الفلاح الفصيح
يلا بينا حدوتة جديدة٬ هنسافر سوا للدولة الوسطي وبالتحديد للأسرة العاشرة في مصر القديمة.
فصاحة اللسان هبه، وأخذ الحق حرفة، والميزتين دول كانوا موجودين عند "خو إن أنوب"، المشهور باسم "الفلاح الفصيح".
في يوم صحيت زوجة "خو إن أنوب" في الفجرية، في بيتهم الريفي الصغير، اللي في وادي النطرون بالفيوم، وبدأت تجهز لزوجها زاده من أكل وشرب وتحطهم علي حماره، عشان ياخدهم معاه في رحلته ل "إهناسيا" في بني سويف العاصمة في الوقت ده، للتجارة في بعض محاصيله من أعشاب وجلود وأحجار شبه كريمه.
وبعد ما ودع زوجته وأطفاله، ركب "خو إن أنوب" علي حماره وجر وراه باقي الحمير اللي شايلين بضاعته الي "إهناسيا".
وفي طريقه مر علي قرية اسمها "برفيفي"، ولما عرف عمده القرية دي "تحوتي نخت" ببضاعة "خو إن أنوب"، طمع فيها، وفكر في حياة خبيثة تخليه ياخد بضاعة "خو إن أنوب" ويستولي عليها، خصوصا أن طعمه صوره أن علاقته القوية بقاضي المنطقة "رنسي بن مرو" يقدر أنه يتجاوز حدوده مع الآخرين من غير اي مساءلة.
وقد كان راح "تحوتي نخت" قاعد في الطريق الرئيسي _ ع الزراعية _ اللي هيمشي فيه "خو إن أنوب" وراح جايب قماش فرشه علي الطريق بالعرض قال بينشفه وقعد جنبه ياكل، فلما وصل "خو إن أنوب" وشاف الوضع كده خاف يعمل مشاكل لو مشي فوق القماش فقال يقصر الشر وراح نازل بحميره في الأرض الزراعية عشان يلف ويعدي حوالين القماشة. وهنا حصل اللي كان مستنيه ومخططله "تحوتي نخت"، الأرض اللي نزل فيها " خو" ماهي الا ارض "تحوتي"، وطبعا في نزلة الحمير ومباشرة "خو" عليهم واحد ورا التاني، راح حمار منهم اكل من سنابل القمح المزروعة في ارض "تحوتي".
وهنا قام "تحوتي نخت" وأمر بالاستيلاء علي بضاعة "خو إن أنوب" بتهمه تعديه علي محاصيله وأرضه. ولما انهار "خو إن أنوب" وعلا صوته واشتد صراخه شخط فيه "تحوتي نخت" قائلا له "لا ترفع صوتك يا فلاح, انت قريب من بلد رب السكون" وكان رب السكون هو المعبود "اوزيريس" و كان له ضريح قريب من القرية ولكن "خو إن أنوب" مهتمش وقال بلهجته الريفية "تضربني وتنهب متاعي وتوقف الشكوى علي لساني, يا رب السكون اديني اذن حاجتي حتي ابطل الصراخ الذي يغضبك".
وهنا قرر "خو إن أنوب" يشتكي للقاضي "رنسي بن مرو". لكن "رنسي" مال لتصديق كلام صديقه "تحوتي نخت" ورفض مطالب الفلاح. لكن "خو إن أنوب" ميأسش وفضل يلح ويطلب مقابلة القاضي لحد ما قابله فقال له"اقم العدل امدحك ويمدحك المادحون .. ازل معاناتى فقد ثقلت واحمني فقد ضعت". وهنا أتعجب القاضي "رنسي" جدا بأسلوب وفصاحة الفلاح. فطلب منه يكتب شكواه علي هيئة خطابات ومن حلاوة كتابته وفصاحته في عرض مشكلته رفعها للملك شخصيا "أختوي الخامس" آخر ملوك الأسرة العاشرة.
الملك اتكيف اوي من جوابات الفلاح الفصيح وبقي يلاقي متعة في قراءتها، وقال الملك للقاضي "استحلفك بحق ما تحب ان تراني فيه , ان تؤخره هاهنا ولا تعقب علي شئ يقوله ,عساه ان يواصل الحديث ,ثم يؤتي الينا بحديثه مكتوبا فنسمعه, بشرط ان تتكفل برزق زوجته وعياله ,فالقروي من هؤلاء القرويين يأتينا عادة بعد املاق وعليك ان تتكفل بمعاشه بشرط ان تصرف له رزقه دون ان تشعره بأنك انت معطيه". وفعلا بعت لاهل "خو إن أنوب" في وادي النطرون أموال وسخر جند يشوفولهم معاشهم لحد ما "خو" يرجع، وطبعا من غير ما يعرف "خو" اللي موجود في "إهناسيا"، وده ليه عشان الملك قرر الصبر في الرد علي الفلاح عشان يستمتع بالخطابات الفصيحة اللي بتجيله منه أطول فترة ممكنة. يعني الراجل قاهر نفسه وحارق دمه علي حقه الضايع وشايل هم عياله اللي سايبهم في البلد بياكلوا منين والملك سايبه مش دريان عشان يقرأ جواباته.
ماعلينا، فضل الفلاح الفصيح يكتب في شكاوي ل "رنسي" اللي فضل يوصلها للملك "أختوي" عشر أيام. اللي كانت بتتكلم عن مسئولية الحاكم في الدفاع عن المظلومين وتحقيق العدالة، وان لا طاعة لملك لا يتحقق العدل في عهده. والملفت للنظر أن الموضوع كان عادي وكمان عاجب الملك متاخدش الفلاح ورا الشمس ع البوقين دول مثلا. وده دليل علي درجة الوعي ورفض الظلم المنتشرة بين الرعية. وان الملك مكنش الإله الديكتاتور كما صورته كتب التاريخ المزيفة، بالعكس من خلال كتابات الفلاح الفصيح عرفنا كمية الحرية والديموقراطية الحقيقية وابداء الرأي دون خوف زائد انتشار التعليم والقراءة والكتابة والثقافة اللي طالت جميع مستويات الرعية.
بعد مرور العشر ايام طلب الملك "أختوي" مقابلة الفلاح الفصيح، وأعلن الملك إعجابه الشديد لفصاحته وأخبره عن ماتم من مراعاه اهله في وادي النطرون، وشرح له الملك أن تأخير الرد عليه كان بسبب رغبته في زياده خطابات الشكاوي عشان ينشرهم في المدارس في عموم البلاد، لتعليم الاطفال طريقة الفصاحة والإلقاء، والتوعية بحقوق المواطن أمام الملك والسلطة _ قلبي الصغير لا يحتمل 😂 _ وأمر الملك باعاده حقوق الفلاح مع تعويض سخي ومعاقبة "تحوتي نخت".
تعليقات
إرسال تعليق