الحجاج بن يوسف الثقفي الحلقة الخامسة
ما كتب عن "الحجاج" يملي مجلدات بس هنا بنحاول نسلط الضوء علي بعض المواقف من حياته بالمختصر المفيد.
***من ضمن ما كتب عن "الحجاج" كانت علاقته مع "عمر بن عبد العزيز".
"عمر بن عبد العزيز بن مروان" هو ابن أخ أمير المؤمنين "عبد الملك بن مروان"٬ وجده لأمه هو "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه. وهو اللي بقي أمير للمؤمنين التامن في السلسال الأموي فيما بعد. ولأنه كان خليفة شديد الورع والتدين والعدل والقوة والرحمة والحكمة أطلق عليه المؤرخين لقب خامس الخلفاء الراشدين. فقد كان شديد الشبه بخصال جده "عمر بن الخطاب". نبتة خضراء وسط شجرة سوداء سبحان الله.
نرجع لايام "الحجاج" و "عبد الملك بن مروان"٬ وقتها كان "عمر بن عبد العزيز" والي علي المدينة المنورة. وكان اهل المدينة بيحبوا "عمر" جدا وبيجلوه٬ لانه كان بار بأهل مدينة رسول الله ومحسن اليهم وبحكمته بيرد المظالم. وكان كاره لإسلوب "الحجاج" الدموي مع أهل العراق٬ عشان "الحجاج" كان بيقتل الآلاف علي مجرد الشبهه٬ يعني انت شكلك من الخوارج او عديت من جنب حد من الخوارج يبقي تتقتل٬ طب اتحقق ودور٬ ياعم هو انا فاضي لسه هندور طير راسه.
ده غير حرب "الحجاج" في مكة واللي عمله فيها من أذي شديد٬ وتورطه في قتل واهانة الصحابة٬ زي ما حصل من اهانة "الحجاج" ل "أنس بن مالك" راوي احاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم٬ والتمثيل بجثة "عبدالله بن الزبير".
كل الأسباب دي تخلي "عمر بن عبد العزيز" بتدينه وفطرته السليمة وضميره الحي يكره "الحجاج". وكتير حاول يقنع عمه "عبد الملك بن مروان" ومن بعده ابنه"الوليد بن عبد الملك" بعزل "الحجاج"٬ لكن محاولاته كلها كانت بتفشل. حتي ان "عمر بن عبد العزيز" كان ليه مقولة شهيرة عن "الحجاج": (لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم٬ وما كان يصلح لدنيا ولا آخرة).
في يوم سأل فيه "الحجاج" "عمر بن عبد العزيز" في حياة "عبد الملك بن مروان" وقاله: لماذا النفور مني وما بيننا ما يدعو إلى ذلك؟
فقال عمر: بيننا ما يدعو إلى أكثر من النفور،
فقال الحجاج: ما هو؟
قال عمر: إنك يا حجاج ظلوم غشوم حقود كذوب حسود لدود.
فقال الحجاج: أقر لك بثلاث وأنكر عليك اثنتين، فإني كما قلتَ حقود لدود حسود؛ لكنني ما كنتُ كذوبا وما كذبتُ قط، ولستُ بالغشوم وإلا لما بلغتُ من أمير المؤمنين هذه المنزلة.
فرد عمر: اهملت واحدة فلا اعترفت بها ولا انكرتها.
فرد الحجاج: الظلم لان الظلم والعدل والشدة واللين والقسوة والرأفة كلها بنات ساعتها واني إلبس لكل حالة لبوسها. أما غير ذلك فإنها فرية يفتريها الناس عليا.
ورغم الكره الشديد اللي كان جوا "عمر بن عبد العزيز" ل"الحجاج"٬ الا انه كان داخله شعور تاني وهو الحسد. ايوه زي ماقريت كده٬ قال "عمر بن عبد العزيز": (ما حسدت الحجاج على شيء حسدي إياه على حبه القرآن وإعطائه أهله عليه).
وهنا يظهر الجانب الآخر ل"الحجاج" وانفصامه٬ فقد كان يقرأ القرآن كل ليلة , و يختمه كل ثلاث , و يأمر بإكرام أهل القرآن و إجلالهم, و قد خدم المصحف خدمة عظيمة لما أمر بنقطه يعنب وضع النقط على الحروف لأن كتابه العرب زمان للحروف كانت من غير نقط٬ وده بعد توسع رقعة البلاد الاسلامية ودخول كتير من البلاد الغير ناطقة بالعربية الاسلام عمل خلافات في القراءات وفهم المعني٬ ولما قام "الحجاج" بنقط القرآن حط حد للخلافات بين البلاد في قراءة كتاب الله.
ومع ذلك كتب المؤرخين ان لولا سيف "الحجاج" ما إستقام ل"عمر بن العزيز" فيما بعد سلطانه وما حقق عدله.
*** تعالوا نحكي حكاية تانية ونشوف موقف "الحجاج" مع "أنس بن مالك" اللي أشرنا ليها فوق.
الاول نعرف مين هو "أنس بن مالك"؟. هو "أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري" من بني عدي بن النجار ، اتولد قبل الهجرة بعشرة أعوام وتوفي بالبصرة سنة 92 أو 93هجرية. وكان "أنس بن مالك" يفتخر دائما بخدمته للرسول صلي الله عليه وسلم 8 سنوات ، وكان فيهم أحد تلامذته اللي تتلمذوا على يده ونقلوا عنه أحاديث كثيرة٬ وكان آخر من مات في الصحابة.
في يوم دخل "أنس" المسجد في البصرة وكان قاعد "الحجاج". فلما شافه "الحجاج" قاله: إيه يا أنيس يوم لك مع علي ويوم لك مع ابن الزبير ويوم لك مع ابن الأشعث ، والله لاستأصلنك كما تستأصل الشأفة ولأدمغنك كما تدمغ الصمغة ولأعصبنك عصبة السنمة وهي نوع من الشجر .
استعجب "أنس" من طريقة هجوم "الحجاج" عليه في الكلام فرد بأدب علي من ليس له أدب: إياي يعني الأمير أصلحه الله ؟
فقال الحجاج بمنتهي التبجح: إياك صك الله سمعك. فقال أنس بن مالك بانزعاج: إنا لله وإنا إليه راجعون والله لولا الصبية الصغار ما باليت أي قتلة قتلت ولا أي ميتة مت.
وخرج بعدها من عند "الحجاج" وكتب إلى أمير المؤمنين "عبدالملك بن مروان" رسالة قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبدالملك بن مروان أمير المؤمنين من أنس بن مالك أما بعد : فإن الحجاج قال لي هجرًا ، وأسمعني نكرًا ، ولم أكن لذلك أهلاً ، فخذ لي على يديه فإني أمت بخدمتي لرسول الله صلّ الله عليه وسلم وصحبتي إياه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلما قرأ "عبد الملك بن مروان" الرسالة غضب غضبا شديدا علي "الحجاج"٬ وبعت رده علي "أنس بن مالك" قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان إلى أنس بن مالك خادم رسول الله صلّ الله عليه وسلم أما بعد٬ فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت من شكاتك الحجاج ، وما سلطته عليك ، ولا أمرته بالإساءة إليك ، فإن عاد لمثلها فأكتب إليّ بذلك أنزل به عقوبتي ، وتحسن لك معونتي والسلام .
فلما قرأ "أنس بن مالك" كتاب أمير المؤمنين قال: جزاه الله عني خيرًا فقد كان هذا هو ظني به ورجائي منه.
وفي نفس الوقت بعت رسالة قاسية ل"الحجاج" قاله فيها: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف أما بعد ، فإنك عبد طمت بك الأمور فسموت فيها ، وعدوت طورك وجاوزت قدرك ، وركبت داهية إدًا ، وأردت أن تبورني ، فإن سوغتكها مضيت قدمًا ، وإن لم أسوغها رجعت القهقري .
فلعنك الله من عبدًا أخفش العينين منقوص الجاعرتين ، أنسيت مكاسب أبائك بالطائف وحفرهم الآبار ونقلهم الصخور على ظهورهم في المناهل ، يا ابن المستفرية بعجم الزبيب والله لأغمرنك غمر الليث الثعلب والصقر الأرنب ، وثبت على رجل من أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم بين أظهرنا ، فلم تقبل له إحسانه ولم تتجاوز له عن إساءته جرأة منك على الرب عزوجل واستخفافًا منك بالعهد .
والله لو أن اليهود والنصارى رأت رجلا خدم عزير بن عزرة وعيسى بن مريم لعظمته وشرفته وأكرمته ، فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صلّ الله عليه وسلم ثماني سنين ، يطلعه علي سره ويشاوره في أمره ، ثم هو مع هذا بقيه من بقايا أصحابه ، فإذا قرأت كتابي فكن أطوع له من خفه ونعله وإلا أتاك منى سهم بكل حتف قاض ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون .
طبعا قام "الحجاج" بعد ماقرأ الرسالة منفوض وركبه بتخبط في بعضها٬ وجري علي "أنس بن مالك" رضي الله عنه٬ يعتزرله ويسترضيه وبقي يناديه بأبا حمزة زي ماكان الرسول صلي الله عليه وسلم بيناديه٬ وقعد يطلب عفوه وسماحه٬ لحد ما عفا الصحابي الجليل عنه. ناس متجيش الا بالعين الحمرا😂
مروة طلعت
۱۰ / ۸ / ۲۰۲۱
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق