ايزيس واوزوريس
النهارده هنتكلم عن أسطورة مصرية قديمة تعتبر قولا واحدا هي أم الأساطير، والغريب انها تغلغلت في الوجدان البشري، وكمان ظهرت في جميع الأديان. وده إن دل علي شي فهو يدل انها مش مجرد أسطورة عادية دي حكاية أكيد فيها شيء من الحقيقة ووراها سر غريب.
تقول الأسطورة بعد تزاوج "شو" إله الهواء مع "تفنوت" إلهة الرطوبة، خلفوا "نوت" إلهة السماء و "جب" اله الأرض. حكم الإله الأعظم "رع" إن مفيش حد من الالهه دي تنجب عشان متكترش الآلهة علي البشر. لكن "نوت" حزنت حزن شديد انها مش هتقدر تنجب من زوجها "جب". ففكر "تحوتي" اله القمر والمعارف والعلوم في فكرة تخلي "نوت" تنجب وفي نفس الوقت ماتخالفش أوامر الإله الأعظم "رع". "رع" في الوقت ده كان مقسم السنة علي ٣٦٠ يوم بس، راح "تحوتي" قاطع شوية من ضوء القمر يكفي ٥ ايام وضافهم للسنة بتاعة "رع" فبقوا ٣٦٥ يوم, ٥ ايام منهم برا حسابات "رع" تقدر "نوت" انها تنجب فيهم وتبقي مخالفتش أوامر "رع".
وفعلا مكدبتش "نوت" خبر وانجبت في ال٥ ايام بتوع "تحوتي" اولادها "إيزيس" و "أوزوريس" و "ست" و "نفتيس".
لما "رع" عرف شاف أن العدد عزوة برده وقلبه حن لأحفاده وبارك ولادتهم واختار أن "أوزوريس" يتجوز "إيزيس"، و "ست" يتجوز "نفتيس". وشاف إن كفاية عليه بقي قاعدة علي الارض فأختار "أوزوريس" خليفة ليه علي الأرض والبشر وسلمه السلطة وطلع السماء.
ايوه سمعاك بتفكر في اللي بفكر فيه بس استني شوية أاكدلك فكرك ده. "ست" أخو "أوزوريس" اتجنن والدخان بقي طالع من ودانه، بقي مش كفاية تجوز "أوزوريس" من "إيزيس" الحلوة وتسيبلي "نفتيس" لا وكمان تخليه خليفتك ده ايه الظلم ده انا مش هسكت علي اللي حصل ده ابدا.
فكر "ست" في مكيدة تخلصه من "أوزوريس" وتمكنه من الاستيلاء علي أملاكه وعلي "إيزيس". راح مجهز تابوت علي مقاس "أوزوريس" بالظبط مصنوع من الابنوس ومرصع بالذهب والفضة وخلته في غاية الجمال. وعمل حفلة كبيرة دعا فيها كل أعوانه إحتفالات بأخوه "أوزوريس"، وكانت حفلة آخر عظمة مليانة بما لذ وطاب وبالراقصات والمغنيات _ كان صارف ومكلف _ وفي آخر فقرة من الحفل طلعلهم بفقرة الساحر. راح "ست" مطلع التابوت الجميل وقالهم انا هعمل مسابقة اللي هينام في التابوت ده ويجي علي مقاسه هيكون التابوت ملكه هديه مني. وفعلا بدأ المدعوين اللي هم أعوانه اساسا يحاولوا يجيبوا التابوت ميجيش علي مقاس حد فيهم طبعا. لحد ما نام فيه "أوزوريس" اللي جه التابوت عليه كحكة. راح ناطط "ست" وقفل عليه التابوت بالحديد وسد كل منافذه ورما التابوت في النيل.
هنا هنقف دقيقة نفهم، فيه ٣ نقط هنتكلم عنهم في الحوار اللي فات ده. أول نقطة أن الجماعة دول كانوا بيخلفوا بالتوأم وكان الاب أو الجد هنا بيشرط إن كل واحد يتجوز أخته اللي من البطن التانية، وده بيرجعنا لقصة سيدنا آدم مع أولاده. تاني نقطة هي غيرة "ست" من "أوزوريس" بسبب التفضيل بينهم وقراره للخلاص من أخيه وده هيرجعنا لقصة قتل "قابيل" لأخيه "هابيل" لنفس أسباب "ست" مع "أوزوريس". تالت نقطة دي بعيدة عن الاديان بس حكاية التابوت اللي علي المقاس دي هتفكرك بقصة "سندريلا" وده دليل علي أن الأسطورة مش بس ليها جناح في الأديان لا وأثرت في القصص الشعبية كمان، وده هنلمسه أكتر كل ما تقدمنا في الأسطورة.
نرجع تاني ونشوف بقي ست الحسن "إيزيس" لما لقت جوزها أتأخر مش بعادته. راحت واحدة بعضها علي معبد "رع" تسال عليه هناك. راح "رع" فتشلها السر وعرفها باللي عمله "ست" في "أوزوريس". وكأي زوجة مصرية أصيلة رقعت بالصوت وجريت علي ملا وشها تدور علي التابوت اللي فيه جوزها المغدور في النيل. وفضلت تجري وتدور وتسأل الناس مشوفتوش تابوت هنا معدي يا ولاد. وولاد الحلال يدلوها وفضلت تجري ورا التابوت من طيبة _ الاقصر _ لحد ما وصلت الدلتا. وهناك قالولها إن النهر جرفه ووصل للبحر. وكان التابوت فعلا خرجت للبحر المتوسط ومنه فضل عائم لحد ما رسي علي شاطئ جميل مليان بالشجر في مدينة جبيل الحالية في لبنان.
الست "إيزيس" الأصيلة ميأستش وركبت المركب وشرخت ورا التابوت، لحد ما وصلت لنفس الشاطئ اللي وصل إليه التابوت بس مشافتهوش عشان كان فيه شجرة عملاقة مضللة عليه. لكنها نزلت الشط ترتاح من تعب السفر ونامت. جم مجموعة بنات شافوها فساعدوها ورحبوا بيها. حبت "إيزيس" تكافئهم علي كرمهم معاها، فبدأت تعلمهم ازاي يسرحوا شعورهم وازاي يصنعوا مستحضرات التجميل وازاي يتزينوا وخلتهم في أبهي شكل.
ومن فرحتهم جريوا علي ملكتهم الملكة "عشتارت" _ اللي انبهرت من جمالهم _ يحكولها عن المرأة المصرية اللي جت تعلم اللبنانيات ازاي يتزوقوا. واخدلي بالك انت.
فأمرت الملكة "عشتارت" بروح الانثي اللي جواها، بإحضار "إيزيس" للقصر وطلبت منها تفضل معاها تعتني بيها وبإبنها. وفعلا قعدت "إيزيس" فترة في ضيافة الملكة "عشتارت" من غير ماتكشف عن هويتها الحقيقية. لحد مافي يوم انكشف السر وعرفت الملكة ان ضيفتها هي الإلهة المصرية "إيزيس". فقررت تساعدها في العثور علي تابوت زوجها "اوزوريس". وفعلا لقوا التابوت أخيرا وشالوا التابوت بالشجرة اللي كانت محتوياه علي سفينة ورجعوه مع "إيزيس" علي مصر.
نزلت "إيزيس" في الدلتا وسابت التابوت بالشجرة علي الشاطئ٬ وراحت تصلي في معبد "رع". وهنا لعبت الصدفة لعبة جهنمية بقي. خير اللهم اجعله خير كان "ست" بيتمشي يصطاد في نفس المكان ياسبحان الله٬ ويلاحظ الشجرة العملاقة الغريبة فيروح يستكشف يلاقي قصاده عمله الاسود٬ تابوت أخوه "أوزوريس". طبعا هو شافه من هنا والشرار طار من عينه وهوب فتح التابوت وهوب طلع سيفه وهوب قطع جسد "أوزوريس" ل ۱٤ جزء ورماهم في النيل. ووريني بقي يا ست "إيزيس" اخرك فين.
