مصر ياما يا بهية
يسبق كلامنا سلامنا يطوف ع السامعين معنا
عصفور محندق يزقزق كلام موزون و له معنى
(أحمد فؤاد نجم)
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان بلد جميلة دايما خيرها لغيرها وابنها دايما غلبان، داخل وخارج عليه الأغراب ياكلوا أكله ويتنعموا في خيره وملوش انه يشتكي ولا يقول فين حقي يا ولداه. يتغير عليه الظالم ولا يتغير الظلم. روماني زي فارسي، مملوكي زي عثمانلي كله داخل فاتح كرشه وبيملاه من دم وعرق ابن البلد الغلبان، ويقرقش كمان عضمه قبل لحمه. بس ياتري ابن البلد ده علي طول ساكت مبيقولش الأه؟؟. الحقيقة انه كتير قالها بس كانت دائما بتتخنق تعالوا كده نشوف....
في بداية سنة ٩٢٣هجرية ١٥١٧ ميلادية مكنش فيه أجواء رأس السنة المبهجة دي كان فيه غزو جديد داخل علي مصر وهو الغزو العثماني, بعد ما الاحتلال المملوكي ضعف أركانه وحان وقت غروب شمسه. وبعد انكسار المماليك قصاد العثمانيين في معركة مرج دابق ومن بعدها في الريدانية _ العباسية حاليا _ ودخول سليم الاول العثماني بجنوده إلي القاهرة وهروب طومان باي المملوكي بعد مؤامرات طابعها الخسة والخيانة.
أمر سليم الاول فرقة الانكشارية بتاعته أنهم يطاردوا كل المماليك الشراكسة الهربانيين وكل ما يلاقوا حد يطيروا رأسه من غير كلام. وفعلا نزلوا الانكشارية زي الجراد طلعوا المماليك من الترب والغيطان وبالمرة ينهبوا بيوت الناس وهم معديين. لدرجة أنهم في يوم واحد طيروا راس ٣٢٠ راس وطبعا العاطل بيجي مع الباطل وما أكثر المظاليم.
ومن ضمن اللي اتقبض عليهم كان الأتابكي سودون الدواداري قائد الجيش المملوكي وكان متصاب ومكسور فخده وفي حالة احتضار ورغم حالته دي مرحموش سليم الاول وأمر انه يركب حمار ويتجرس وسط الناس لكن ربنا كان أرحم بيه فمات قبل ما يخرج من باب المعسكر علي حماره.
وفضل حالة السعار في قتل كل اللي يقف قصاد العثمانيين لدرجة ان لما يتشاف حد بس لابس لبس المماليك او شارة امرائهم كان علي طول يطير راسه وهو ماشي ميلحقش حتي يفهم انه مات فاضطر ولاد الناس من المماليك يلبسوا لبس المصريين والعمامة بتاعة الحرفيين منهم عشان يستخبوا ويهربوا من القتل. ووصل الحال ان الجثث بقت مرمية فوق بعضها في الشوارع من سبيل علان لحد تربة الأشرف قايباي _يعني من القلعة للعباسية حاليا_ وكلهم جثث من غير راس. وبناء عليه جري الامراء من المماليك اللي فاضلين علي مجلس سليم الاول يبوسوا القدم ويبدوا الندم ويقدموا فروض الطاعة والولاء والخسة والندالة مقابل ان راسهم تفضل علي كتفهم. وفعلا ادي سليم الاول صك الأمان للبعض منهم. انت متخيل ان كل اللي اتحكي ده حصل في يوم واحد بس. طبعا
تاني يوم نقل سليم الأول معسكرة من الريدانية _ العباسية_ لبولاق ودي كانت غلطة كبيرة عملها الحقيقة.
طبعا المصريين كانوا لحد الآن في موقع المتفرج وياريتهم اتسابوا في حالهم ده نابهم بهدلة وسرقة وخراب بيوت وهتك اعراض وقتل في وسط الهيصة. ومنظر الجثث والدم في الشوارع خلي الدم بيغلي في العروق وحالة احتقان وكراهية للعثمانيين متزايدة جوا نفوسهم.
سليم الاول مكنش سأل كويس عن بولاق قبل ما ينزل فيها. مكنش يعرف انها منطقة الجدعان. لما قعد بمعسكره في بولاق الاهالي قالوله اهلا انت وقعت ولا الهوا راماك. في اليوم التالت لمعسكر سليم الاول في بولاق وفي عز الليل فجأة الجنود العثمانيين صحيوا مفزوعين علي هجوم طومان باي ومعاه عياق بولاق من النواتية _ يعني الحرافيش والفتوات من المصريين_ وولعوا في المعسكر وخيمهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمشاعل والمقاليع وكل ادوات القتال اللي متوفرة عند أهل البلد. لدرجة ان سليم الاول من الفزع افتكر انه كده خلاص شكرا اتقضي عليه.
اتاري اللي حصل ان الحرافيش قدروا يوصلوا لطومان باي واتجمعوا بيه في جامع شيخو اللي في شارع الصليبة واتفقوا يسندوه ويقفوا وراه بدل اهله من المماليك اللي خذلوه وخانوه.
وفضل هجوم المصريين وبعض من المماليك بقياده طومان باي علي العثمانيين لحد مغرب تاني يوم٬ واتقتل من العثمانيين عدد لا يحصي. والعربان استغلوا الهيصة وهجوموا علي معسكر العثمانية اللي كان في الريدانية ونهبوه وقتلوا اللي فيه. وسبحان الله انقلبت الكفة في يوم وليلة وكما تدين تدان هرب الانكشاريين العثمانيين يحاولوا يستخبوا في الحواري والبيوت٬ وزي ما عملوا من كام يوم في الشراكسة المماليك اتعمل فيهم لكن المرة دي ملقوش حد يخبيهم لان اصحاب البيوت والحواري من المصريين نفسهم هم اللي كانوا بيصطادوهم زي الفيران٬ وكان كل واحد يقطع راس عثماني يجري يسلمه لطومان باي. وفي يوم الجمعة اللي بعدها دعي ائمة المساجد للسلطان الاشرف ابو النصر طومان باي الثاني.
وأمر طومان باي بحفر الخنادق واحد عند رأس شارع الصليبة وواحد عند قناطر السباع وواحد عند راس الرملة وواحد عند جامع ابن طولون.
لكن دوام الحال من المحال وفي غمضة عين اتقلبت تاني كفة الميزان لما هجم المدد من الجيش العثماني وطلعوا من ورا قرافة المماليك ودخلوا مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها وداسوا علي قبرها وسرقوا قناديل المسجد من الفضة والشمع وقتلوا جوا مقامها جماعة من المماليك الشراكسة واللي كانوا محتميين بمسجدها. وطلعوا اعلي مأذنة الجامع المؤيدي بالبنادق يضربوا الناس بالنار في الشوارع ومنعوا الناس انهم يمروا من باب زويلة. وفضل القتال مستمر لحد ما بقي القتلي من العثمانيين والمماليك والمصريين اجسادهم مرمية في الشوارع من بولاق لبعد القلعة.
وفضل طومان باي يحارب بالعدد القليل اللي معاه وكل شوية العدد يقل منهم اللي بيموت ومنهم اللي بيهرب. لحد ما بقي طومان باي بيحارب لوحده تقريبا. واضطر انه يهرب في الاخير. ودخل الجنود العثمانيين شارع الصليبة وكانت لحظة الانتقام والدمار فحرقوا الشارع كله ومن ضمنهم جامع شيخو اللي كان مركز حكم طومان باي وكل البيوت اللي حواليه. ونزل العثمانيين بالسيوف يقتلوا كل كائن حي قصادهم راجل او ست شيخ او طفل. وفضلت جثثهم مرمية من باب زويلة للرملة والصليبة لقناطر السباع والناصرية لمصر القديمة.
حاجة في منتهي البشاعة 😞 ويتقال فتح عثماني قال.
طبعا الاحداث بعدها كانت صعيبة لحد القبض علي طومان باي وحادث اعدامه الشهير. ومن بعدها دخلت مصر في فجوة ظلام وجهل وقهر لمده ۳۰۰ سنة احتلال عثماني لحد ما النور رجع ينور تاني مع دخول احتلال اخر وهو الحملة الفرنسية علي مصر.
مصر يا امّة يا بهية يام طرحة و جلابية
الزمن شاب و انتي شابة هو رايح و انتي جاية
جايه فوق الصعب ماشية فات عليكي ليل و مية
و احتمالك هو هو و ابتسامتك هى هى تضحكي للصبح يصبح
بعد ليلة و مغربية تطلع الشمس تلاقيكي معجبانية و صبية ( احمد فؤاد نجم)
مروة طلعت
۳۱/۱۲/۲۰۲۱
#عايمة_في_بحر_الكتب
المصادر
بدائع الزهور في وقائع الدهور المجلد الرابع صفحة ٥۱٥ : ٥۲۲
تعليقات
إرسال تعليق