الهجرة النبوية
اليوم هو أول العام الهجري الجديد، كل عام وانتم الي الله أقرب. وبالمناسبة الجليلة دي هنحكي حكاية الهجرة النبوية المشرفة.
الرسول صلي الله عليه وسلم فضل في مكة يدعوا الي الله الواحد الأحد 13 سنة. في البداية مهتمتش قريش بدعوة "محمد". لكن لما لقوا ان دعوته بدأت تلاقي صدي والمؤمنين بيه بقوا يزيدوا بشكل مقلق. وايمانهم ده شكل خطر اقتصادي في المقام الأول علي قبيلتهم. وده ليه؟. لما تبقي قريش هي سيدة القبائل نظرا لأنها المتحكمة في الحج لبيت الله واللي تعتبر تجارتها الأولي والأهم قايمة علي عبادة الأصنام والأوثان اللي منتشرة حوالين الكعبة. وتقوم دعوة نبوية من داخل قبيلتهم بتدعوا لنبذ الأصنام وتكفير عبادتهم اللي قايمة عليها تجارتهم وسيادتهم في المنطقة، وكمان بقي ليه مريدين بيزيدوا كل يوم ومش بس من الفقراء والعبيد لا وكمان من ابناء السادة وشوية بشوية بقوا السادة نفسهم. أكيد موضوع مرعب جدا بالنسبة لهم وخطر علي مكانتهم الدينية وزعامتهم الروحية، وبقي وجوب محاربة الدعوة دي حياة أو موت.
وبدأت قريش محاربتها ل "محمد" صلي الله عليه وسلم واتباعه. واستخدمت اسلوب فرض القوة الغاشمة علي ضعفاء المؤمنين، من تعذيب وتنكيل وقتل. وطال الأذي الرسول صلي الله عليه وسلم نفسه، وبقت حياته وحياه أصحابه وتابعيه في خطر.
وهنا بدأ التفكير في الهجرة، وكانت أول هجرة في الاسلام لما أمر الرسول صلي الله عليه وسلم لكل من طالهم العذاب والمهددين، انهم يهاجروا الي الحبشة وقال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم: “فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه”. فخرج فريق من المسلمين مهاجرين الي الحبشة مخافة الفتنة وفرار الي الله بدينهم.
طبعا تفكير رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحبشة كان وراه أسباب. فكان غرضه خروجهم من شبه الجزيرة العربية كلها، لأن كل القبائل العربية ليها مصالح وعلاقات مع قريش فمن السهل اعادتهم أو قتلهم، وكانت اليمن فيها صراع بين الفرس والروم وتشتت بين اليهودية والمسيحية، وكمان في الوقت ده مكنش لسه قدر الرسول صلي الله عليه وسلم انه يعمل تحالفات مع أي قبيلة تقويه. فكان أنسب خيار ليه كانت الحبشة - أثيوبيا حاليا - اللي بعيدة تماما عن كل القلق ده. وفي نفس الوقت الحبشة كانت مجرد ملجأ مؤقت وليس ثابت للمسلمين، فموقعها الجغرافي مكنش ينفع تكون نواة للدعوة، عشان كده مفكرش الرسول صلي الله عليه وسلم الهجرة ليها بنفسه.