"إيزيس" طلعت من المعبد شافت منظر الدم صوتت ولطمت وشها وطلعت تجري تدور علي بقايا جوزها في الصحرا. لما ملقتوش رجعت للميا تقب وتغطس وتسأل التماسيح والسمك. لحد ما ساعدتها "حات محيت" ربة الأسماك وجمعت معاها ۱۳ جزء بس ماعدا الجزء الذكري. وقعدت "ايزيس" تخيط في جسم زوجها "أوزوريس" وتجمعه تاني. وبعد ما خلصت طلبت من "رع" انه يعيد ليه الحياة من تاني وفعلا نفذ "رع" طلبها رحمة بيها وتقديرا لتعبها واخلاصها الشديد لزوجها.
لما رجع "أوزوريس" للحياة كان حزين جدا بسبب غدر اخوه بيه ومكنش عاوز يكمل في الارض تاني فطلب من "رع" يرسله للعالم الآخر عشان يقيم فيها محاكمة يحاكم فيها "ست" وأعوانه. لكن "ايزيس" اعترضت وقالتله يعني بعد ده كله واللي عملته هتسيبني طيب سيبلي منك ابن يعيني وينتقملك في الأرض. فوافق "أوزوريس" فحملت "إيزيس" بالروح القدس مش بالجسد٬ وأنجبت "حورس".
تعالي بقي هنا تاني دقيقة كمان نفهم. في كام نقطة في الحوار اللي فات نحاول نوضحهم ونربط ما بينهم. اول نقطة هي "ايزيس" والتابوت وصبرها واخلاصها لزوجها بيفكرني بصبر واخلاص زوجة نبي الله "أيوب" عليه السلام. تاني نقطة هي الحمل بالروح القدس مش ده هيفكرنا بالسيدة "مريم" عليها السلام وحملها بالمسيح وهنرجع للجزئية دي تاني.
في الوقت ده كان "ست" مستولي علي حكم مصر والفساد مالي البلد والكل مستني المخلص اللي هيخلصهم من شرور "ست" وأعوانه. طبعا فكرة المخلص دي موجوده كتير وفي كل الاديان فاليهود ظلوا منتظرين للمخلص أو ملك اليهود اعوام طويلة حتي ظهر "المسيح عيسي بن مريم". وبرده فكرة المخلص راودت المسلمين في فكرة المهدي المنتظر وكذلك في فكرة السيد المسيح اللي هيقضي علي المسيح الدجال٬ ده غير انها مادة دسمة جدا في الوعي الدرامي ظهرت كتير فكرة المخلص اللي بيستجير به الضعفاء للتغلب علي الشر.
بعد ما انجبت "إيزيس" ابنها "حورس"٬ كأي ست مصرية صعيدية أصيلة بموقفها زرعت في ابنها كراهية عمه "ست" والرغبة في الانتقام وأخد تار أبوه. فكرة التار والاخذ بالثأر ده مش من طبع الصعيدي وبس ده فكر جمعي عابر للقارات والدليل علي كده مسرحية "هاملت" لشيكسبير لما روشنا معاه في أكون او لا أكون. وهتلاحظ ان الانتقام في الحالتين كان واحد وهو من العم اللي قتل أبوه.
بس "حورس" مكنش مرووش ولا متردد زي "هاملت" كان ثابت وفاهم ومحدد هدفه لأ ومصمم _ تربية "ايزيس" بقي_ وجه الوقت اللي حصل فيه الصراع اللي قام فيه المخلص من حجر أمه. وتلاقت جيوش "حورس" _ جناح الخير _ مع جيوش "ست" _ جناح الشر _ في معارك كتير في مناطق كتيرة من مصر وكانت الغلبة دايما ل"حورس". وكانت أشهر معركة هي اللي فقد فيها "حورس" عينه٬ فوهبله "رع" عين جديدة اللي بقت رمز شهير لمصر القديمة والحديثة _ وللما.سونية كمان _ دليل علي الحماية من الشر (عين حورس). وفي النهاية طبعا لازم ينتصر الخير ويقضي علي الشرير.
ياتري بعد الحدوتة الجميلة دي عرفت ليه أسطورة إيزيس وأوزوريس إسمها أم الأساطير.
احب أعرف رأيك ازاي تداخلت في أسطورة كل الافكار والتلميحات والامثال بالشكل ده. مفيش دخان من غير نار والنار هنا سر كبير.
مروة طلعت
۱۹ / ۱ / ۲۰۲۲
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق