خاين بك

منذ دخول الإسلام مصر، وقلب المصريين معلق بالمساجد، يحبوا يبنوا ويتفننوا في العمارة الإسلامية للمساجد والأضرحة علي مر العصور. لدرجة أن القاهرة اشتهرت بمدينة الألف مئذنة. بس تعرف ان فيه جامع مدخلوش المصليين يصلوا فيه من ساعة ما اتبني من ٥ قرون. معقول الكلام ده😳 
تعالي نروح شارع باب الوزير في الدرب الأحمر ونمشي في اتجاه باب زويلة بص كده ع اليمين هتلاقي جامع علي هيئة تحفة معمارية مستطيل الشكل له مئذنة مكونة من 3 أدوار، مبني على قاعدة مربعة، والمئذنة فيها سلمين يلتفان على شكل حلزوني حولها من الداخل بحيث لا يلتقيان إلا في الطابق الثالث، أما القبة فمزينة بزخارف فيها «شبابيك» عمودية على كل حوائطها من الداخل، أما الواجهة فمتغطية بقبوات حجرية دقيقة الصنع.
هتبص ع الجامع كده وتقول الله ع الجمال٬ انبهرت طبعا. طب بص كده علي عتبة الجامع شايف ايه؟. طبعا شايف النقوش الفرعونية الواضحة دي. لا مش صاحب الجامع اللي طلب تترسم٬ ده سارقها من  المعابد المصرية القديمة. 
ماهو انا نسيت اعرفك بصاحب الجامع الجميل ده. ده جامع "خاين بك"٬ ده الاسم اللي سماه بيه المصريين انما اسمه الحقيقي كان  "خَاير بك بن ملباي المحمودي".
اسمحولي انا هطلق عليه "خاين بك" زي ما جدودي سموه لانه يستاهله الحقيقة. "خاين بك"" هو أحد أمراء المماليك الجراكسة، وأول والي على مصر بعد الحكم العثماني. 
 اتولد في بلدة «صمصوم» في جورجيا، وجابه ابوه اللي كان مملوك للسلطان "قايتباي" عشان يبقي من مماليكه، لكن "خاين بك" كان مُتعالي على غيره من المماليك ومعتبر نفسه أعلى مكانة منهم، رغم انه ابوه كان مملوك من اصل ادني من باقي المماليك بس اهي عنجهه فارغة.
استمر "خاين بك" في الترقي لحد ما بقي حاجب الحجاب في بداية سلطنة الغوري، اللي عينه نائب على حلب وفضل في الوظيفة دي لحد 922 هجرية، لحد لما غزا السلطان "سليم الأول" الشام، ووقتها ولاه "الغوري" قيادة ميمنة الجيش المملوكي، لكن "خاين بك" حب يقفز علي السلطة وشاف ان "السلطان العثماني سليم الأول"، اللي وعده بحكم مصر، هو اللي هيحققله احلامه٬ فلما اشتد الهجوم العثماني انسحب "خاين بك" بجنوده، وأشاع أن" السلطان الغوري" اتقتل، والخبر ده طبعا عمل خلل في صفوف الجيش، وكان هو أول من هرب من المعركة، فخلع لبس المماليك ولبس الزي العثماني وحارب في صفوفهم، فوقعت الهزيمة المريرة في معركة «مرج دابق»٬ اول معركة ينهزم فيها الجيش المملوكي بسبب "خاين بك" واللي أدت لحكم العثمانيين لمصر لمدة 4 قرون كاملة.

واتقبض على آخر ملوك المماليك "طومان باى" الراجل الجدع اللي دافع عن مصر لاخر لحظه ضد الغزو العثماني٬ وكانت نهايته مشنوق علي باب زويلة وسط دموع المصريين وقهرتهم، ويصبح "خاين بك" أول حاكم على مصر في العصر العثماني مكافأة له على خيانته، ليُطلق عليه المصريون لقب «خاين بك»، وكما هو متوقع كان اول من أطلق عليه لقب "خاين" هو السلطان العثماني سليم الأول ذات نفسه.

وكره المصريين "خاين بك"٬ وحكي ابن اياس في كتابه بدائع الزهور  انه { كان يبات يسكر طول الليل ويصبح في خبال السكر يحكم بين الناس بما يقتضيه عقله ولم يظهر العدل في محاكماته قط منذ ان ولي علي مصر}.

وفضل كاتم علي نفس المصريين ٥ سنين و ۳ شهور. فيهم تفنن في قهر وتعذيب المصريين٬ لدرجه انه اخترع وسيلة اعدام جديدة وسماها شك الباذنجان. وهي عبارة عن خوزقه المحكوم عليه بس بالعرض من عند الضلوع ويسيبوه متعلق بالشكل ده يتعذب لحد الموت. وساعات يأمر بتوسيط المحكوم عليه بالاعدام وده يعني قطعه نصين بالسيف. ومفلتش من احكامه دي لا كبير ولا صغير ولا راجل ولا ست ولا حتي طفل. ودي كانت بداية الحكم العثماني٬ لمصر بداية كلها تفاؤل.

ولكن "ان ربك لبالمرصاد"٬ كان نهاية "خاين بك" الشلل التام وزاد عليه الامراض اللي ملقاش ليها الاطباء علاج. ويقول ابن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور، {إنه عندما اشتد المرض به لزم الفراش وأُصيب بالشلل التام، وأصابته 3 أمراض حتى أن الأطباء احتاروا في علاجه}.

وظن الوالي الخاين أن إنفاقه لماله سيشفيه، فلجأ للتصدق على الأطفال في الكتاتيب بالفضة عشان يدعوا له بالشفاء، ويضيف ابن إياس "كان يشتري الدعاء بماله".

ولما اشتد بيه المرض أعتق جواريه ومماليكه، وأفرج عن كل اللي سجنهم ظلم، ووزع الحبوب والغلال على المحتاجين والفقراء، وأخرج 10 آلاف أردب قمح للتوزيع، وبنى مسجده اللي في باب الوزير في الدرب الاحمر.

ويقول ابن إياس {لم ير الناس أحسن من هذه الأيام في عهده، فجاد على الناس وبر الفقراء، ولم يعرف الله إلا وهو تحت المرض}.

وعشان نيته وعمله الاسود اخطأ المهنسين في حساب قبلة المسجد واتبنت غلط فجت من عند ربنا عشان يفضل الجامع بتاعه مهجور وميتصلاش فيه من ساعة ما اتبني من اكتر من ٥۰۰ سنة

ولما مات سنة ۱٥۲۲م٬ محدش من المصريين رضي يصلي عليه ولا يقروله الفاتحة٬ واندفن في ضريحه اللي بناه في الجامع بتاعه المهجور. منابوش غير كل ما حد يمر جنب ضريحه يتف عليه ويدعي عليه الخاين.

مروة طلعت

۱۱ / ٧ / ۲۰۲۱

#عايمة_في_بحر_الكتب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الراشد العمري 9

الليث بن سعد 5

الليث بن سعد 6