فتح عمورية
كثير منا سمع عن المرأة التي صاحت "وامعتصماه" لكن لم ندرك أن تلك الصيحة وتلك الاستغاثة كانت سبب في تحرك الجيش الإسلامي للخلافة العباسية المهيب في أكبر معركة لرد الكرامة وفتح مبين.
وقبل ما نعرف قصة المرأة وماهية عمورية، يجب أن نتلفت ذات اليمين واليسار وننظر حولنا. افتح عينيك علي اتساعها نحن في بغداد درة تاج الخلافة العباسية أيام الخليفة "المأمون بن هارون الرشيد"، الذي ما أن انتهي من خلافه مع أخيه "الأمين" واستوي علي عرش الخلافة حتي ظهر له خطر غريب يأتي من بلاد فارس.
إذ أن ظهرت فرقة ابتدعت مذهب جديد بقيادة"بابك الخرمي" سنة 201 هجريا،وهو المذهب الإباحي الذي يقوم على إباحة كل المحرمات وشيوع الأموال والأعراض بين الناس دون ضابط ويعتبر مؤسس هذا المذهب هو 'مزدك' الفارسي والذي ظهر مذهبه وانتشر في عهد 'كسرى قباذ' الفارسي حتى أصبح المذهب الرسمي للدولة الساسانية خلفاً لمذهب زرادشت الفلسفي والذي كان يحكم الفرس من قبل ذلك ولكن مذهب مزدك الإباحي سرعان ما تم القضاء عليه عندما تولى أمر فارس 'أنوشروان بن قباذ' فقضى على مزدك وأتباعه وأعاد مذهب زرادشت للحكم.
فالتفت له الخليفة "المأمون" وأرسل له القائد بالجيوش تلو الآخر وهم لا يقدرون عليه لمكانه الحصين في جبال البذ، واستفحل أمر بابك جداً ودخل في مذهبه الكثير من أهل الجبال من همذان وأصبهان وماسبذان.
حتي مات "المأمون" وهو مهموم بالتصدي لتلك الفتنة العصيبة وأوصي أخيه "المعتصم بالله" أن يتولي استكمال مابدأه في القضاء علي تلك الفتنة.
لما تولى الخليفة "المعتصم" الخلافة جعل أكبر همه أن يقضي على فتنة "بابك" حتى لا تمتد في بلاد ما وراء النهر وسائر البلاد الفارسية فعين "المعتصم" قائداً عاماً للجيوش المحاربة 'الأفشين' واسمه "حيدر بن كابوس" وأصله فارسي واستطاع الأفشين أن يوق ببابك أول هزيمة له سنة 220هـ وأفلت بابك في نفر قليل من أصحابه ودخل مدينته البذ وتحصن بها وقتل من قواده وجنوده الكثير فكان ذلك فاتحة خير وتغير في مسار الأحداث لصالح المسلمين .
حدث تطور في سير القتال عندما قضى الأفشين على أقوى قادة "بابك" واستولى على مدينته وأصبحت الجيوش كلها تحاصر مدينة بابك من كل مكان واستخدم الأفشين المطاولة الشديدة مع "بابك" حتى أصاب كلا الفريقين الضجر والملل من طول فترة القتال حتى أجبرت فرقة المتطوعين الذين خرجوا حسبة لله في القتال مطلباً للشهادة الأفشين على الهجوم الشامل على المدينة وتم فتحها بإذن الله في 20 رمضان سنة 222هـ ولكن "بابك" استطاع أن يفر بأمواله ونسائه وعياله إلى منطقة أرمينية فكتب إليه الأفشين بالأمان ليأتي ولكنه يرفض ذلك، وواصل "بابك" هروبه في غابات أرمينية من غابة لأخرى، وجنود الأفشين تطارده من مكان لآخر حتى يبقى بابك بمفرده مع بعض خواصه بعد أن تم أسر باقي من معه.
