معركة القادسية
تعتبر معركة القادسية من أهم وأشرس المعارك الحربية التي خاضها المسلمون، وتعتبر معركة فاصلة في التاريخ الاسلامي، وحتي نعرف أسبابها وملابسات تلك المعركة لابد وأن نوجز الجو العام الذي يسبق تلك المعركة المباركة.
بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم سنة ١١هجرية، تولي من بعده خلافة المسلمين "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه، واتسع نطاق الردة عن الإسلام في كل مكان إلا ما كان من المدينة ومكة والطائف وعليه انشغل "أبي بكر الصديق" في محاربة جيوش المرتدين حتي قضي عليهم وقضي علي تلك الفتنة وعادت صفوف المسلمين الي الترابط وسوي أمور المجتمع الإسلامي، وبعد ما إستتب الأمر ركز "أبي بكر” انتباهه في تنفيذ وصية رسول الله "صلي الله عليه وسلم" في نشر دين الحق في كل مكان. وبالفعل أرسل "أبي بكر" رسله الي الفرس والروم يدعوهم الي الإسلام، وبالطبع تم رفض تلك الدعوة من الجانبين، بل إن كسري الفرس زاد في وفتحته بأن سخر من الرسالة والدعوة وقال إنه بإمكانه القضاء علي المسلمين وأخذ أراضيهم ببساطة الاحتلال الفارسي. وكانت النتيجة أن جهز "أبي بكر" جيوشه وولي قيادتها لسيف الله المسلول "خالد بن الوليد" واللي أخذ جيشه وتوجه بهم الي جنوب العراق واستطاع بذكائه وحنكته الحربية الانتصار علي جيش الفرس في أمور من معركة حتي سنة ١٣ هجرية عندا أتت ل "خالد" رسالة من " أبي بكر" بالتوجه بنصف جيشه الي الشام لمساعده جيش المسلمين في حربه ضد الروم.
وفي 14هـ جمع كسري الفرس "يزدجرد" جيوشه ضد المسلمين، وفي ذلك الوقت توفي "أبي بكر الصديق" وتولي من بعده الخلافة "عمر بن الخطاب"، فبلغ أمر احتشاد جيوش الفرس "المثنى بن حارثة الشيباني" فكتب إلى "عمر بن الخطاب" فأعلن الإستعداد العام للمسلمين أن يدركوا إخوانهم المسلمين في العراق واجتمع الناس بالمدينة المنورة فخرج "عمر" معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق والناس لايدرون مايريد أن يصنع "عمر"، واستشار "عمر" الصحابة في قيادته للجيش بنفسه فقرروا أن يبعث على رأس الجيش رجلاً من أصحاب الرسول ويقيم هو ولا يخرج واستشارهم في من يقود الجيش .
فأشير إلية ب"سعد بن أبي وقاص.
بالفعل سار "سعد بن أبي وقاص" بجيش يبلغ ٣٠ ألف مقاتل وهو من أكبر الجيش الاسلامية عددا وعتادا تم جمعهم في هذا الوقت، فنظم الجيش وجعل على الميمنة "عبد الله بن المعتم" وعلى الميسرة "شرحبيل بن السمط الكندي" وجعل خليفته في حال إذا استشهد خالد بن عرفطة" وجعل "عاصم بن عمرو التميمي" و"سواد بن مالك" على الطلائع و"سلمان بن ربيعة الباهلي" على المجردة وعلى الرجالة أي من يسيروا بدون خيل أو ناقة "حمال بن مالك الأسدي" وعلى الركبان "عبد الله بن ذي السهمي" وجعل داعيتهم "سلمان الفارسي" والكاتب "زياد بن أبيه" وعلى القضاء بينهم "عبدالرحمن بن ربيعة الباهلي."
وعلي جانب الفرس سار كسري الفرس "رستم فروخزاد"بنفسه علي رأس جيشه الذي بلغ ١٠٠ ألف مقاتل تقريبا حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى القادسية ومعه سبعون فيلاً كعاده الفرس في الحروب لإرهاب جنود وخيول الفريق المقابل.
في اليوم الأول للمعركة صلي "سعد بن أبي وقاص" الظهر بجيش المسلمين وقرأ عليهم سورة الأنفال ونظرا لجروح سابقة لم يشترك في الحرب وأكتفي بالقيادة المبعدية للجيش وعين"خالد بن عرفة" قائد من بعده.
و ابتدأ القتال وكعاده أساليب القتال القديمة طلع أربع فرسان مسلمين يبارزون أربعة فرسان من جيش الفرس قبل بدء المعركة وعلي رغم من شده صعوبة المبارزة إلا إن أول ثلاث مسلمين انتصروا وقتلوا مبارزينهم حتي إن الفارس الفارسي الرابع تولاه الرعب وهرب من المبارزة، وبعدها التحم الطرفين وسط صيحات التكبير من المسلمين والجيش الفارسي ثقته مهزوزة بسبب ما حدث في المبارزة الفردية.
ولما رأت خيل المسلمين الفيلة خافت وركز الفرس ب (17) فيلاً على قبيلة بجيلة في ميمنة الجيش الإسلامي فكادت تهلك، فأرسل "سعد" إلى بني أسد الذين كانوا في قلب الجيش أن دافعوا عن بجيلة فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى "سعد" "عاصم بن عمرو التميمي" ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة فارتفع عواؤها فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه وأنقذ قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب وأصيب من أسد في اليوم الأول من المعركة خمسمائة مقاتل وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى "أرماث".
وفي اليوم الثاني وكل "سعد" بالقتلى والجرحى من ينقلهم وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلع مدد للجيش الإسلامي قادم من الشام وكان في مقدمتها "هاشم بن عتبة بن أبي وقاص" و"القعقاع بن عمرو التميمي" وطبعا فرح المسلمون فرحا عظيما واستبشروا النصر بوجود خيرة الفرسان "القعقاع بن عمرو" والذي قال عنه "أبو بكر الصديق" أن صوت "القعقاع" في الجيش أفضل من ألف رجل، وقسم "القعقاع" جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس وانطلق أول عشرة ومعهم "القعقاع" فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام فهبطت هممهم وطلب "القعقاع" مبارزه أفضل فرسان الفرس فنازله "بهمن جاذويه" أول وصوله فقتله فرتعب الفرس ولم يروا في ذلك اليوم خيرا، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها ووضع "القعقاع" خطة ذكية فألبس الإبل التي يركبها المسلمين في المعركة أقنعة مخيفة مجللة مبرقعة وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم وهو يوم أغواث _ أي آتاهم الغوث في هذا اليوم _ كما فعلت فارس يوم أرماث فجعلت خيل الفرس تفر منها وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل.
ابتدأ اليوم الثالث من المعركة سمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت خيل المسلمين، ورأى "سعد" الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال ل"عاصم بن عمرو" و"القعقاع": اكفياني الفيل الأبيض وقال ل"حمال" و"الربيل": اكفياني الفيل الأجرب، فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عينيه فنفض رأسه وأوقع راكبه وصندوقه فضربه "القعقاع" فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب فطعنه "حمال" في عينه فجلس ثم استوى وضربه "الربيل" فأفلت الأجرب جريحاً وولى وألقى نفسه في النهر واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن
وفي اليوم الرابع تزاحف الجيشان وسميت هذه الليلة ليلة الهرير، حمل "القعقاع" وأخوه "عاصم" والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار بعد سواد الليل والمعركة دائرة رحاها عن "سعد بن أبي وقاص" و"رستم فروخزاد" فلم ينم الناس تلك الليلة وظل "سعد" حتي الصباح يصلي ويبتهل الي الله ويدعوا بانتصار المسلمين، وكان "القعقاع" محور المعركة.
فلما جاءت الظهيرة فكرت "القعقاع" في خطة ينهي بها الحرب لصالح المسلمين ألا وهي قتل كسري الفرس "رستم فروخزاد"، ولأجل ذلك قرر يركز الهجوم علي قلب الجيش حتي يتفرج ويستطيع جيش المسلمين العبور في منتصف جيش الفرس والوصول الي كسري الفرس الذي يحتمي خلف جيشه وبالفعل انفرج القلب وأرسل الله ريحاً هوت بعرش "رستم" وعلاه الغبار ووصل "القعقاع" ومعه "هلال بن علفة" ولما أدرك كسري الفرس "رستم" وصولهم هرب إلى النهر فرمى نفسه ورآه "هلال" فتبعه وارتمى عليه فأخرجه من النهر ثم قتله ثم صعد طرف العرش وقال: قتلت رستم ورب الكعبة إلي إلي.
ولما عرف جيش الفرس بمقتل كسري جاءتهم حالة فزع وانشقوا عن الجيش وفروا فرارا الي النهر والقول بأنفسهم سابحين،الا أن المسلمين ظلوا خلفهم ورموهم بالسهام في قلب النهر فقتلوا عددا كبيرا، وأما من خرج من النهر فلاقاهم فرقة من المسلمين أرسلهم سعد بن أبي وقاص" الي الضفة الأخري من النهر فقضوا عليهم.
انتهت معركة القادسية بانتصار ساحق علي الفرس والقضاء علي دولة الفرس التي دامت قرون في معركة عظيمة دامت ٤ أيام وثلاث ليالي، خسر فيها المسلمون ٦ الاف شهيد، وقتل من جيش الفرس٢٢ ألف قتيل.
تعليقات
إرسال تعليق