فتح الأندلس

طبعا جانب كبير منا _ وخصوصا من هم من جيلي_  شاهد مسلسل "الطارق" للراحل الرائع "ممدوح عبد العليم" _ أنا عن نفسي كلما قرأت عن "طارق بن زياد" تخيلته "ممدوح عبد العليم" _ وهناك الكثير منا يتذكر مقولة البحر من خلفكم والعدو من أمامكم، حينما أحرق "طارق" السفن من خلف المسلمين حتي لا يتكاسلوا عن الفتح، إن كنت من هؤلاء الكثير فأعلم أنه قد تم خداعك.
اليوم سنستعرض حكاية فتح الأندلس، جنة المسلمين المفقودة.
بلاد الأندلس هي اليوم دولتا إسبانيا والبرتغال ويفصل الأندلس عن المغرب مضيق أصبح يعرف بعد الفتح الإسلامي بإسم مضيق جبل طارق.
كانت بلاد الأندلس قبل الفتح الإسلامي كسائر بلاد أوروبا، تعيش فترة فترات الجهل والتخلف البالغ، فكان الظلم هو القانون السائد، حتي إن بعض أهل هذه البلاد يتفاهمون بالإمارة فليس لهم لغة منطوقة، وكانت الأخلاق متدنية والحرمان منتهكة والحالة الصحية مزرية، والبعد التام عن أي وجه من أوجه الحضارة أو المدنية. كان الأندلس قبل الفتح الإسلامي تشكو من الإضطراب والفساد الإجتماعي والتأخر الإقتصادي، لكن هذا لا يعني أن السلطة بها لم تكن قادرة علي الدفاع فهي مثل أي دولة عسكرية ديكتاتورية تهتم بتحصين نفسها وتقوية جيشها حتي لا يفقد حاكمها النعيم الذي يعيش فيه من دم شعبه، واستغلال حالة الجهل والضعف لفرض السيطرة والاستعباد .وقبل الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس بعام تقريبا إستولي "لذريق" علي السلطة وقد كان من القوط الغربين.
 دخل الإسلام بلاد الشمال الأفريقي _مصر وليبيا وبلاد المغرب _قبل فتح الأندلس بسبعين سنة وكان "موسي بن نصير" والي المغرب الذي ثبت دعائم الاسلام في هذا الإقليم حيث كسب قبائل الأمازيغ _ البربر السكان الأصليون لبلاد المغرب_ الي جانبه وجلب لهم علماء من الشام والحجاز ليعلموهم الإسلام، فأسلموا عن إقتناع 
وأصبحوا جند الإسلام شديدة البأس في غرب أفريقيا.
وكان من ضمن أبناء قبائل الأمازيغ "طارق بن زياد" الذي تطوع في جيش "موسي بن نصير".
بدأ"موسي بن نصير" يفكر في نشر الإسلام في البلاد كما نشره في المغرب، فبدأ يفكر في فتح بلاد الأندلس، ولكن كان هناك عقبات كقلة السفن التي ستنقل الجيش الي البر الآخر من البحر، الي جانب نظرته الي الجزر الشرقية القريبة من الأندلس وقد تكون داعم الأندلس ضده عند الفتح، الي جانب ميناء سبته الهام والحيوي الذي لم يفتتحه بعد المسلمون وكان حاكمه "يليان" تربطه علاقات جيده مع الأندلس فخشي "موسي" أن يهاجم الأندلس فيأتي "يليان" من خلفه فيحاصروه ويقضوا عليه،الي جانب أن قوات المسلمين الفاتحين التي جاءت من جزيرة العرب والشام واليمن محدودة جدا، وأيضا طبيعة جغرافيا الأندلس مجهولة للمسلمين حيث تتميز بكثرة الجبال والأنهار التي قد تصلح كثغرات وأفخاخ للمسلمين.
ورغم كل تلك العقبات التي قد تكون أمام البعض مستحيلة لبلوغ المنا، إلا إن "موسي بن نصير" لم ييأس ووضع فتح الأندلس كفاية لابد من الوصول لها، لأجل ذلك أعد العدة لتسخير الوسيلة.
أولا بدأ "موسي بن نصير" في عام ٨٨ هجرية ببناء الموانئ التي تصنع السفن الحربية بهمة وإرادة عالية. 
ثانيا بذل مجهود أكثر في تكثيف الدورات الإسلامية لقبائل الأمازيغ لتعريفهم الصحيح بدينهم فأكتسب أعدادا غفيرة من الجنود الأمازيغ في الجيش الإسلامي حيث كان معروف عن  الأمازيغ بقوتهم وبأسهم الشديد وبسالتهم في الحروب. 
ثالثا ولي قياده الجيش المتجه الي الأندلس الي الأمازيغي المحنك "طارق بن زياد" ذلك القائد الذي جمع بين التقويم والورع، والكفاءة الحربية الي جانب تميزه عن القادة العرب بقدرته علي فهم وقيادة قومه من الأمازيغ الذين يعتبروا أغلبية الجيش المتجه الي الأندلس.
 رابعا قام "موسي بن نصير" بفتح جزر البليار من تحدثنا عنها بإسم الجزر الشرقية القريبة من الأندلس، وضمها الي أملاك المسلمين، وبهذا يكون قد أمن ظهره من جهة الشرق، وهو ما يدل علي حنكة وبراعة في التخطيط.
خامسا تبقي أمام "موسي بن نصير" أكبر وأهم عقبة ألا وهي ميناء سبته إلا أن تلك المشكلة تم حلها إلاهيا. ففي ذلك الوقت رغم العلاق الطيبة بين سبته والأندلس إلا إن كان "يليان" حاكم سبته يحمل الحقد الدفين ل "لذريق" حاكم الأندلس إذ أن "لذريق" قتل "غيطشة" الحاكم السابق الأندلس وصديق " يليان"، كما أن ذكرت الكثير من الروايات أن "لذريق" إغتصب إبنة "يليان" الذي أقسم علي الإنتقال منه، ولم يجد أمامه من إنتقام أفضل من مساعدة المسلمين.
ففوجئت "موسي بن نصير" بعد ما نفذت منه كل الأفكار والحيل برسول من "يليان" يذهب الي "طارق بن زياد" يعرض عليه التفاوض، وكان من بنود العرض هو تسليم سبته خالصة مخلصة الي المسلمين، وهو العرض الذي مازال يحير المسلمون حتي الآن، أإلي هذا الحد كانت كسرة "يليان" في صديقه وابنته ورغبته في الانتقام يدفعه الي تسليم بلدته بمنتهي السهولة والرضا حتي يتم تحقيق انتقامه؟ حقا هو ترتيب إلاهي عظيم.
فبعث "طارق بن زياد" الي "موسي بن نصير" الذي كان في القيروان بتونس، فطار فرحا بالخبر وبعث الي خليفة المسلمين وقتها الأموي "الوليد بن عبد الملك بن مروان" يستأذنه في فتح الأندلس. فوافق "الوليد" بشرط أن يختبرها بسرية من الجيش أولا وليس الجيش كله لأنهم يشكون في المعلومات التي سيدليها "يليان" لهم عن طرق ومسارات الأندلس فالحرص واجب. ووافق "موسي بن نصير" لأنه كان من رأي الخليفة. وجهز سرية من خمسمائة رجل علي رأسهم "طريف بن مالك" الذي كان أمازيغي أيضا.فأستقل أربعة مراكب ووصل الأندلس في رمضان عام ٩١ هجرية.وقام "طريف" بمهمته علي أكمل وجه من دراسة منطقة الأندلس الجنوبية التي سينزل بها جيش المسلمين وعاد الي "موسي" وقد سميت تلك الجزيرة علي أسمه "بجزيرة طريف". 
ظل "موسي بن نصير" يجهز الجيش وعتادهم عام كامل بعد عوده " طريف بن مالك"، وفي شعبان عام ٩٢هجرية تحرك جيش المسلمين المكون من ٧ آلاف فقط وعلي رأسهم القائد "طارق بن زياد" الي الحلم الأكبر، الأندلس.
تحرك الجيش الإسلامي عبر المضيق الذي سمي بمضيق جبل طارق علي إسم "طارق بن زياد" حتي في اللغة الإسبانية. ومن جبل طارق انتقل الي الجزيرة الخضراء وهناك قابل الجيش الجنوبي الأندلس وانتصر عليهم "طارق" فبعث قائدهم برسالة استغاثة الي "لذريق" في طليطلة عاصمة الأندلس قائلا فيها أدركنا يا لذريق فقد هبط علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟.
ولما وصلت إلي "لذريق" أن الجيش الإسلامي يزحف الي قرطبة، حشد حشوده وأرسل قوة عسكرية بقيادة ابن أخته "بنشيو" للتصدي لهم، فقتل "بنشيو" وفر الجنود الي الشمال.
حين علم "لذريق" بفداحة الأمر جمع جيشا يقدر بمائة ألف من الفرسان وكان جيش المسلمين بقيادة "طارق بن زياد" سبعة آلاف من المشاة وعدد محدود جدا من الخيل وقد جاءت المدد بفريق "طريف بن مالك" بخمسة آلاف آخرين من المشاة فقط.
واختار "طارق" أرض المعركة في وادي برباط حيث من خلفه وسنينه جبل شاهق فلا يستطيع جيش العد أن يطوقه من الخلف. ومن بعيد جاء "لذريق" بجيشه محمولا علي عرشه ويرتدي تاجه في غرور، وجاء معه بحبال محملة علي بغال حتي يقيد بها المسلمين كما هيأله غروره ويأخذهم عبيدا بعد المعركة.
وفي ٢٨ رمضان عام ٩٢ هجرية بوادي برباط دارت معركة غير متكافئة ومحسومة منطقيا بفوز ذوي العدد الرهيب والعتاد، إلا أن كانت الشفقة الحقيقية لهذا الجيش الرهيب الذي انكسر أمام ذوي الهمم وذوي الهدف السامي والذين صادقوا ماعاهدوا الله عليه فكان نصر الله المبين بعد معركة طالت لثماني أيام متصلة، فأنتصر المسلمون وفتحت الأندلس بقوتهم الإيمانية، وانتهت المعركة باستشهاد ٣ آلاف مسلم. 
أما عن خطبة "طارق بن زياد" عن البحر والعدو التي أسلفنا ذكرها في أول المقال، فهذه الحكاية ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي ولو كان حدثت لكان "موسي بن نصير" وفوقه الخليفة "الوليد بن عبد الملك" مساءلون "طارق بن زياد" عن حرق السفن وذلك لم يحدث لأنه لم يذكر في كتب التاريخ الموثقة، أما عن سبب وجود هذه الإذاعة فكان مصدرها الأوروبيون الذين لم يستطيعوا تفسير كيف انتصر اثنتان عشر ألفا من المسلمين المشاة علي مائة ألف فارس من القوط في بلادهم الغريبة عن المسلمين.
وبعد الفتح استمر "طارق بن زياد" المضي بجيشه شمالا حتي دانت كافة بلاد الأندلس لحكم المسلمين.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا