علي وصفية

_ جواز الحب أحسن، ولا الصالونات.
_ مش فارق يابنتي اهو كله جواز.
_ ايوه بس جواز الحب بيبقي فيه تفاهم اكتر.
_ محكمة الأسرة فيها ياما ناس اتجوزوا عن حب عادي.
_ يعني هو اللي اتجوزوا صالونات مش في محكمة الأسرة.
_ ما عشان كده قولتلك مش فارق وعلي رأي يسرا كده خازوق وكده خازوق😂.
_ طيب ايه متتجوزش.
_ لا طبعا نتجوز بس بالعقل. نشغل عقلنا ٩٠% ولما العقل يدي الاوكي اكيد القلب نسبته هتزيد مع الوقت لأن الشخص المناسب لينا عقليا واجتماعيا ودينيا اكيد هيتحب، غير كده هتبقي مشاعر كدابة.
_ لا مبتبقاش كدابة ولا حاجة، اكيد اللي يتمسك بيا تحت أي ظروف ويتحدي الدنيا عشاني يبقي فعلا ده الحب الحقيقي.
_ وتغنوا اتحدي العالم كله وانا وياااااااك. الله علي الفراشات الوردية اللي طارت دي جميلة.
_ أيوة اتريقي. بس انا بتكلم من وجهه نظري انا لو لقيت الشخص اللي أحبه ممكن فعلا اتحدي العالم عشانه، وتبيع اي حد حتي لو أهلي المهم اني اعيش معاه.
_ يبقي هتعملي زي عبدالشكور.
_ مين؟!
_ واحد صاحبي متعرفوش 😂😂
_ برده بتتريقي😡
_ لا ده انا هحكيلك حدوتة اتنين حبوا بعض واتحدوا العالم زي ما بتقولي كده، اسمعي كده وافهمي كويس الكلام.
كان فيه بنوته بس مش زي اي بنوته، دي "صفية السادات" سليلة حسب ونسب وعيلة جدورها ممدودة من مئات السنين، كلهم أشراف مشايخ الأزهر وأصحاب أطيان وأكابر تجار البلد.
_ قريبة الرئيس "أنور السادات" يعني.
_ لا طبعا نهائي. "صفية" دي سليلة عائلة "السادات الوفائية"، عيلة من القرن التالت عشر الميلادي، عيلة متأصلة، فاكرة "الشيخ السادات" شيخ الأزهر الجليل اللي وقف في وش الاستعمار الفرنسي مع سبع بولاق، و"كليبر" سجنه واهانه، وكان السبب في أن "سليمان الحلبي" قتل "كليبر" انتقاما لإهانة الشيخ السادات.
_ ايوه انتي حكيتي الحكاية دي قبل كده. 
_ أهي "صفية" دي حفيده "الشيخ السادات"،  ده غير سلسلة عريقة من الأسماء في عيلتها كلهم مشايخ وعلماء وشهبندرات من أيام المماليك. لحد ما نوصل لأبو "صفية" الشيخ "عبد الخالق السادات".
في يوم من أيام سنة ١٩٠١م، لقي الشيخ "عبد الخالق السادات" إن صديقه "الشيخ البكري" ولفيف من كبار الوزراء ورجال الحكومة ومعاهم "علي يوسف" جايين يطلبوا ايد بنته الصغري "صفية" للصحفي "علي يوسف".
"الشيخ عبد الخالق السادات" اتاخد كده ووشه انقلب ولولا الهلمة اللي داخل بيها "علي" كان طرده. ماهو مش معقول "صفية السادات" أبوها هيجوزها ل "علي يوسف".
_ مين "علي يوسف"؟!.
_ حلو السؤال ده. "علي يوسف" كان من اشهر الصحفيين في الوقت ده. كان صحفي شاطر جدا. بيعرف ازاي يجيب الخبر. وأحد ثقة القصر والخديوي "عباس حلمي التاني". وهو اللي أسس جريده المؤيد بتاعة "مصطفي كامل"، وكان صديق مقرب لشلة "سعد زغلول" و " قاسم أمين" والجماعة دول. وطبعا كأي شخصية عامة له ماله وعليه ما عليه. ده مش موضوعنا هنا. موضوعنا أن "علي يوسف" كان راجل عصامي بني نفسه بنفسه، خرج نفسه من الصفر ونحت في الصخر. يعني من وجهه نظر "عبد الخالق السادات" إنه شخص لا له حسب ولا نسب ولا عيلة. مجرد جورنالجي. وواضح أنه طمعان في نسب وفلوس عيلة "السادات". ده غير أن "علي يوسف" كان عنده أربعين سنة ومتجوز ومخلف.
المهم " الشيخ عبد الخالق السادات" انحرج من اللفيف اللي داخل عليه، وقتلهم ربنا يسهل لما نشوف. اهي كلمة دبلوماسية فض مجالس يعني. بس "علي يوسف" راجل مايتاكلش أونطة، وفضل يلح ويبعتله ناس تلح، ويلف هو ويدور حوالين "صفية" نفسها. وشغل اسطواناته وجواباته المسبوكة ماهو الكلام ده لعبته، والبنت ياحول الله لسه ورده مغمضة بالمعني الحرفي، عجبها الكلام ودابت في الغرام.
ولما "الشيخ عبد الخالق السادات" لقي نفسه متحاوط من أكابر البلد، ادي كلمة كده مش واضحة اللي هو برده ربنا يسهل بس "علي يوسف" اعتبر أنه خطيبها خلاص. وطبعا لف علي كل معارفه والبلد كلها عرفت أنه نال الرضا ونائب أكبر عيلة في البلد ومستنين الزفاف الميمون.
فضل الحال ده ٣ سنين و"علي يوسف" داخل طالع علي بيت " السادات" وجواباته ل"صفية" طالعة نازلة. ومقابلاتهم برا في بيت اي حد من صحابهم المشتركين من غير ما أبوها يدرا. لحد ما خلاص قلب وعقل "صفية" بقي في جيب "علي". 
وجه اليوم في سنة ١٩٠٤م اللي طلب "علي" من الشيخ "عبد الخالق" أنهم لازم يتموا الزفاف عشان كده كتير بقي. وبرده اتهرب من الشيخ. وهنا قرر "علي" و "صفية" أنهم يتحدوا العالم وصفية تتحدي أبوها وتهرب وتتجوز "علي".
وفعلا خرجت "صفية" بحجة زيارة صاحبتها بنت "الشيخ البكري"، و"علي" كان مستنيها بالمأذون هناك. وفعلا اتجوزها وخدها لبيته في حي الضاهر.
مين بقي عرف الخبر ولقاه ترند جامد ينزل يكسر الرأي العام، جريده المقطم، اللي هي جريده مطبلاتية الانجليز، قالك ده احنا هنضرب عصفورين بحجر واحد، اولا تكسير عضام المنافس "علي يوسف" ثانيا نلهي الناس عن الاتفاق الودي بين انجلترا وفرنسا. سياسة بص العصفورة يعني.
وفعلا في نفس اليوم نزلت جريده المقطم خبر زواج "علي يوسف" و "صفية السادات" بدون حضور وليها " الشيخ عبد الخالق السادات". وهوب انضرب كرسي في الكلوب.
"الشيخ عبد الخالق" بيتصفح الجرائد كده كالعاده وإذ فجأة يقرأ الخبر زيه زي غيره. والحمد لله الراجل مسك نفسه مطبش ساكت فيها. وقام كده وصلب طوله وقلبك هم فاكرين ايه لقمة طرية. ده "علي" لعب في عداد عمره. وراح طالع علي النيابة وقدم بلاغ في "علي يوسف" أنه اتجوز بنته من غير ولي وبدون رغبته. بس النيابة رفضت البلاغ لأنهم اكتشفوا أن "صفية السادات" عندها ٢٢ سنة يعني مش قاصر ويحق لها تجوز نفسها. "علي" مكنش عبيط برده بس "الشيخ عبد الخالق" برده مكنش سهل.