وبدأ الرسول صلي الله عليه وسلم في عرض دعوته على القبائل العربية اللي كانت بتحج إلى مكة، أو يروح بنفسه إلى بعضها زي ما حصل مع قبيلة ثقيف في الطائف - اللي طاردوه فيها بالحجارة حتي أدموا قدمه الشريفة - ومكنتش قريش سايباه يدعو في هدوء، وإنما تتبعت خطواته، تحذر القبائل من دعوته وتنفرها منه. لحد ما جه اليوم اللي قابل فيه الرسول صلي الله عليه وسلم 6 رجال من قبيلة الخزرج من يثرب، وفتح ربنا قلوبهم للايمان وأسلموا. وبعد عام واحد في موسم الحج أتي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم 12 رجل أسلموا، 9 من قبيلة الخزرج و 3 من قبيلة الأوس من يثرب. وعقد معهم بيعة اتعرفت ببيعة العقبة الأولى، ونصت علي “ألا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم". وبعت معاهم إلى يثرب "مصعب بن عمير"، أحد الصحابة اللي كان داعية عظيم، فقيه في الدين، لبق فطن، حليم رفيق، ذا صبر وأناة، ونجح في مهمته لدرجة ان الإسلام انتشر في كل بيت في يثرب، ومهد الطريق لتكون يثرب هي أرض الهجرة، اللي ينطلق إليها المسلمون، وبؤرة الدين ومركز الدولة.
وبعد سنة كمان في موسم الحج، عشان القريشيين ميحسوش بحاجة غريبة بتحصل. دخل "مصعب بن عمير" مكة مع 73 رجل وامرأتان من يثرب. وراحوا لرسول الله صلي الله عليه وسلم بالليل في السر وبايعوه بيعة العقبة الثانية، اللي مصت علي التزامهم بحماية النبي صلى الله عليه وسلم لما يهاجر إليهم والدفاع عنه، والمحافظة على حياته، واعتباره واحد منهم، دمه كدمهم، وحكمه كحكمهم، وقضت بخروجه من عداد أهل مكة، وانتقال تبعيته إلى أهل يثرب. وعشان كده أخفى المتبايعون أمر البيعة عن قريش، لأن الفترة بين إتمام البيعة ووصوله ليثرب، لا يلتزم أهل يثرب خلالها بحماية الرسول صلي الله عليه وسلم إذا وقع له مكروه أو أذى من قريش.
وبعد ما تمت البيعة، أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم كل المسلمين بالهجرة الي يثرب. وبدأ المسلمين يهاجروا الي يثرب سرا وكأنهم بيهربوا بحياتهم وبدينهم وفي سبيل ده ساب معظمهم بيوتهم ومتاعهم وتجارتهم وأموالهم وفروا الي يثرب. ولما انتبهت قريش الي هجرة المسلمين ظنته في بادئ الأمر هجرة لفريق من المسلمين زي ما حصل في هجرة الحبشة. لكنهم أكتشفوا انها هجرة جماعية والمسلمين تناقصوا بشكل سريع وحاد في مكة. وبدؤا يفهموا انها هجرة شاملة لتكوين مدينة للمسلمين، لكن لفين لسه مش عارفين. الاستنتاج ده رعبهم أكتر، قالك هيكونوا لنفسهم رابطة والاعداد هتزيد من كل مكان في القبائل وعدد المسلمين هتزيد ومش هيبقي فيه تحكم فيهم زي ماكانوا هنا تحت ايدينا. بصوا حواليهم لقوا ان بيت النبي وبيت "أبي بكر الصديق" لسه مهاجرش. واتفقوا علي انهم ميضيعوش آخر فرصة من ايديهم. ولازم يقتلوا "محمد" صلي الله عليه وسلم قبل ما يهاجر. وبكده يقتلوا الدعوة من جذورها.
بس فضل عقبة في طريق تحقيق اتفاقهم، ان "محمد" صلي الله عليه وسلم هاشمي وهي عائلة كبيرة وعريقة من أسياد قريش، وبالتالي لو قتلوه فعيلته حتي لو مش مؤمنين بدعوته واجب عليهم الأخذ بتاره وهتغرق قريش في بحور دم داخلية. وفي الآخر اتفقوا انهم يلموا من كل قبيلة رجل ويجتمعوا كلهم ويقتلوه عشان يتشتت تار بني هاشم علي كل القبائل وميقدروش ياخدوا بتاره من حد. قال الله تعالي : “وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” [الأنفال: الآية 30].
