نفيسة البيضا .... عاشت أميرة وماتت ذليلة
من حوالي 8 سنين كان فيه مسلسل اسمه "نابليون والمحروسة" تقريبا كنت من القليلين اللي تابعوه وحسوا انه مسلسل رائع ومخدش حقه، وفي المسلسل ده عرفت شخصية عمري ماسمعت عنها في كتب التاريخ العقيمة اللي درسناها، وهي "نفيسة البيضا" أو "أم المماليك" وهي دي بطلة قصتنا النهاردة.
تطلع مين بقي "نفيسة البيضا" دي؟ شايك ونسكافيهك وتعالي اقعد كده
هحكيلك حكاية الست اللي قادرة علي التحدي بجد مش اي كلام وتعالي نرجع للقرن ال 18
الميلادي. "نفيسة" كانت جارية شركسية مش معروف البلد اللي جت منها منين
بالظبط المهم أنها جت واتباعت في مصر، بنت صغيرة بيضا اوى وجميلة جدا شافها
"علي بك الكبير"- المملوك المشهور اللي كان عاوز يستفرد بحكم مصر ويدي
العثمانيين صابونة بس اماله غرقت في بحر الخيانة- انبهر بجمالها و"نفيسة" مكنتش بس
جميلة كانت ذكية جدا، ومكتفاش "علي بك" بانه اشتراها بل من شده حبه ليها
تزوجها وبنالها بيت في الازبكية – مكان سور وحديقة الازبكية حاليا – واهتمت نفيسة
في الوقت ده بتعليم نفسها العربية الي جانب اتقانها التركية والفرنسية وبدأت تتردد
علي مجالس العلم. ولفت ودارت الايام وجه وقت الخيانة واتفق "محمد بك ابو
الدهب" مع "مراد بك" علي قتل "علي بك الكبير" وكان شرط
"مراد بك" أنه ياخد "نفيسة"، وفعلا كانت "نفيسة"
تمن خيانة وقتل "علي بك" 1773م، واتجوزها "مراد بك" – طبعا
هنسأل ازاي اتجوزت قاتل جوزها هنلاقي الاجابة في حياة المماليك نفسهم ان ده كان
عادي مات الملك عاش الملك – وعاشت "نفيسة" مع "مراد" 20 سنة
كلها عز وترف ورخاء لدرجة "الجبرتي" ذكر في كتابه: دخلت نفيسة منزل مراد بك وقد ورثت عن علي بك
الكبير ثروة طائلة، وزادت هي ثراء فوق ثراء بعد هذه الزيجة الجديدة، وعاشت معاه
حياة الترف بما جلبته له من ميراثٍ شمل إلى جانب البيوت والقصور والتجارة جيشاً
خاصاً يتألف من 400 مملوك وأسطولاً من السفن على النيل، وستاً وخمسين جارية واثنين
من الخصيان في حاشية نفيسة الخاصة. – يعني
الست دي شافت عز ولا ياسمين صبري في زمنها – وعلي الجانب الانساني كانت شخصيتها
قوية جدا محبة للخير وبتكره الظلم وكتير كانت بتقف في وش طغيان جوزها "مراد
بك" وتدافع عن الغلابة، وكانت في الوقت ده من أغنياء البلد واستثمرت فلوسها
في التجارة وبنت وكالة وعملت سبيل وكتاب لتحفيظ القرآن ودراسة علوم الدين وربع
لاسكان الفقراء ورا باب زويلة موجودين الي الان ومعروفه باسم "السكرية" –
المنطقة اللي كتب عنها "نجيب محفوظ" في الثلاثية - لحد ما وصلت لمكانة
عظيمة في نفوس المصريين واحبوها بجنون وسموها "أم المماليك". لحد هنا
والحياة وردي لكن الزمن قلاب.
جت الحملة الفرنسية
علي مصر 1798م وخرج "مراد بك" بجيشه وانهزم في البحيرة وهرب للجيزة وكتب
نابليون في مذكراته أن "مراد بك" لما هرب علي الجيزة طلع علي قمة الهرم
وبقي يبعت اشارات ضوئية بالشعلات ل "نفيسة" وهي ترد علي من سطح بيتها في
الأزبكية – ياعيني ع الايام ده انا بشوف سطوح البيت اللي جنبي بالعافية – ولما "نفيسة"
عرفت ان نابليون عرف بالحكاية دي خافت وزارته في بيته فطمنها انه ميهموش الكلام ده
– المهم عنده مراد يفضل هربان وخلاص - ورفضت "نفيسة" الهروب مع زوجها
وفضلت قاعدة في بيتها تحمي المتحامين فيها من الفقراء والمساكين. ولأنها ذكية قررت
تتلاشي بطش عدوها وتستخبي في عبه فبادرت وعزمت نابليون وقادة الحملة عندها في
بيتها وضايفتهم بكرم حاتمي حتي ان نابليون ردلها المجاملة باهدائها ساعة مرصعة
بالألماس ووصفها بالصديق لفرنسا وكمان سمحت بتمريض الجرحي الفرنسيين في بيتها في
سبيل يغضوا الطرف عن الغلابة اللي في رقبتها وميفرضوش عليهم ضرايب، وفي نفس الوقت
وفي السر كانت بتدعم المقاومة الشعبية بالمال وتخبي الهاربين. ولكن للاسف نابليون
شم خبر راح قالب ع الوش التاني وفرض عليها تدفع عنها وعن محاسيبها مبلغ مليون فرنك
مقابل الاحتفاظ بممتلكاتها – وده كان مبلغ رهيب في الوقت ده - وقدمت
"نفيسة" كل مجوهراتها لتسديد المبلغ لدرجة انها حطت الساعة الهدية من
ضمن مجوهراتها فأخدها نابليون وأهداها لعشيقته. ومات "مراد بك" في
الصعيد بالطاعون سنة 1801م وخرجت الحملة الفرنسية في نفس السنة. وفي سنة 1804م
أتعرضت "نفيسة" لاساءة كبيرة من الوالي "أحمد خورشيد باشا"
واتهمها باطل انها بتسعي لثورة ضده وبتخلي جواريها يوزعوا منشورات فردت عليه
وقالت: "ان السلطان
وعظماء الدولة رجالاً ونساء يعرفونني، ويعرفون قدري، حتى الفرنسيون، أعدائي
وأعداؤك، لم أر منهم إلا التكريم والاحترام، أما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك
ولا غيرهم". ورغم كده
حبسها في بيت السحيمي بشارع المعز حاليا. وعلي الرغم من حبسها فضلت تبعت اعاناتها
لأسر الفقراء ووقفت تجارتها فبدأت ثروتها تتضاءل.
لحد ما جه "محمد
علي باشا" للحكم 1805م ودي كانت اسود ايام حياتها، بعد مذبحة القلعة 1811م
وقضائه علي كبار وزعماء المماليك اخد كل ممتلكاتها وجردها من كل اموالها حتي بيتها
طلعها منه وخلاها علي الحميد المجيد، ومشفعش ليها عنده شفاعة كبار المشايخ والاعيان
اللي كانوا بيحترموها وبيجلوها – كويس انه مقتلهاش اصلا - واستضافها احد المشايخ في بيته. وفضلت عايشة في
الضل في فقر واختفي ذكر "نفيسة البيضا" لحد ما الناس نسيوها وهي عايشة.
وماتت "نفيسة البيضا" 1816م في فقر وذل, وكما قيل في ذكرها عاشت أميرة
وماتت ذليلة.
وده أكبر درس لأصحاب
العقول لو كانت دامت لغيرك فهي دايمالك. ولا دايم الا وجه الله.
مروه طلعت
11/2/2021
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق