سبيل أم عباس
_ليه هو سبيل أم عباس.
سمعت المثل ده مرة في خناقة بين جارتين في أحد الأحياء الشعبية، وفضل الاسم معلق في ذهني سنين، اسأل هو فين سبيل أم عباس ده؟ ومين هي أم عباس؟ واشمعني السبيل ده بالذات بينضرب بيه المثل ما القاهرة مليانة أسبلة.
لحد ما عرفت الاجابة كاملة٬ وطبعا عزيزي مش هبخل عليك بالمعرفة دي. وزي ما اتعودنا هخدك معايا نتمشي من ميدان السيدة ونطلع علي ميدان القلعة لحد تقاطع شارع الركيبة والسيوفية مع شارع الصليبة هنلاقي هناك على شمال الشارع الرئيسي سبيل أم عباس.
أم عباس صاحبة السبيل هي "الأميرة بنبا قادن" _ كما ذكر فى كتاب الخطط التوفيقية الجديدة ل"على مبارك" _ وهى زوجة "الأمير أحمد طوسون بن محمد على باشا". أما بقي بالنسبة لعباس ابنها فهو "الخديو عباس حلمى الأول" اللي حكم مصر بعد عمه "إبراهيم باشا بن محمد علي" فى الفترة من 1848 وحتى 1854.
والغريب ان الأميرة "بنبا قادن" أوقفت السبيل كصدقة جارية على روح ابنها الخديو "عباس" ولكن بعد وفاته بحوالى 13 سنة. طبعا هتسأل وايه اللي فكرها تعمل سبيل لابنها بعد السنين دي كلها. الحقيقة ان الأميرة "بنبا قادن" كان مشهور عنها الورع والتدين الشديد وكانت مواظبة على فعل الطاعات، ومسارعة إلى الخيرات، ومحبة لتعليم البنين والبنات، وعطوفة على الفقراء والمساكين، ومحررة لكثير من العبيد والإماء والأرقاء البيض والسود والحُبُوش _نسبة إلى بلاد الحبشة _ حتى وصفها كاتب حجة وقفية السبيل أنها: «رابعة العدوية الثانية في أداء مواسم العبادات، الفائزة بقصبات السبق في مضمار العفة والإحصان». وطبيعي سيده بالمواصفات دي مش هتنسي ابنها الا لو كانت مضطرة. فبالتالي مش هنقول ايه اللي فكرها٬ هنقول ايه اللي صبرها السنين دي ومعملتش السبيل ليه اول ما ابنها مات؟!!.
وعشان نجاوب السؤال ده لازم نتعرف علي ابنها الخديوي "عباس حلمي الاول" اللي تولي حكم مصر في 24 نوفمبر سنة 1848. كان مشهور انه ان شكاك وبيخاف من الحسد جدا، ويحب يقعد لوحده عازل نفسه جوا القصر، وعشان كده بنى قصر في صحراء الريدانية التي اتحولت إلى العباسية واللي اتسمت باسمه، وكانت في الوقت ده عبارة عن صحراء. وبنى قصر في بنها على ضفاف النيل بعيد عن المدينة، وهو القصر الذي اتقتل فيه!!!.
مالك مستغرب ليه انت متعرفش أن "الخديوي عباس حلمي الاول" اتقتل في قصره وفي أودة نومه وهو نايم. أما عن القاتل ودوافعه فدي ليها قصص مختلفة بس الأغلب أن عمته الأميرة "نازلي هانم" اللي كانت في الأستانة هي اللي كارت عليه عبدين قتلوه، وده بسبب الخلافات الكبيرة اللي كانت مابينهم، وبينه وبين الأسرة العلوية كلها بسبب شكه فيهم لدرجه ان وقع العيلة كلها في بعض. والاحتمال ده اللي حكيته "مدام أولمب إدوار" فى كتابها "كشف الستار عن أسرار مصر".
ده بالنسبة لمشاكل الخديوي "عباس حلمي الاول" مع الأسرة العلوية، أما مشاكله مع المصريين كانت أكبر. اختلف عهد"الخديوي عباس حلمي الاول" عن عصر جده "محمد علي" اللي اشتهر عهده بالاستعانة بأهل العلم والخبرة من الفرنسيين في معظم مشاريع الإصلاح، لكن "عباس حلمي الاول" مكنش بيفكر في أي إصلاحات ومشا معظم الخبراء واستغنى عنهم، وتضاءل النفوذ الفرنسي في عهده بدأ النفوذ الإنجليزي يكون له تأثير كبير عليه وله عنده كلمة مسموعة عشان يمنع تدخل الدولة العثمانية في شؤون مصر.
ولما اتقتل الخديوي"عباس حلمي الأول"، صبرت أمه "الأميرة بنبا قادن" 13 سنة وبعدها وعملت له سبيل عشان عارفة أن آفة حارتنا النسيان، وان المصريين طيبين اوي يتخلل وبينسوا بسرعة، ورغم كده خافت تسميه علي اسم ابنها الخديوي صراحة فاتعرف بسبيل أم عباس.
ايه الحكاية خلصت، زهقتوا اوام كده مني😟. طب استنوا نتفرج علي السبيل ونشوف ليه الناس ضربت بيه المثل.
السبيل مكنش بس مجرد سقاية الناس، ده كمان ألحقت به الأميرة "بنبا" كتّاب و مكتبة عينت عينت فيه مدرسين لتعليم الأطفال العلوم الحديثة. والسبيل كان فيه مياه الشرب للمارة وكمان للبيوت اللي ميقدرش أصحابها على تحمل أجور السقايين. والسبيل يتكون من مستويين، الأول: تحت الأرض وفيه الصهاريج اللي كانت تستخدم في تخزين المياه، وكانت الصهاريج تملأ بمعرفة سقايين عن طريق نقلها في قرب جلدية، من أعماق النيل عشان تبقي خالية من الشوائب، وكانت المرحلة دي بتم في شهر أغسطس من كل عام في موسم الفيضان، عشان تكون الشوائب في أقل معدلاتها.
وأما المستوى الثاني فهو عبارة عن حجرة بثلاث شبابيك، وفي وش السبيل لوحة من رخام «الشاذروان» اللي بيبرد مياه الشرب، وينقيها من الشوائب إن وجدت.
وكان بيخلطوا المياه بمواد عطرية، زي العنبر والورد أو الزهر، للقضاء على أي عطن في الماء ممكن يحصل من التخزين السنوي، ده الي جانب أنها بتدي المياه حلاوة العطر فتنعش الشاربين.
مروة طلعت
14 / 7 / 2021
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق