بتقول ان كان فيه مجموعة كبيرة من الحمام نازلين يشربوا، فقدرت زرقاء اليمامة تعدهم بالمظبوط، ونفس القصة دي ذكرها "سيبويه" في كتابه (الكتاب)، ومكتوبة في كتاب (خزانة الأدب) ل"عبد القادر البغدادي". وقال "الزمخشري" ان زرقاء اليمامة أول من تكحلت بالأثمد - وهو حجر يطحن ليستخدم مسحوقه لتكحيل العيون - فلما سألوها "فبم كنت تكتحلين، قالت بغبوق من صبر وصبوح من أثمد".
وعشان كل شئ له نهاية، فنهاية زرقاء اليمامة كانت مأساوية. كان مجاور لقبيلة جديس اللي منها زرقاء اليمامة، قبيلة اسمها طسم. حصل ان في يوم اتقتل شخص من قبيلة طسم علي يد اشخاص من قبيلة جديس. وبناء عليه قام الفرسان من قبيلة طسم عاوزين ياخدوا بتار المقتول من قبيلة جديس ويغيروا عليها. بس زعيم قبيلة طسم "حسان بن تبع" قعد يفكر هيعدي ازاي من عيون زرقاء اليمامة. طبعا هو عارف انه قبل ما يخرج من قبيلته حتي، زرقاء اليمامة هتشوفه. لحد ما هداه تفكيره لحيلة غربية. امر رجالته ان يقطعوا الشجيرات بعدد أفراد جيشه ويتحركوا وهم ماسكينها ومستخبيين وراها. وفعلا زرقاء اليمامة شافتهم بس اللي شافته ان فيه شجر بيتحرك جاي عليهم. ورغم ان مخها مستوعبش وعمل ايرور، بس راحت لزعماء قبيلتها قالتلهم انها شايفة شجر بيتحرك وجاي عليهم. وهنا انقلب السحر علي الساحر، وقبيلتها خدوها تريقة، مشفعلهاش ان طول عمرها كانت جهاز دفاعهم الوحيد، وكانت الفرصة لكل حاقد وحاسد ليها ولمكانتها وموهبتها انه يقلل منها ويتهمها بالجنون، حتي ماحد فكر نص دقيقة ان الست دي عمر كلامها ما خيب طيب نبعت حد يتأكد، لا ظهر في الوقت ده كل الاحقاد الدفينة وكدبوها.\
وكانت النتيجة ان قبيلة طسم هجمت عليهم وقضت علي كل قبيلة جديس، ومسحت ذكرهم من الارض، عشان مقدروش المخلص فيهم. وفضل "حسان" حريص علي حياة زرقاء اليمامة للاخر وقيل انه خلع عينيها قبل ما يقتلها.
وأبصرَ من زرقاءِ جَوٍّ لأنّني.. متى نَظَرَتْ عَينايَ ساواهما عِلمي (المتنبي)
7/5/2022
مروة طلعت
#عايمة_في_بحر_الكتب
#عالم_الأساطير
تعليقات
إرسال تعليق