فتح مكة
مع ثاني حلقات سلسلة غزوات ومعارك في رمضان
(فتح مكة)
في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة، خرج رسول الله "صلي الله عليه وسلم" الي مكة معتمرا بعد أن رأي في منامه انه يدخل مكة، وكان عدد المعتمرين معه ألف وربعمائه من بينهم زوجته "أم سلمة". وجميعهم بثياب الاحرام بلا سلاح لتعلم قريش أن دخولهم في سلام للعمرة فقط. وعندما علمت قريش بقدوم النبي الكريم ومعه المسلمين أرسلت له رسولا تلو الآخر يحذره من دخول مكة والا قاتلوه، فكان رد الرسول "صلي الله عليه وسلم": إنَّا لم نجِئْ لقتالِ أَحدٍ ولكنَّا جِئْنا مُعتمرينَ.
عندما رأى الرسول "صلي الله عليه وسلم" هذا الإصرار من قريش، أراد أن يرسل سفيراً إليها، مؤكداً لهم هدفه من دخول مكة المكرمة، فأرسل "عثمان بن عفان" لوجود عشيرته في قريش تحميه اذا انتوي أهل قريش الغدر وقتله. وتأخر "عثمان" في العودة فظن المسلمون بأنه قتل، فأجمع الرسول "صلي الله عليه وسلم" المسلمين وطلب منهم البيعة وجلس أسفل الشجرة يتلقي البيعة من المسلمين وسميت "بيعة الرضوان" لأن الله رضي عنها حبث قال الله تعالي -: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا). ويُشار إلى أنّه كان للمُبايِعين فضل عظيم؛ فقد مدحهم الله في كتابه، حيث قال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).
عندما عاد "عثمان بن عفان" بشرهم بأن تم الاتفاق علي صلح ومهادنة مع قريش. كان التفاوض بين النبيّ "صلّى الله عليه وسلّم" ورسول قريش "سهيل بن عمرو"؛ لعَقد هذا الصلح بعدما أرسلت قريش رُسلها لصد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"عن دخول البيت، وكانت بنود الصلح الذي سمي ب "صلح الحديبية" بين الرسول"صلي الله عليه وسلم"، وقريش على النحو الآتي:
1- أن يعود عليه الصلاة والسلام ولا يدخل مكة المكرمة هذا العام، وإن أراد دخلَها العام المقبل.
2- أن تُعقَد هدنة بين فريقَي المسلمين، وقريش مدة عشر سنوات لوضع الحرب.
3- أن من أراد أن يؤمن فله ذلك، ومن أراد أن ينضمّ إلى قريش فله ذلك، ويصبح ذلك الفرد أو القبيلة جزءاً من الفريق، وأي اعتداء يتعرّض له يعتبر اعتداء على الفريق كله.
4- أن من ذهب إلى محمد "صلى الله عليه وسلم"من فريق قريش من غير إذن قائده فارا منهم فإنه يعاد إليهم، ومن ذهب إلى قريش من غير إذن محمد "صلى الله عليه وسلم-" فارا منه، فإنه لا يعود إليه.
ودخل في صلح الحديبية الي جانب المسلمين قبيلة "خزاعة" ودخلت قبيلة "بكر" الي جانب قريش. ومن يدخلون في الصلح لهم ما لفريقه من شروط. قد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فأغاروا عليها ليلاً، فاقتتلوا، وأصابوا منهم ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال ، فأسرع "عمرو بن سالم الخزاعي" إلى المدينة، وأخبر النبي "صلي الله عليه وسلم" بغدر قريش وحلفائها. واسرعت قريش بارسال "ابي سفيان" الي المدينة لمحاولة تجديد الصلح مع المسلمين ولكن الرسول "صلي الله عليه وسلم" رفض ونادي في المسلمين بالتأهب والاستعداد واستنفار الجيش للرد عما حاق بحلفيتهم "خزاعة" ونقضهم لصلح الحديبية.
وفي رمضان من السنة الثامنة من الهجرة خرج جيش المسلمين من المدينة وانضم لهم عدد من القبائل فكونوا جيشا من عشرة آلاف متوجهين الي مكة لفتحها. معاهدة الحديبية كان بها بند شديد الخطورة لم تنتبه له قريش جيدا، وهو طلبها رد أي شخص يأتي للرسول يعلن اسلامه الي أهله ظنا منهم بقدرتهم علي رده الي الكفر ثانية، فكانت النتيجة اسلام عدد كبير في قريش وظلوا بداخل قريش أو علي أطرافها وكانوا هؤلاء أكبر شوكة في ظهر القريشين أثناء فتح مكة.
وفي الطريق بدأت بشريات النصر تهب على المسلمين؛ إذ لقي المسلمون العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أحب الناس إلى قلبه مهاجرا قبل أن يصل الرسول إلى مكة المكرمة. وأكمل الرسول الطريق فوجد المسلمون "أبا سفيان" و"عبد الله بن أمية"، وكانا من أشد الناس على رسول الله، وجاءا من مكة المكرمة إلى المدينة ليعلنا إسلامهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن شدة إيذائهما للرسول رفض في البداية أن يقابلهما، ولولا أن زوجته السيدة أم سلمة رضي الله عنها -وكانت مصاحبة لرسول الله في الفتح- قد توسطت لهما، فقابلهما وأعلنا التوبة الكاملة بين يديه.
ثم دخلت الجيوش الإسلامية مكة من كل مكان، ولم تلق قتالا يذكر إلا عند منطقة في جنوب شرق مكة اسمها منطقة الخندمة، وتزعم فريق قريش كلا من "عكرمة بن أبي جهل" و"صفوان بن أمية" ، وقاتلوا في هذه المنطقة سيف الله المسلول "خالد بن الوليد" بفرقة قوية من الفرسان، وما هي إلا لحظات حتى انتصر "خالد بن الوليد" بجيش المسلمين، وهرب "صفوان بن أمية" و"عكرمة بن أبي جهل" من مكة المكرمة، وخمدت المقاومة تمامًا، وفتحت مكة أبوابها لرسول الله "صلي الله عليه وسلم" يدخلها آمنا مطمئنا عزيزا، ويضرب الرسول للعالم مثلا إسلاميًا في الصفح يبقى إلى يوم القيامة، فبعث "أبا سفيان" – وقد كان اختيارا عبقريا من الرسول حتي يكسب قلب "أبا سفيان" وهو من اسياد قريش حيث ميزه حتي يصبح ساعد قوي في مجتمع مكة الجديد - منادي في قريش قبل دخول جيش المسلمين قائلآ قال صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
ودخل جيش المسلمين مكة في صباح الجمعة الموافق عشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، وقلوبهم تخفق بالفرح ودموعهم تسابق تكبيراتهم فرحا بدخول بيت الله الحرام وعودتهم الي بلدهم مكة مرة أخري بعد بعدهم وحرمانهم منها ثماني أعوام ،وبعد الطواف بالكعبة أمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها وكان عددها ثلاثمائة وستون صنماً مثبتة بالرصاص، فجعل يطعنها ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً} الإسراء: 81
ثم دعا "عثمان بن طلحة"، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، فأمر بها ففتحت. روى الأزرقي أنه "جعلت في دعائمها صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة .فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالأزلام، فأمر بطمس تلك الصور فطمست، وصلى بها. ثم خرج وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع، فقال: (يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه: {لا تثريب عليكم اليوم} اذهبوا فأنتم الطلقاء). وأعاد المفتاح لعثمان بن طلحة، ثم أمر "بلال بن رباح" أن يصعد الكعبة فيؤذن، فصعد "بلال" فرحا الي سقف الكعبه وانطلق اذان التوحيد لأول مرة في مكة المكرمة وسيظل الي يوم يبعثون.
تعليقات
إرسال تعليق