جامع ومدرسة السلطان حسن
القاهرة مشهورة بمآذنها واشتهرت بمدينة الألف مئذنة، فيها جوامع ومساجد ومآذن تحكي حكايات وتاريخ طويل، فيه منها حكايات ليها العجب، وحكايات تحير، وحكايات مشرفة.
لو انت ماشي في ميدان القلعة اخر شارع محمد علي كده، لازم هتقف انبهار قصاد جامعين جنب بعض، واحد فيهم هو جامع ومدرسة السلطان حسن والتاني جامع الرفاعي. لكن اللي هيلفت نظرك اكتر هو جامع السلطان حسن هتحس بانبهار لعظمة وشموخ البناء. اول ماشفت جمال الجامع من حيث الحرفية في البناء والذوق والفن الراقي افتكرت كلام المستشرق الفرنسي "جاستون فييت" عن هذا الأثر الخالد: "هذا الجامع هو الوحيد بين جوامع القاهرة الذي يجمع بين قوة البناء وعظمته، ورقة الزخرفة وجمالها، وأثره قوي في نفوسنا؛ إذ له خصائصه التي لا يشترك معه فيها غيره"، ويقول "جومار" احد علماء الحملة الفرنسية في كتاب وصف مصر: "إنه من أجمل مباني القاهرة والإسلام، ويستحق أن يكون في الرتبة الأولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنتيه، وعظم اتساعه وفخامة وكثرة زخارفه".
الانبهار الخارجي بالعمارة شئ والداخلي شئ اخر، لما دخلت الجامع وصحنه حرفيا شهقت من الروعة والعظمة. طب مين هو السلطان حسن؟ وايه حكاية الجامع ده؟ وليه هو مختلف عن كل الجوامع اللي في نفس فترته؟
تعالي نقعد ونمتع عينينا بجمال المعمار وعظمته هنلاحظ ان المسجد فيه أربع إيوانات - الايوان هو قاعة أو مساحة مستطيلة، عادة ما تكون مقببة، ومحاطة بسور من ثلاث جهات، مع جهة مفتوحة بالكامل - متعامدة متواجهة مشرفة أكبرها الشرقى وكل ايوان مخصص لكل مذهب من المذاهب الأربعة (الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي)، ويبلغ طول الدهليز المؤدي إلى القبة 28 متر. وصحن المسجد على هيئة مربع تقريبا، طوله 34.60 متر وعرضه 37.5 متر، الأرضية مفروشة بالرخام، في المركز تماما فسقية للوضوء تعلوها قبة خشبية تقوم على ثمانية أعمدة، كتب على القبة آية الكرسى، هذه الميضأة بتفكرني باللي موجوده في مسجد السلطان برقوق في النحاسين. هتلاقي في صدر الإيوان محراب كبير مغطى بالرخام الملون والمحلى بالزخارف مورقة تتخللها عناقيد العنب، ويجاور المحراب منبر من الرخام له باب من النحاس المفرغ. ومحاوط المحراب بابان يوصلان إلى القبة التي تقع ورا المحراب، وهي مربعة، طول كل ضلع من أضلاعها 21 مترا، وارتفاعها إلى ذروتها 48 مترا، وفيها محراب من الرخام محلى بزخارف دقيقة، وبالجانب القبلي الشرقي المنارتان العظيمتان، ويبلغ ارتفاع كبراهما 81.50 مترا. هتلاقي كمان ضريح على يسار باب المحراب في المسجد، ودفن فيه الشهاب أحمد ابن السلطان حسن. يعلو الضريح قبة عالية تحفها المقرنصات – نقوش بارزة تشبه خلايا النحل توحي للناظر بالارتفاع، يكسو جدران الضريح الرخام الفاخر، وبه مكتبتان كانتا تضمان أمهات كتب المذاهب الأربعة، وبه أيضًا حامل للمصحف الشريف مصنوع من خشب الصندل، ومكسو بالصدف.
في العام التاني من حكمه ظهر الموت الاسود مرض الطاعون اللي اجتاح مصر بفظاعه، وحصد ملايين الأرواح، لدرجة ان ذكر المؤرخون أنه كان يموت بمصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألفا في اليوم الواحد. والجنازة اللي كانت بتطلع بترجع نص المشيعين ماتوا منهم في السكة _ الكورونا حلوة _ واتحفرت الحفر للمقابر الجماعية. وعاني مقسمي المواريث اشد المعاناة بسبب ان الورث كان ممكن يتقسم عشرين مرة في اليوم بسبب موت اللي هيورثوا وفي الاخر كانت الاموال بتتحول لبيت المال لانها بتكون بلا صاحب بعد موت كل العيلة. لحد ما حصل تضخم في بيت المال.
وفي سنة 1350م لما بقي السلطان حسن عنده اربعة عشر سنة أعلن القضاة أن السلطان بلغ سن الرشد، وأصبح أهلا لممارسة شئون الحكم من غير وصاية من حد أو تدخل من أمير. واول حاجة عملها السلطان حسن بعد فك الوصاية، مسك الاميرين اللي كانوا وصيين عليه وسجنهم وصادر املاكهم - كان متغاظ اوي منهم - ولما شافوا امراء المماليك كده قلقوا من تعاظم سلطته ليجي عليهم الدور هم كمان، فخلعوه عن العرش سنة 1351م، وبايعوا أخوه الملك صلاح الدين بن محمد بن قلاوون. والغريب انهم مقتلهوش زي باقي اخواته.
مكنش حظ السلطان الجديد أسعد حال من أخوه السلطان حسن، فكان مقيد التصرف برده ولا حتي يصدر حكما، وتجمعت السلطة في يد أميرين تانيين هم صرغتمش وشيخون، ولما حاول أحد الأمراء الاستعانة بالسلطان الجديد لخلع الاميرين والقبض عليهما سارعا في القبض على السلطان وإعادة أخوه الناصر حسن إلى الحكم مرة أخرى في سنة 1354م. وده بسبب ان فتره عزل السلطان حسن كان معتكف في غرفته ما بين صلاة وقراءة قرآن وتعبد فقالوا خلاص هو كده مش عاوز حاجة من الدنيا وهيمشي علي هوانا.
ورجع السلطان حسن في ولاية جديدة للحكم بس برده تحت عيون وتقييد الاميرين صرغتمش - له جامع برده باسمه جنب جامع احمد بن طولون - وشيخون. وفي سنة 1356م جت للسلطان حسن فكرة لصالح الرعية اللي طحنتهم ازمة وباء الطاعون، انه يستغل الاموال المتضخمة في بيت المال ويبني مسجد ومدرسة فقهية كبيرة وياخد كل الصنعية والحرفيين اللي فاضليين وحالهم وقف ومفيش عندهم شغل يشغلهم فيها. اختار مكانه قصاد قلعة الجبل فى مكان كان اسمه سوق الخيل وكان فيه بيت الأمير يلبغا اليحياوي فهده وابتدا بناء صرح جامع ومدرسة السلطان حسن اللي استمر بناؤه ثلاث سنوات انتهت بعد موت السلطان حسن.
فضل الحال علي ماهو عليه لحد ما هاجم شيخون احد المماليك وقتله. هنا بدأ السلطان حسن ياخد نفسه شوية لما واحد من الاميرين اللي طابقين علي نفسه انزاح، وبدأ يشغل ذكائه وقرب ليه الامراء الصغيرين ولاد المماليك اللي اتولدوا احرار زيه. لحد ماعمل لنفسه قوة وخط دفاع وقدر يقبض علي الامير صرغتمش، وباشر شئون الدولة بنفسه دون تدخل من أحد.
ولكن لم يدم طويلة فظهرله غريم جديد والغريب انه مملوكه الأمير يلبغا العمري اللي نجح في قتل السلطان حسن حيث استغل خروجه كعادته الي الجبل في 17 من مارس 1361م، وكان عمره يوم قتل خمسة وثلاثين سنة، وكانت مدة ملكه في سلطنته الثانية ست سنين وسبعة أشهر ولم يعثر على جثمانه، ولم يدفن في الضريح الذي بناه في المسجد خصيصا بل دفن فيه ولداه فيما بعد.
تعليقات
إرسال تعليق