استطاع أحد الرجال واسمه "سهل بن سنباط" أن يحتال على "بابك" ويخدعه حتى يأمن "بابك" جانبه ثم يرسل ابن سنباط للأفشين فتأتي الجنود ويتم أسر "بابك". ويحمل إلى "المعتصم" في مدينة سامرا، وتم تشهيره في المدينة بإركابه على فيل ضخم القوائم وجمع الناس لرؤيته ثم أدخل دار "المعتصم" وأمر المعتصم سياف "بابك" نفسه بقطع أيدي وأرجل بابك ثم ذبحه ثم شق بطنه وقطع رأسه وتعليقها في خراسان وصلب جسده في سامرا.
ولكن قبل القبض علي "بابك" وقتله، كان أرسل استغاثة الي قيصر الروم "توفيل ميخائيل" الذي استجاب الاستغاثة "تابك" وأخذها فرصة للإغارة علي الجيوش الاسلامية، وجهَّز جيشًا يزيد قُوامه على مائة ألف جندي، وسار به إلى بلاد الإسلام، فهاجم المدن والقرى يقتل ويأسر ويمثِّل، وكانت مدينة ملطيَّة من المدن التي خرَّبها الملك توفيل، حيث قتل الكثير من أهلها، وأسر نساءها المسلمات، حتى إنَّ عددهن بلغ ألف امرأة، وكان يمثِّل بالمسلمين فيقطع آذانهم وأُنوفهم، ويَعمي أعينهم.
وكان من بين الأسيرات امرأة هاشمية_ أي من بي آل النبي_ تُدعى "شراة العلوية" صرخت عند أسرها ب "وامعتصماه" _ وهي صرخة استغاثة تطلب نجدتها للخليفة المعتصم_ فرد عليها ملك الروم ساخرا: لا يأتي لخلاصك إلا على أبلق. خيل فيه سواد وبياض وهو نوع نادر من الخيول دليل علي استحالة ذلك.
عندما بلغ "المعتصم" استغاثة "شراة" ورد ملك الروم قام من مجلسه غاضبا وصاح: لبيك لبيك، ونادى بالنفير العام، ونهض من ساعته. ونادى في عسكره بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدمة عسكره أربعة آلاف أبلق.
واجتمعت كل العساكر بقيادة 'المعتصم' عند عموريّة في شعبان سنة 223 هجريا، فركب ودار حولها دورة كاملة، وقسّمها بين القوّاد، جاعلاً لكل واحد منهم أبراجاً من سورها، وذلك على قدر كثرة أصحابه وقلتهم، وصار لكل قائد منهم ما بين البرجين إلى عشرين برجاً.أما أهل عمورية فقد تحصّنوا داخل أسوار مدينتهم، متّخذين ما استطاعوا من الحيطة والاحتراز. ودوى في فضاء عمورية صوت اهتزت له جنباتها، إثر تهدم جانب السور من أثر المجانيق التي وضعها "المعتصم" حول سور عمورية، فطاف رجال المسلمين يبشرونهم أن الصوت الذي سمع، صوت السور فطيبوا نفساً بالنصر.
وسقطت عمورية بعد أهم معركة عربية استخدمت فيها أدوات الحصار الضخمة الكبيرة كالدبابات والمجانيق والسلالم والأبراج على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يوماً، من سادس رمضان إلى أواخر شوال سنة 223هـ. ثم أمر المعتصم بطرح النار في عمورية من سائر نواحيها، فأحرقت وهدمت، وجاء ببابها الرئيسي إلى سامراء.
وفك أسر جميع الأسري في عمورية من بينهم المرأة الهاشمية صاحبة الاستغاثة ولما رآها قال لها: "اشهدي لي عند جدّك _رسول الله _ أني أتيت لخلاصك، وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق".
وعمورية لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين الروم وبنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية العاصمة. فمن أجل تطاولهم علي البلاد الإسلامية واهانة أهلها، ومن أجل صرخة امرأة من بيت آل النبي تركها "المعتصم" ركاما. ايام ماكان لنا عزة.
تعليقات
إرسال تعليق