وفي الليلة التي قرر فيها المشركين تجميع القبائل لقتل رسول الله صلي الله عليه وسلم. كانت نفس الليلة التي قرر فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم الهجرة الي يثرب بصحبه صديقه "أبي بكر الصديق" رضى الله عنه. وطبعا أبلغ الله تعالي رسوله بمخطط المشركين. فاتفق مع ابن عمه "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، بأن ينام في سريره عشان يفتكر المشركين انه لسه نايم. وخرج الرسول صلي الله عليه وسلم ومشي وسط المتربصين بيه من غير ما يشوفوه قال الله تعالي: "وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" (يس : الآية 9).
وراح رسول الله صلي الله عليه وسلم الي بيت "أبي بكر الصديق" واتفق الرسول صلي الله عليه وسلم مع "عبدالله بن أريقط" انه يحصلهم عند غار ثور بعد 3 أيام عشان يكون ليهم دليل لطريقهم الي يثرب، وأخد "أبي بكر الصديق" معاه ماله كله عشان يكون في خدمة المدينة الجديدة اللي هيأسسها المسلمين. وأمر "أبي بكر الصديق" ابنه "عبد الله" انه يفضل وسط قريش يسمع اخبارهم وبيتفقوا علي ايه ويجي بالليل عند غار ثور يحكيلهم اخبار اليوم وكل اللي سمعه، وكان دور السيدة "أسماء بنت أبي بكر" قويا وهي الحامل في الشهر الأخيركانت تخرج تلف نفسها بنطاق ونشيل الأكل والشرب في نطاق تاني وتخرج سيرا في الصحراء لحد غار ثور وتدي الاكل والشرب لأبيها ولرسول الله صلي الله عليه وسلم. وأول ما يصبح الصباح يخرج "عامر بن فهيره" يرعي غنم "أبي بكر الصديق" في الطريق اللي مشي فيه "عبد الله" و "أسماء" عشان يغطي آثارهم علي الأرض.
لما الصبح طلع والمشركين واقفين علي باب بيت الرسول صلي الله عليه وسلم وكل شوية يبصوا من الشباك يلاقوه نايم ومغطي وشه. فقرروا انهم يقتحموا البيت، لانهم عارفين انه لازم بيخرج يصلي الفجر ونومه لحد الآن مكنش طبيعي. دخلوا البيت وقبل ما يطعنوا النائم بالسيوف كشفوا عن وجهه ففوجئوا انه "علي بن أبي طالب" فقالوا: (أين صاحبك؟)، قال: (لا أدري). خرجوا بيجروا علي بيت "أبي بكر الصديق" لأنهم متوقعين ادام لسه ما هاجرش وعشان قربهم من بعض يبقي اكيد هيخرج معاه. قالت "أسماء بنت أبي بكر": «ولما خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: «أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟»، قلت: «لا أدري والله أين أبي»، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا» _ يعني ضربها بالقلم ومن شدته طير حلقها من ودنها - وبدأت بعدها المطاردة المحمومة. وخرج القريشين بره مكة يدوروا علي "محمد وصاحبه"، مع العلم انهم مش عارفين هم رايحين فين، فضلوا يتتبعوا اثار رجليهم لحد ما وصلوا لغار ثور، وكان قاعد جواه رسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبه "ابي بكر الصديق" بالفعل. قال الله تعالي: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". (التوبة الآية 40)
لما وقف المشركين قصاد غار ثور لقوا عنكبوت معشش علي باب الغار وقصاد الغار حمامتين قاعدين في عشهم راقدين علي بيضتين. وده معناه انه غار مهجور ومحدش جه ناحيته من زمن طويل جدا. قال بعضهم: (إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد) فانصرفوا. قال "أبي بكر الصديق": (نظرتُ إلى أقدامِ المشركين على رؤوسِنا ونحن في الغارِ، فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! لو أنَّ أحدَهم نظر إلى قدمَيه أبصَرَنا تحت قدمَيه، فقال: (يا أبا بكرٍ ! ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالثُهما). وفضل المشركين يدوروا عليهم 3 أيام ورصدوا مكافأة 100 ناقة للي يقبض عليهم. وبعد 3 أيام خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبه ومع "عامر بن فهيرة" و "عبدالله بن أريقط" اللي جابلهم الجمال اللي هيركبوها في السفر وانطلقوا الي يثرب.