راح نازل من النيابة وراح علي المحكمة الشرعية، ودخل علي صاحبه وتلميذ أبوه "الشيخ أبو خطوة" القاضي الشرعي، اللي طبعا كان متعاطف معاه ودمه بيغلي من اللي حصل. وراح رافع دعوة ببطلان الزواج لسببين، الأول أن "علي" ملوش نسب شريف زي نسب "صفية"، لا يليق بها اجتماعيا يعني. تانيهم ان "علي" جورنالجي ودي مهنة محرمة في الاسلام عشان بتنقل الفضائح والتجسس ونشر الاخبار.
وقامت الدنيا ومقعدتش، وبقت الجرائد تكتب والناس مفيش في بقها غير "علي يوسف" و"الشيخ عبد الخالق السادات". ولا كأنه متابعة كاس العالم. وطبعا "قاسم امين" اشتغل شغل زي الفل اوي الفترة دي. ونادي الفيمينست بتاع زمان بقي يكتب وينادي. ونادي الشريعة والمبادئ والأصول برده يكتب وينادي. وطبعا كل أب بقي يبص علي بناته كده ومقلق منهم😂 ويقول يا سلام لو يرجعوا وأد البنات بدل الجرسة أم حناجل دي😂
وبعد جلسات كتير وكلام أكتر والكورة كانت صد رد بين علي والشيخ عبد الخالق. حكم الشيخ "أبو خطوة" ببطلان عقد الزواج والتفريق بين الزوجين لعدم التكافؤ. وبعت جاب "صفية" بأمر المحكمة ترجع لبيت أبوها "الشيخ عبد الخالق السادات".
وانتصر الشيخ "عبد الخالق" وقدر يحمي ماء وجهه. بس "علي يوسف" مسكتش وفضلت حرقاه أنه حكاية أنه ملوش نسب شريف. وقرر يلجأ للقضاء المدني عشان يبطل حكم المحكمة الشرعية. بس ولاد الحلال اتدخلوا وراحوا ل "الشيخ عبد الخالق" وقال له خلاص بقي اللي حصل حصل والمسامح كريم وانت اخدت حقك ورديت اعتبارك وانت غلطان برده انك سبت الباب موارب كده. وبنتك بتحبه والي اخر كلام المطيباتية ده.
واخيرا وافق "الشيخ عبد الخالق السادات" بالجواز بس بعقد جديد يكون فيه واليها. ومهر يليق بسليلة الحسب والنسب. وده لمجرد اثبات شرف نسبه وأن بنته غالية.
وبعد ما رجعت "صفية" لجوزها فضل "علي" ٨ سنين يلف ويدور عشان يثبت أن له نسب وأنه كمان من الاشراف. 
بس ياتري بقي بعد ما القصة العظيمة دي انتهت بالزواج السعيد فضلوا يحبوا بعض وعاشوا في سعادة.
احب اقولك أن جوازهم كان تعيس جدا، فضلت "صفية" منكده عليه عيشته ومحسساه بالنقص، ويبوس ايده وش وضهر أنه ناسب الاشراف، وبعد ما الشوق خلص وانكسرت مراية الحب بقت بصاله بصه دونية. لدرجة أنه بقي طول الوقت هربان من البيت في مكتبه بالجريده شغل ٢٠ ساعة كل يوم. لحد ما مات سنة ١٩١٣م. 
يبقي نتجوز بالعقل اللي مناسب لينا عقليا واجتماعيا ودينيا وتصون كرامتنا ونخطط صح لبكرة ولا نجري ورا معسول الكلام والأوهام.
مروة طلعت
٢١ / ٧ / ٢٠٢١
#عايمة_في_بحر_الكتب











 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6