معركة بلاط الشهداء
بعد فتح الأندلس في رمضان سنة 92 هجريا، ظل المسلمون يفتتحون البلاد المجاورة وينشرون دين الله في بقاع أوروبا حتي عام 115 هجرية. ووصل الامتداد الاسلامي حتي حدود باريس في فرنسا. ولكن لم تكن الحياة في الصفوف الإسلامية علي مايرام من بعد فتح الأندلس. إذ أنه ظهرت الخلافات بين المسلمين العرب من جهه والمسلمين الأمازيغ من جهه أخري. ولمتابعة الأحداث بشكل أفضل يرجي قراءة مقال فتح الأندلس..
وكانت تلك الخلافات عبارة عن خلافات قبلية عصبية التي أدت إلي معارك ومساحات جديدة علي صفوف المسلمين. حتي ظهر "عبد الرحمن الغافقي" الذي كان من كبار القادة الفاتحين الشجعان، كما أنه كان أحد التابعين أي تربي وتعلم علي يد صحابة رسول الله "صلي الله عليه وسلم"، ويرجع أصله الي قبيلة غافق باليمن.
تولي "عبد الرحمن الغافقي" قيادة الشاطئ الشرقي من الأندلس.فقد تميز بالحسم والفكر الصائب المتوازن، وكان حسن الخلق وتنبع إنسانيته من تربيته الإسلامية الصحيحة علي يد صحابة رسول الله "صلي الله عليه وسلم".
واستطاع "عبد الرحمن الغافقي" أن يوحد صفوف المسلمين مرة أخري، وينهي تلك الخلافات القبيحة الشاذة عن مبدأ الاسلام الإخاء والوحدة فلا فرق بين عربي وأعجمي الا بالتقوي.
وبعد ما انتهي من توحيد المسلمين، وتيقن أن قوة الإيمان اكتملت، توجه بجيشه ليستكمل الفتح من جديد حتي وصل إلي أقصي غرب فرنسا. هل لك أن تتخيل أن أسبانيا وفرنسا وغيرهم من البلاد الأوربية في يوم من الأيام كانوا تابعين للدولة الإسلامية. حقا وتلك الأيام نداولها بين الناس.
وفي مدينة بواتيه عسكر "عبد الرحمن الغافقي" بجيشه الذي يضم خمسين ألف مقاتل عند قصر قديم ومهجور، والقصر باللغة الأندلسية تعني بلاط لذلك كان المكان يسمي "بلاط".
رغم ضخامة جيش "عبد الرحمن الغافقي" إلا أنه هناك مشكلة كبيرة إذ أن تلك الحملة قد فتحت مدنا كثيرة حتي وصلت إلي بواتيه، وجمعت الكثير من الغنائم التي أثقلت الجنود وزغللت أعينهم، وبدأت تظهر مرة أخري الخلافات العصبية القبيلة من أجل اقتسام الغنائم. الي جانب احساس الزهو والاغتراب بالعدد الذي يعتبر أكبر عدد خرج في حملة فتح حتي تلك اللحظة.
وفي رمضان سنة ١١٥ هجرية دارت معركة "بلاط الشهداء" والتقي الجيشان خمسون ألفا من المسلمين وأربعمائة ألف من جيش الفرنج، حيث استطاع "شارل مارتل" تجميعهم من محاربون ومرتزقة وهمج وأمراء وعامة وعبيد. واندلعت القتال بين الجيشين لمده تسعة أيام والنتيجة متعادلة بين الجيشين لا غالب ولا مغلوب، علي رغم من عدد جيش الفرنج الذي يساوي ٨ أضعاف جيش المسلمين.
حتي أني اليوم العاشر ولعب الطمع والتشتت لعبته الدنيئة، حيث كان المسلمون في بداية اليوم لهم الغلبة علي جيش الفرنج، حتي استطاعت فرقة من جيش الفرنج النفوذ الي معسكر الغنائم خلف الجيش الإسلامي، فصاح منتادي أن أنقذوا الغنائم، فانفصلت فرقة من الفرسان في قلب الجيش الإسلامي الي الخلف مدافعة عن الغنائم، فاهتز قلب الجيش الإسلامي واهتز وضع الجيش كله مع هذه الحركة المفاجئة، فخرج "عبد الرحمن الغافقي" من بين الصفوف ينادي علي الفرقة الشارده يحاول تجميع الصف من جديد، فتلقاه سهم غادر ألقاه من علي فرسه شهيدا.
وهنا تكررت واقعة معركة أحد مرة أخري لنفس السبب، غرورو الحياة الدنيا الذي تغلب علي قوة الإيمان.
بعد انقضاء اليوم العاشر انسحب المسلمون الي الجنوب، وجاء اليوم الحادي عشر فنهض الفرنجة لمواصلة القتال، فلم يجدوا من المسلمين أحدا، فتقدموا علي حذر فإذا هي خالية وقد فاضت بالغنائم، ولم يفكر أحد منهم في تتبع المسلمين فقد ظنوا أن في الأمر خدعة واكتفوا بنصرهم في بلاط الشهداء _سميت بهذا الاسم لكثرة عدد شهداء المسلمين الذين سقطوا بعد استشهاد "عبد الرحمن الغافقي" وتخبط الجيش_ وعاد " شارل مارتل" الي بلاده في الشمال مطمئنا الي انصراف المسلمين عنها.
وكان "عبد الرحمن الغافقي" آخر قائد مسلم قاد جيشا . إسلاميا منظما لاجتياز جبال البرانس وفتح فرنسا وتداعت أحلام المسلمين بعدها في الاستمرار لفتح أوروبا.
تعليقات
إرسال تعليق