كان في قريش رجل اسمه "سراقة بن مالك"، جاله واحد وقاله انه شاف خارج مكة محمد وصاحبه ووصفهم ليه فتأكد انهم هم فعلا. فقام ركب حصانه وجري للمكان اللي وصفه الراجل ليه علي أمل يقبض عليهم وياخد مكافأة قريش. لحد ما قرب منهم وسمع صوت رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يرتل القرآن وشاف "أبي بكر" وهو بيلتفت ليه. وفجأة وقع الحصان اللي راكبه بيه وقام وركبه تاني وعمل الحصان فيه نفس العملة تاني. راح مصرخ وطلب منهم الأمان فأعطاه الرسول الأمان ووعده لو رجع لقريش ومحكاش لحد عنهم بسوار كسري ملك الفرس. وفعلا رجع "سراقة" لقريش وقالهم انه ملقاهمش.
وفي رحلتهم مروا علي خيمة واحدة اسمها "عاتكة" وكنيتها "أم معبد" فطلبوا منها أكل أو شرب فقالت: (واللهِ ما عندنا طعام ولا لنا منحة ولا لنا شاةٌإلا حائل). (فدعا رسول اللهِ صلَى اللهُ عليه وسلَمَ ببعضِ غنمِها فمسح ضرْعَها بيدِه ودعا اللهَ وحلبَ في العسِّ حتى أرغى وقال اشربي يا أم معبدٍ فقالت اشرب فأنتَ أحقُّ بهِ فردَّه عليها فشربت ثم دعا بحائلٍ أخرى ففعل مثلَ ذلك بها فشربَه ثم دعا بحائلٍ أخرى ففعل بها مثلَ ذلك فسقى دليلَه ثم دعا بحائلٍ أخرى ففعل بها مثلَ ذلك فسقى عامرًا ثم تروَّحَ). وبعد ما مشيوا جم جماعة من قريش يسألوها عنهم فأنكرت انها شافتهم أو حتي سمعت عنهم. ولما رجع زوجها حكيتله اللي حصل فطلب منها توصفله رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: "رأيتُ رجلاً ظاهرَ الوَضاءةِ، حُلوَ المَنطقِ فصلٌ لا نزْرٌ ولا هذْرٌ، كأنَّ منطقَه خَرَزاتُ نظمٍ يتحدَّرْنَ".
فضل الأنصار من أهل يثرب والمهاجرين من أهل مكة مستنيين رسول الله صلي الله عليه وسلم، يطلعوا كل يوم يستنوه علي الطريق الرئيسي لدخول يثرب لحد ما الحر يشتد فيرجعوا، فضلوا علي الحال ده أيام. لحد ما في يوم كان فيه راجل يهودي واقف علي جبل مستني حاجة تخصه فشاف النبي وصحابه داخلين من طريق اسمه ثنيات الوداع، فصرخ بأعلي صوته : "يامعشر العرب هذا محمد، جاء جدكم الذي تنتظرونه". فانطلق المهاجرين والأنصار الي النبي مهللين مكبرين فرحين وانطلقت الفتيات والاولاد ينشدن بالدفوف وحاملين سعف النخل:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا مادعا لله داع. ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع. جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع.
ومن هنا بدأ مجتمع اسلامي جديد وليد، وتغير وجه التاريخ بعدها. كما تغيرت يثرب وأصبحت المدينة المنورة. صلي الله علي محمد صلي الله عليه وسلم.
مروة طلعت
9 / 8 / 2021
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق