غزوة بدر
أولي حلقات سلسلة غزوات ومعارك في رمضان مع "غزوة بدر الكبري"
(غزوة بدر)
لما هاجر المسلمين من مكة الي يثرب - اللي عرفت بعد كده بالمدينة المنورة - فرارا بدينهم من بطش أهل قريش بعد تفننهم في التنكيل بالمسلمين حتي انهم فروا بأرواحهم وتركوا خلفهم منازلهم وأموالهم وبضائعهم، وبدأ الرسول "صلي الله عليه وسلم" بتأسيس مجتمع جديد يقوم علي أساسيات الدين الاسلامي, وانصرف المسلمون عن أمور أهل قريش بمجتمعهم الجديد, ولكن أهل قريش لم ينصرفوا عن المسلمون بل كانوا في غيظ وقلق من المسلمين وخصوصا كلما رأوهم يزدادون أعدادا وترابطا.
وخشي أهل قريش علي تجارتهم حيث أن "يثرب" تقع علي طريق قوافل تجارتهم، فأرسلوا إلى عبد الله بن أُبي بن سلول حيث كان أحد كبار الخزرج في يثرب قبل الهجرة كتابًا نصه: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم، وأرسلت قريش إلى المسلمين تقول: لا يغرَّنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم.
فلما رأي الرسول "صلي الله عليه وسلم" نوايا قريش الخبيثة، فأراد الرد بشكل عملي كدليل علي قوة جبهه المسلمين حتي لا تظن قريش أن المسلمون مازالوا لقمة سائغة كما كانوا في مكة. لذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم -في جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة- بجيش فيه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا بفرسين وسبعين بعيرا يعترضون قافلة تجارية لقريش متجهة نحو الشام لاسترجاع أموالهم التي منهم قريش قبل وأثناء هجرتهم إلى المدينة المنورة. وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "هذه عير قريش فيها أموالكم، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها."
وعلم أبو سفيان - اللي كان قائد القافلة - بجواسيسه تحرك جيش المسلمين فأرسل مستنجدا بأهل قريش، وفي ذات الوقت استطاع أبو سفيان المراوغة والافلات من جيش المسلمين. ولما عاد الي قريش وجد أنهم استعدوا بجيش مقداره ألف وثلاثمائة مقاتل، في مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة لا يعرف عددها بقيادة أبي جهل. وعل الرغم من نجاح ابو سفيان ورجوعه بالقافلة الي قريش الا ان قادة قريش أصروا علي مواصلة ما عزموا عليه ومحاربة جيش المسلمين طمعا في القضاء عليهم.
ولما علم الرسول "صلي الله عليه وسلم" بخروج عسكر الكافرين من قريش متجهين الي" بدر" – تبعد عن المدينة المنورة بحوالي 150 كم – اجتمع بأصحابه للمشاورة حول الأمر وحسم نتيجة الشورى لصالح الحل العسكري حيث قام في النهاية "سعد بن معاذ" قائًلا: "لَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْت بِهِ هُوَ الْحَقّ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودِنَا وَمَوَاثِيقِنَا، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ .. فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْت فَنَحْنُ مَعَك، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقُرّ بِهِ عَيْنُك، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ".
قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "سيروا وأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم" ثم تحرك النبي بأصحابه فنزلوا قريبًا من بدر، واستكشف عليه السلام الأمر بنفسه، فعلم عدد القوم، ومن خرج من أشراف مكة ثم قال لأصحابه: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها".
ولما نزل النبي بدرًا قال "الحباب بن المنذر": يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلك الله إياه، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة" قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء القوم فننزل ونغِّور -أي نخرب- ما وراءه من القَلب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله: "لقد أشرت بالرأي".
فنهض عليه السلام بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه شطر الليل، واتخذ النبي له عريشًا على تل مرتفع في الشمال الشرقي لميدان القتال، ثم عبأ رسول الله جيشه، ومشى في موضع المعركة.
وفي يوم السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة طلع المشركون، وتراءى الجمعان قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخُيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم فأحنهم إلي الغداة"
ثم أمرهم ألا يبدأوا القتال حتى يأمرهم، وكان من عادة الحروب قديما أن تتم المبارزة الفردية بين أفضل فرسان الجانبين قبل أن يبدأ التحام الجيشين، وكان بداية القتال أن خرج من جيش المشركين "الأسود بن عبد الأسد المخزومي" أمام سيد الشهداء عم الرسول "حمزة بن عبد المطلب" فضربه "حمزه" ضربة قطع بها نصف ساقه، ثم ثنى عليه بضربة أتت عليه. ثم خرج ثلاثة من فرسان قريش هم عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، وطلبوا المبارزة فخرج اليهم عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، ونجح حمزة وعلي في النزال وقتلا خصميهما أما عبيده فقد ساقه وتوفي بعدها بخمسة أيام.
ولم يزل رسول الله بعد رجوعه من تعديل الصفوف يناشد ربه ويقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا".
وبالغ صلى الله عليه وسلم في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه "أبي بكر الصديق" وقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك، وأغفى النبي إغفاءة ثم رفع رأسه وقال: "أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع" . ثم خرج من باب العريش، وهو يثب في الدرع ويقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر" ثم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشًا، وقال: "شاهت الوجوه" ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَي "الأنفال:17.
قال "ابن عباس" ابن عم رسول الله رضي الله عنه: بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذا سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه! فخر مستلقيًا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله فقال: "صدقت، ذاك مدد السماء الثالثة" أي أن الله أرسل ملائكته يحاربون مع جيش المسلمين.
انتهت غزوة بدر المباركة بهزيمة جيش المشركين وقتل 70 رجلا من كبار رؤوس الكفر. أما الأسرى فقد أخذ الرسول أربعة آلاف 4000 درهم عن كل أسير كما شار عليه "أبي بكر الصديق"، أما من كان لا يملك المال ويعرف القراءة أعطي عشرة من غلمان المسلمين يعلمهم القراءة والكتابة.
انتظروني غدا وحلقة جديدة من سلسلة غزوات ومعارك في رمضان.
تعليقات
إرسال تعليق