سنوحي

زمان اتفرجت علي فيلم أجنبي قديم٬ ورغم اني كنت صغيرة اوي علي الاستيعاب ساعتها٬ ورغم اني مشوفتوش تاني بعدها٬ الا إني لسه فاكراه كويس وفاكرة مساهد معينة فيه. يمكن الفيلم _ عرفت قريبا ان اسمه The Egyptian انتاج عام ۱۹٥٤م _ شد انتباهي لحاجة اسمها مصر القديمة٬ وكان بدايتي لتساؤلات كتير زهقت بيها بابا ربنا يديه الصحة عن الفراعنة واتطورت بعد سنين لبحث وقراءة وحب للتاريخ المصري القديم.
المهم بقي ان بطل الفيلم ده كان اسمه "سنوهي"٬ وفضل الاسم مرتبط في زهني لحد الآن كإسم للمصري القديم. وبعد سنين اكتشفت ان فيه قصة قصيرة لنجيب محفوظ اسمها "عودة سنوحي". قلت الله ده يبقي بقي فعلا اسم سنوحي ده كان اسم منتشر في مصر القديمة زي محمد كده مثلا. 
لحد من فترة قريبة كتبت ع الجروب هنا قصة الثورة الكبري اللي حصلت في مصر القديمة علي هيئة حوار بين مذيعة وصاحب البردية اللي حكي عن الثورة ولقيتني بدخل افيه كده وانده علي حد من المصريين رحت مدياله اسم سنوهي. وبعد ما كتبت وقفت وقلت لا انا لازم افهم ليه سنوهي مع ان ممرش عليا الاسم ده خالص في اعلام المصريين القدماء.
واخيرا عرفت مين هو "سنوهي". تحب تعرف انت كمان؟ طب تعالي واقعد كده واعيرني انتباهك عشان هنحكي حدوتة.
ايوه حدوتة. ماهو "سنوهي" ده طلع حدوتة كانت بتتحكي للعيال في المدارس٬ وقصة الفيلم وقصة نجيب محفوظ مقتبسين منها. بس الغريب ان اثناء بحثي عن قصة "سنوهي" لقيت حكايتين بدايتهم واحدة ونهايتهم مختلفة٬ هحاول هنا اختصر الحكايتين٬  هنرغي كتير بقي ولا ايه. اسمع.
"سنوهي" كان شاب مصري عاش تقريبا من ۲۰۰۰ق.م والده كان طبيب وورث منه مهنة الطب وفي يوم اعلن الملك "أمنمحات الأول" عن استنفار الجيش للحرب ضد قبائل التحنو في صحراء ليبيا. واتطوع "سنوهي" في الجيش وخرج بقيادة "سنوسرت الاول" ابن الملك "امنمحات الاول".
القصة الأولي بتقول أن بعد النصر خرج "سنوهي" يتمشي بره خيمته سمع تلاته بيتكلموا فاتنصت عليهم لقاهم بيتفقوا علي قتل الملك "أمنمحات الاول" وبص كده لقي ان واحد من التلاتة هو ابنه "سنوسرت التالت". فارتعب "سنوهي" وقرر يهرب بره الجيش وبره مصر كلها. هرب علي بلاد "رتنو العليا" في الشام واستقر فيها واتجوز وخلف واشتغل شغلانة والده اللي ورثها وهي الطب٬ وفضل يداوي الفقراء وزاع صيته باسم "سنوهي المصري"٬ لحد ما تعب ملك بلاد رتنو وطلبه يداويه٬ وفعلا خف الملك علي ايد "سنوهي المصري"٬ وكان مكافئته انه خلاه طبيبه الخاص في البلاط الملكي.
مرت السنين وكانت العلاقات بين "رتنو" و"مصر" سيئة٬ ودقت طبول الحرب٬ وعرف "سنوهي" من قربه من الملك ان تم اختراع سيوف من الحديد بعد ما كانت تصنع من النحاس. وبكده تطور كبير وخطير لصالح "رتنو". وهنا "سنوهي" قرر يسرق سيف ويرجع يهرب بس المرة دي علي "مصر".
ورجع للملك اللي بقي "سنوسرت الاول" يطلب منه الامان والاذن بالحضور٬ فأذنله الملك وحضر "سنوهي" وحكاله قصته وقدمله السيف الجديد.
وفعلا يتم تصنيع السيف الجديد في "مصر" بفضل "سنوهي"٬ وانتصر الجيش المصري. وكافئ الملك "سنوسرت الاول" "سنوهي" بانه اداله الاذن والامان يعيش في مصر تاني وخلاه طبيبه الخاص.
رأي الخاص استبعد تكون هي دي القصة الأصلية ل "سنوهي" بما انها كانت قصة بتدرس في المدارس هيقولوا للاجيال ايه شخص جبان خان ملكه وهرب من الجيش واتحامي في ملك تاني اداله الامان والخير وخانه برده. غير منطقي.
نرجع بقي للقصة التانية ونقف عند ما كان بيتمشي بره الخيمة وسمع تلاته بيتكلموا وكان من بينهم "سنوسرت الاول" برده بس كان الاتنين التانيين بيبلغوه بخبر وفاه والده الملك "أمنمحات الأول"٬ ورد "سنوسرت" ان الخبر ده يفضل سر ومحدش يعرفوا من الجنود ولو حد عرفه يبقي خيانة عشان ميأثرش علي نفسية الجنود.
وفي نفس الوقت "سنوهي" كان عارف ان فيه صراع بين الاخوات علي الحكم فخاف يتاخد في الرجلين خصوصا إن واحد منهم شافه. وقرر "سنوهي" الهروب.
خرج "سنوهي" ماشي في الصحرا علي غير هدي لحد ما وقع وقرب يموت من الجوع والعطش٬ بس العناية الالاهية انقذته ومر عليه قافلة انقذته من الموت. ولما فاق سافر معاهم واتنقل من بلد لبلد لحد ما وصل ل"رتنو".
وكان امير "رتنو" محب جدا للمصريين ودايما يسمع عن اي مصري في بلده بيعززه ويكرمه. ولما حكاله "سنوهي" حكايته وعرف اد ايه انه حزين لبعده عن مصر وبيتمني يرجع بس خايف٬ اقترح عليه الامير انه يبعت رسالة ل "سنوسرت الاول" يستسمحه ويطلب منه العفو والاذن بالعودة.
لكن فضل "سنوهي" خايف من الخطوة دي. فطلب الامير منه الإقامة في بلده وجوزه كبري بناته واداله حكم جزء من مملكته٬ وخلاه قائد جيوشه واثبت شجاعة وكفاءة كبيرة نتيجة خبرته في جيش مصر. ومرت السنين وكبر ابناء "سنوهي" اللي فضل علي حبه ل"مصر" وشوقه ليها٬ وكان يستني اي مصري يجي ل "رتنو" عشان يسمع منه اخبار "مصر" ويقوله سلمولي علي مصر سلمولي.
وبعد ما وصل "سنوهي" للشيخوخة قرر ان لازم يندفن في مصر _ ده طلع الموضوع قديم بقي علي رأي يوسف داوود وكأن البلد بقت قرافة كبيرة _ فبعت رسالة للملك "سنوسرت الاول" يستسمحه بالعفو٬ وطبعا كان الملك سمع عن "سنوهي" وانجازاته في "رتنو" فطلع مرسوم ملكي بضرورة عوده "سنوهي" لمصر.
ولما وصل رد الملك ل "سنوهي" طار من الفرح وودع اهل "رتنو" وسافر علي مصر. وقابل مجموعة من البدو صحبوه في السفر لحد ابواب مصر٬ فلما النلك "سنوسرت" عرف بامر البدو بعتله قوافل محمله بالهدايا يهديها للبدو نظير اصطحابهم للمصري في سكة سفره وتكريما لأي مصري ادام اي حد يعمل معاه معروف. ده الملك لما يحب يرفع شأن رعيته طبعا. طبعا طبعا.
وعاش "سنوهي" في مصر كما تمني ودفن في ارضها. ومن رأيي ان هي دي القصة الحقيقية اللي تغني بها المصريين القدماء ودرسها الدارسون وسجلت علي جدران المعابد.
مروة طلعت 
۸ / ٧ / ۲۰۲۱
#عايمة_في_بحر_الكتب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6