هل بعت روحك للشيطان؟
استمتعت بقراءة رواية "الرجل الذي باع رأسه" للأديب الكبير الراحل "د/ يوسف عز الدين عيسي" رحمة الله عليه في أصدارها الحديث عن الدار المصرية اللبنانية بعدد صفحات 271 صفحة متضمنة مقدمة بيد ابنة الأديب وخاتمة بها نبذة محترمة عنه.
الرواية اعادتني الي جمال وهدوء روايات الستينات والسبعينات ويعتبر
"د/ يوسف عز الدين عيسي" رائد في مجال الأدب السهل الممتنع بالأسلوب
السردي البسيط جدا والحوار القليل مع عدم التعمق في نفسية الشخصيات الا ماقد
يتطلبه الأمر لوضوح الفكرة، مثل تلك الصفات تجعل الرواية سهلة القراءة تجذب القارئ
لمتابعة الأحداث السريعة وسرعه انهائها – أنهيتها في 5 ساعات - ووصول الفكرة بنفس
قوة وسرعة أحداثها الي القارئ والتأثير في أفكاره ونفسيته.
في المقدمة أشارت ابنة الأديب الي السبب الذي أوحي لوالدها بفكرة الرواية
وهو موقف محرج تعرض له في أثناء الاتفاق علي تنفيذ فيلم اذاعي في الستينات عندما
استهان المنتج بقدر الأديب وأعتبره ملكية موجوده مما أعتبرها الأديب اهانه له
ولعمله وتاريخه ووصل به الأمر الي تدمير نص العمل حتي لايذكره بتلك الاهانة.
رواية "الرجل الذي باع رأسه" هي صورة مستوحاه من مسرحية
"دكتور فاوست" للكاتب المسرحي"كريستوفر مارلو" الي جانب شعوري
بمسرحية "تاجر البندقية" للكاتب المسرحي "شيكسيبير" وخصوصا في
مشهد المحكمة، حيث نجد الشاب "رمزي" اليائس البائس الفاشل في ايجاد عمل
أو كيان يعبر عن أدميته محاولا الانتحار للتخلص من حياته التي بلا معني سوي المزيد
من العذاب والألم والحرمان، ثم يظهر في اللحظة الأخيرة والمناسبة بشكل مفاجئ شخص
غريب – غريب كالشيطان - ينقذه ويحاول أن يعيد اليه حياته التي كاد أن يفقدها عن
طريق عرض – كعرض فاوست – أن يشتري رأس رمزي مقابل ألفي جنيه – بما يعادل ملايين
الآن – وأن يكون رمزي أمينا علي الرأس حتي وقت مطالبه الشاري به، كما وعد الشاري
رمزي بأن يختفي من حياته بعدها لأجل مسمي، كما أصر الشاري تسجيل شراء رأس
"رمزي" في الشهر العقاري كعقار مباع، ويوافقه "رمزي" ظنا بأنه
مخبول أعطاه طوق النجاه وهو لايدري أنه أنقذه من حبل مشنقه انتحاره الي أتون
مستعر.
الرواية مليئة بالرموز والتشبيهات بين أحداث الأسطورة والحاضر فالاستغلال
والتسلط والسطو علي مجهود الغير والابتزاز كلها أساليب شيطانية وشكل من أشكال
العبودية، كثيرا الانسان المقهور مايعمل ويجتهد ويظن أنه علي طريق النجاح وهو في
حقيقة الأمر ماهو الا عبد سيده ومجهوده لا ينتسب له، الي جانب الاشارة الي تغيير
أسلوب البشر وتعاملاتهم لمجرد تغيير نوع الملابس فالتقدير والاحترام يظهر عندما
يظهر الرخاء والثراء لنفس الشخص الذي كان حقيرا لايرثي له "البدلة هي كل شئ،
أما الجسد الذي بداخلها فشئ لا يهم !".
الرواية علي بساطتها اللغوية
وبساطة أحداثها ووضوح شخصياتها حيث الشخص الطيب طيب والشرير شرير لاوجود
للسيكولوجيات العسيرة والمؤامرات الدفينة، رواية من نوع سينما الأبيض والأسود، الا
أنها تدفعك الي التساؤل هل أنا حر أم دون أن أدري أبرمت عقد وبعت رأسي؟
مروه طلعت
11/12/2020
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق